الناظر إلى ردهات الحكومة والمؤتمر الوطني، سيلحظ – بجلاء – حالة التصارع بين الفريق طه عثمان مدير مكتب الرئيس، وبين آخرين، من أجل استصدار شهادة ملكية، لقرار رفع العقوبات الأمريكية عن السودان. فكل طرف يدعي أنه صاحب الفضل في إنهاء الحظر الامريكي. والمتفحِّص بعين حاذقة، سيجد أن الخلاف حول هذا الأمر مضى إلى مراحل متقدمة، لدرجة تمايزت فيها حتى الأقلام القريبة أو المحسوبة على المؤتمر الوطني، مع أو ضد الطرف الآخر..! ويكفي هنا أن نلقي نظرة خاطفة إلى الحوار الذي أجراه الأستاذان مزمل أبو القاسم ومحمد لطيف مع مدير مكتب الرئيس الفريق طه عثمان الحسين، لصالح صحيفة "اليوم التالي"، لنتوصل إلى قناعة راسخة بأن التقاطعات بين بعض المحسوبين على القصر وبين وزارة الخارجية بلغت مرحلة متقدمة جداً، وخاصة بعدما تغافل التقرير المخصص لتبيان خطوات رفع العقوبات عن ذكر الدور الخليجي، كما يشتهي كثيرون داخل القصر، أبرزهم الفريق طه. ولعل ذلك ما جعل الرجل يستبق الجميع وهو يدبِّج الثناء إلى المملكة العربية السعودية وإلى الإمارات العربية المتحدة. ويبدو أن الفريق طه ساءه عدم إيراد الدور الخليجي كما يجب، لذلك تبنى توضيح هذا الدور، بمظان أنه دور مشهود ويستحق أن يُبرز للعلن. ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى مرحلة بعيدة، يتيّقن معها المرء بأن الأمور داخل الحزب الحاكم لا تبدو على خيرٍ مطلقاً. المثير في القصة كلها أن المجموعة التي يُشاع أنها أدارت الحوار مع أمريكا وصولاً إلى رفع العقوبات، لم تتحدث خلال منصة المؤتمر الصحافي، إلا بما يوضح الخطوات الجمعية التي قادت لرفع العقوبات، ولم تعمد إلى سياسة "تكبير الكوم" مع أنها تبدو صاحبة حق أصيل في هذا الملف. الثابت أن ازداوجية القرار في شأن العلاقات الدبلوماسية، وتهميش دور وزارة الخارجية في هذا الأمر، لم يعد خافياً، ويكفي أن الوزير البروفيسور إبراهيم غندور لم يكن على علم كافٍ بقرار طرد السفير الإيراني من الخرطوم. كما أن هناك كثيراً من الأمور لم تتم بمعرفته، وهو ما صدّر إلى الدول الأخرى رسالة سالبة، مفادها أن الحل والعقد في القصر وليس في وزارة الخارجية..! صحيح أن النظام الرئاسي يجعل الأمور كلها تُدار من القصر الجمهوري، لكن على الأقل يجب أن تتم مشاورة الجهة المعنية، حتى لا تتسرب رسالة سالبة إلى الخارج، تجعل وزراء خارجية الدول يتعاملون مع القصر الجمهوري مباشرة، مع أن العرف يقضي أن يكون تعاملهم مع وزارة الخارجية..! ولعل ذلك جعل كثيرين يتساءلون عن الأسباب التي تجعل وزير خارجية أمريكا جون كيري يقوم بمهاتفة النائب الأول لرئيس الجمهورية، ولا يقوم بمهاتفة نظيره البروفيسور غندور..! الثابت، أن البروفيسور غندور لعب دوراً محورياً، في تليين مواقف أمريكا، والأكيد أن القائم بالأعمال الأمريكي أستيفن كوتسيس نفسه نسب الفضل إلى غندور، وقال إنه من بدأ معهم الحوار، منذ أن كان مساعداً لرئيس الجمهورية، لكن قناعتي أن مهندس قرار رفع العقوبات هو الشعب السوداني الذي صبر على أذى أمريكا، وعلى أذى الإنقاذ القاسي، الذي يُعد أشد وطأة على السودانيين من غيره. وعليه ليس من داع للانصراف عن جوهر القضية، إلى قضايا ثانوية، على شاكلة من يقف وراء قرار رفع العقوبات كمنجز سياسي، لأن الواجب أن يعكف الحزب الحاكم على كتابة روشتة لمرحلة ما بعد رفع الحظر، إذا كان حزباً راشداً، بدلاً من هذا التهافت المفضوح، لاستصدار شهادة مكلية للقرار، كما لو أنه – أي القرار - سينقل الاقتصاد السوداني من الانتكاسة إلى الانتعاشة. وكما لو أنه سينقل الشعب السوداني من الضنك المطلق إلى الرفاهية المطلقة..! الصيحة