Share يكفي لمعرفة الحصائل المتواضعة، التي سيجنيها السودان، من قرار رفع العقوبات، أن نتذكر حديث وزير المالية الأسبق حمدي بدر الدين، الذي سخَّف درجة الاحتفاء الحكومية بالقرار، وقلل من تأثيراته على الخزانة العامة، خاصة أن تلك الاحتفائية جاءت كما لو أن القرار سينقل الاقتصاد السوداني، من حالة الكساد المطلق، إلى مرحلة الانتعاش المطلق..! وظني، أن حديث حمدي، وهو قيادي بارز في المؤتمر الوطني، يصلح لأن يكون مقياس رسم، لمعايرة الغلة التي يمكن أن يحصدها السودان، على المستوى الاقتصادي. وعليه، ينبغي أن يكون التسخيف الذي ساقه حمدي للحصائل الاقتصادية المتوقعة من القرار، مدخلاً لتعظيم الحصائد السياسية المرتقبة من القرار. ذلك أن إمكانية أن يُساهم قرار رفع العقوبات في حدوث تقارب بين الفرقاء السياسيين، يظل أمراً وارد الحدوث. ببساطة لأن القرار - وإن جاء طابعه اقتصادياً - إلا أنه قرار سياسي بامتياز، لجهة أنه يحمل في داخله بذرة جيدة لإصلاح علاقات السودان المهزوزة مع الأسرة الدولية، إذا وجدت تلك البذرة الرعاية المطلوبة، وإذا تخلى المؤتمر الوطني عن طرائقه التقليدية في التعاطي مع الشأن السياسي المحلي والخارجي. قناعتي، أنه يتوجب على الحزب الحاكم أن يغيِّر عقليته القديمة، في إدارة الدولة، وأن يركن إلى الخيارات الفعالة لحل الأزمة السودانية، بدلاً من سياسية الهروب إلى الأمام التي ظل ينتهجها طوال السنوات الماضية، حتى لا تتبدّد الفرصة الماثلة حالياً لإنهاء أزمات البلاد المتطاولة. بل يتوجب على المؤتمر الوطني أن يصوِّب على الهدف مباشرة، بدلاً من تعمية الأبصار من خلال ذرّ رماد القرارات المفخّخة في عيون المراقبين والأسرة الدولية، على نحو ما فعله في قراره الخاص بتمديد وقف إطلاق النار لستة أشهر قادمة..! ببساطة لأن الحاجة حالياً ليس لوقف العدائيات أو ما شابهه، وإنما لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المنكوبين والمتضررين من الاقتتال في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان..! وما يعزز من هذه الفرضية ويبرهن على أن الأولوية لإيصال المساعدات، وليس لوقف إطلاق النار. هو أن الحكومة ظلت تتحدث باستمرار حول أن التمرد، انتهى تماماً، وأنه استحال إلى عصابات لقطع الطرق ليس إلا.. وإذا كان ذلك، كذلك، فما جدوى وقف إطلاق النار إذن..! أعود وأقول، إن اجتياز فترة "العتبة" المحددة بستة أشهر، والتي وضعتها أمريكا كشرط لازم لرفع الحظر كلياً، يتطلب تغييراً في الوجوه المرتبطة بالشأن الخارجي والدبلوماسي، كما يتطلب تغيير السياسات الخارجية التي اوردت البلاد والعباد موارد الهلاك، وكل ذلك من أجل أن ينزع السودان عنه دثار العقوبات كلياً، وأن تخرج أصولُه من إسار التجميد. يقيني، أن هناك متغيرات سياسية جمّة، نجمت عن رفع العقوبات. وقناعتي أن تلك المتغيرات يمكن أن تسهم - إذا تم تطويعها بمصداقية لصالح الوطن وليس "الوطني" – في نقل السودان إلى مربع الاستقرار، القائم نظام ديمقراطي، تعددي الكلمة فيه للشعب، وليس لغيره. وإلا فإن تلك المتغيرات ستصبح هباءً منثوراً، ببساطة لأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يمكنه التراجع عن رفع العقوبات كلياً. وهي الرسالة التي تعمّد القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم استيفن كوتسيس، إرسالها في المؤتمر الصحفي الذي عقده أمس. وكأنما يريد الرجل أن يهمس في إذن الحزب الحاكم، بأنه لا مجال للتسويف أو المماطلة في الإيفاء بمطلوبات الستة أشهر المقبلة، إذا أراد أن ينأى بالسودان من مغبة الحظر الأمريكي.. فهل بمقدور المؤتمر الوطني أن يكون عند الحلم المأمول..؟! الصيحة