في الآونة الأخيرة، ظهرت في الساحة السياسية مصطلحات فخيمة، مثل الهامشية والنخبوية، وهما تستخدمان بصورة فجة وشمولية وبغير منطقية وتدقيق وتمحيص، وتجد الذين يلوكون مثل هذه الكلمات يجاهرون بها مجاهرةً تسد الأفق ولا تفسح المجالات للرؤية الحقيقية لما وراء القصد .. فالهامشية من الناحية المبدئية يقصد بها الهامش الجغرافي أي المجتمعات البعيدة عن المركز .. والتهميش يعني عدم اكتراث المركز لها وأنها لا تحظى بالاهتمام المطلوب والذي هو حق وفريضة وليس مِنّة من أحد بحكم أنها مجتمعات شريكة في هذا الوطن .. وأيضاً توجد مجتمعات الهامش الجغرافي في أطراف المدن .. بل من هم على هامش الحياة في قلب المركز والمدن وكل أصقاع الوطن .. ولكن التهميش الذي كان منطلقه جغرافياً أصبح يعيش فينا كلنا، كأمة واحدة وبكل أنواعه .. تهميش اقتصادي وسياسي وسلطوي و.. و .. و.. إلخ حتى أصبح التهميش هو الصفة والهوية التي تميز كل الشعب السوداني عدا قلة لا تزيد عن 1٪ تسيطر على الوطن وشعبه فقط بقوة السلاح .. بل إن سوداننا قد أصبح على هامش الكرة الأرضية .. فاستيعاب ذلك ضرورة قصوى لكي تسعى كل الناس مجتمعة لإحداث التغيير وإعادة بناء الوطن ولو للدرجة التي تركنا فيها الإنجليز. أما عن النخبوية، أي النخبة المميزة، فتلك من الاستحالة أن تكون صفة لأحدى المجتمعات أو لأُسر بعينها، ولا يمكن أن تكون حكر لعرقية أو ثقافة ما .. فلذا نجد استعمالها وإطلاقها عشوائياً هو خطأ فادح .. فعند كل شعوب العالم نجد النخب هم الأفراد الذين يتميزون بمواهب متفردة في كل أجه الحياة .. العلوم والرياضة والسياسة والإبداع والاقتصاد والاختراع والثقافة وكل الفنون من أدب كتابة ومسرح وموسيقى وسينما .. إلخ والتجديد المتواصل فيهم .. وهؤلاء النخب هم دائماً مزيج من كل ألوان الطيف ومن الاستحالة أن يخلو مجتمع ما، ومهما قل شأنه، من شخصية نخبوية .. وهم أصلاً لا يسترزقون من أموال الشعوب من خلال السلطة بل من خلال السوق العمومي الحر .. سوق الحياة وعرض وبيع وشراء الإبداع .. ولهم احترامهم ومقاماتهم المجتمعية .. ولكن فقط في السودان نجد أن النخب هم الضحية والشماعة المثالية التي تُدرع فوقها كل أنواع الفشل وهناك من يقولون أن النخب هم أسباب مشكلات السودان .. ومثال ذلك الإنقاذييون الذي يحاولون تبرر فشلهم بأن النخب لا تكف عن مصارعتهم وهي تغلب المصالح الذاتية على المصلحة العامة ..فعن أي نخب يتحدثون؟ الطبقية متوافرة في كل العالم وهي ليست حكراً على السودان وحده .. طبقية مجتمعية وليس الأسرة الملكية البريطانية كما بقية عامة الشعب، وتلك وضعية قد تكون من المنطلق العرقي والنسب الأصل .. وطبقية سياسية حيث لا يستوي الذي يعرفونها والذين لا يعرفون وتلك ليست حكراً لهوية أو عرقية بعينها .. طبقية اقتصادية حيث نجد في كل العالم الأسر المترفة وتلك ليست حكراً لهوية أو عرقية بعينها .. وطبقية علمية { هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } .. فلا يجب أن تزعجنا تلك الحقائق. أما عن العلاقة ما بين التمكين والتتكين، أولاً يجب تعريف كلمة التتكين وهو الذي يقصد به تفعيل التكيّة .. وكلمة تكيّة، وجمعها تكايا، هي من المنشآءات الدينية المهمة التي ظهرت في العصر العثماني، وقد خصصت لإقامة المنقطعين للعبادة من المتصوفة ومساعدة عابري السبيل وغيرهم من المحتاجين .. والتمكين والتتكين هما صفتان إنقاذيتان متلازمتان .. وذلك ضروب من ضروب البلاغة الواضحة، وفيها تتجلى الاستعارة السياسية حيث أطلق الكاتب كلمة التكيّة وأراد الشكيّة لأب إدين قوية من المظالم الإنقاذية، حيث أن التمكين عند هؤلاء القوم لا يعني إلا أن السلطة ومال شعب هو تكيّة كُلية. أما عن التمكين الطبيعي والمقبول في عالم السياسية هو ما نشاهده اليوم في أمريكا حيث قام الرئيس المنتخب دونالد ترامب بتمكين 17 من غلاة العنصرية ليكونوا هم الطاقم الحاكم .. وخاصة السيناتور جيف سيشنز الذي اختير النائب العام وهو الذي رفض الكونغرس الأمريكي تنصيبه كقاضي في المحكمة الفيدرالية في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريقان، بسبب ممارساته وتصريحاته العنصرية ضد الآفروأمريكان .. وهذا تمكين معروف أسبابه وهو تنفيذ المنهجية التي اختارها الشعب الأمريكي بانتخابه لترامب وليس لتمكينهم من الاسترزاق من أموال الشعب الأمريكي .. وقطعاً لن تجدهم متكئين فيها على البندقية وهم لاغفون .. ودونالد ترامب نفسه سيكون محظور من مزاولة أي من نشاطاته الاقتصادية الخاصة .. وليس بإمكانه حضور اجتماع واحد لمجلس إدارة شركاته حتى لو كان في عطلة رسمية .. بالطبع سيترك كل أعماله لمن يديرها ويرسل له التقارير في البريد الخاص وفي بيته الخاص وليس في مكتبه في البيت الأبيض أو السكن الرئاسي .. أي بطريقة تختلف عن ناس قريعتي راحت .. وترامب سيكون محل رقابة دقيقة في كل سياساته الخارجية بحيث أنه سيصاب في مقتل إن حاول استغلال نفوذه كرئيس لإسداء أي معروف من قبل الحكومة الأمريكية لأي دولة في العالم له فيها مصالح اقتصادية وبغرض إفساح المجال لإمبراطورتيه الاستثمارية، ولو بشبهة .. تذكروا هذا الكلام وهو من المنظور السياسي العلمي البحت ومن متابعة ومعرفة لصيقة لتلك المجتمعات التي تعيش في ظلال الديموقراطية والشفافية وسلطة القانون. (انتهى) [email protected]