كتبت هنا يوم الثلاثاء الماضي، مستنكرا جلد الذات، الذي صار هواية يمارسها معظم أهل السودان، فرغم أنهم يرفضون أن تصمهم الشعوب الأخرى بالكسل، إلا أنهم يتبارون في نصب صيوانات العزاء للقيم والمُثل والعادات المتوارثة التي يقولون إنها ماتت أو تتعرض للتشويه ما من مجلس لتناول الأحوال العامة، إلا وبدأ الحديث فيه عن ارتفاع كلفة المعيشة وتدني الخدمات العامة، وانتهى بوصم جيل الشباب بالفسوق والانحلال، فتسمع كلاما من شاكلة أن «بنات الزمن ده فاكات»، و»الشباب ضايعين في الصياعة والمخدرات»، بينما وعلى مر العصور والأزمان، كانت هناك بنات فاكات وأخريات مربوطات، وشبان صايعين وشبان جادين، ولا تنسوا أنه وحتى قبل نحو 30 سنة كان الرجل الذي يلوك اللبان في مكان عام، يعتبر «شاذا»، أما إذا طرقعت لبانة في فم فتاة فإن ذلك كان دليلا على أن «عينها بيضاء» في كل الأرياف السودانية، وإلى عهد قريب، كان لبس الرجال البنطلون «عيب»، ولو فقد شاب قواه العقلية، ومسح جسمه بغير زيت الطعام، فقد كان الجميع يتبرؤون منه، باعتبار ان رجولته مشكوك فيها،لو قيل لرجل قبل 30 سنة ان ابنته شوهدت وهي تأكل نبقة في الشارع، لاستدعى ابن أخيه ليعقد قران بنته عليها، لأنها «ماشية في طريق عوج»، ثم صار من المألوف ان تتناول النساء الأكل في مطاعم عامة، بل يا للهول صرنا نرى بناتا يقضمن السندويتشات وهن سائرات في الطرق العامة.. في ما يسميه ببغاوات التلفزة «الزمن الجميل»، كانت هناك ضوابط أخلاقية واجتماعية متفق عليها ويحترمها الجميع، ولكن الهجرات الداخلية، والفقر أسهما في تمييع تلك الضوابط، ولم يعد من حق رجل سبعيني، ان ينهر صبيا او صبية من أهل الحي، لأنه أتى سلوكا خاطئا، «لأنك ما أبوي»، وفي ما مضى، كان التدخين في الأوساط النسائية مكفولا فقط لمن هن فوق الستين او المصابات بالزار، واليوم تستطيع فتاة ان تدخن او تشيش في مكان عام، وكل ما يستطيع ديناصور مثلي ان يفعله هو ان يمصمص شفتيه، ولكنني لست على استعداد لوصف فتاة تدخن بأنها صعلوكة، ما لم يكن من حقي ان اصف رجلا يدخن بأنه صعلوك، ونعم، صارت هناك مظاهر وسلوكيات مثيرة للقلق بكل المقاييس، خاصة في المدن، ولكنني لا اعتبر ذلك نهاية الكون، بل مقتنع تماما بأن معظم شبابنا ما زال يعرف العيب و»يخاف من الشين» نرى هنا وهناك، فتيات يرتدين ملابس بها أنظمة وفتحات تهوية عديدة، وشبان يلبسون تي شيرتات عليها عبارات «تكسف»، وبنطلونات تستخدم لغير الغاية التي صنعت من أجلها، وهي «الستر»، ولكنني لا انظر إلى هؤلاء كجيل جانح و»مطلوق»، فهي في تقديري «هوجة وتعدي» بالنسبة لجيلنا كان التدخين مرجلة وقيافة، ولم يكن شاربو الخمر يعتقدون أنهم معنيون ب»إذا بليتم فاستتروا» ولكن معظم من هم في العشرينات من العمر من شباب السودان اليوم، لا يدخنون ولا يشربون الخمر، يعني، قد تعتبرهم فالتين بحساب المظهر ولكن مخبرهم طيب، ومن خلال تجربة ليست بالقصيرة في العمل الطوعي، استطيع ان اقول إن الشباب من الجنسين أكثر استعدادا للإسهام في كل ما ينفع بلدهم ويرفع من شأنه، أكثر من الديناصورات الذين يطلقون الأحكام المجانية عليهم، وإذا حكمت عليهم بطريقة قص الشعر ونوعية الملابس ستتسلح بالمعوذتين، ولكن إذا خالطتهم، ستجد فيهم جينات الطيبة والمروءة والشهامة، التي يحسب العواجيز أنهم فقط يمتلكونها وعلى كل حال فإذا كان جيل الشباب فالتاً و»فاكي»، ولا يميِّز بين الألف والواو الضكر، فالمقصر هو الآباء والأمهات والأجداد. الصحافة