قبل قليل(7/2/2017م- الخامسة مساء) أنهيت متابعة جلسة استماع الكونغرس الأمريكي للتحقيق مع أعلى مسؤول أمني لأقوى أجهزة الأمن في العالم (كيلي) على قناة الجزيرة مباشر. وخرجت بتلاث نتائج: النتيجة الأولى: قوة أمريكا تكمن في قوة مؤسساتها وصرامتها، واحترام الكل لتلك المؤسسات ولوظيفة من يشغل موقعاً في تلك المؤسسات. جميعكم رأيتم كيف أبطل قاضي محكمة فدرالية (السلطة القضائية) قرار رئيس(السلطة التنفيذية) لأقوى دولة في العالم لمدة 15 يوماً؛ ولم يستطع أن يفعل شيئا إزاء القرار رغم كل الهياج الذي أصدره. ما يعني أن السلطة القضائية هي أعلى من السلطة التنفيذية قولا وفعلاً. وقد كانت أسئلة النواب(السلطة التشريعية والرقابية) قوية وواضحة ومباشرة، وكان النقاش قويا وصارما، رفضت فيه نائبة أن تحكم أمريكا بالشعارات الانتخابية؛ لأن الوزير أقر ضمن الإستجواب بأنهم استعجلوا القرار؛ تنفيذا لوعود انتخابية، والحد من تدفق الإرهابيين( ليس إرهابيين محتملين كما يقتضي الأمر) إلى داخل أمريكا، وقال: كان يجب علينا التريث والتشاور مع الكونغرس قبل إصدار القرار. مما يعني إقرار الأجهزة الأمنية بالخطأ الذي ارتكبته. والسؤال التحقيقي القوي كان من قبل نائبة من أصول مهاجرة: وهو سؤال معقد، يحوي تمهيدا واستخلاصا وشجبا، وهو كالآتي: لقد قال الرئيس ترامب إن قراره استند إلى وثائق تفيد بأن مواطني الدولة المعنية قد شنوا هجمات إرهابية عديدة. فأجاب الوزير بنعم. فسألت النائبة: هل لديك ما يؤكد أن مواطني هذه الدول المعنية شنوا هجمات على أمريكا خلال الخمسة أعوام الماضية؟ أجاب وزير الأمن: أنهم شنوا هجمات في أوروبا وغيرها. قاطعته ليجيب عن السؤال المحدد. فأجاب: لا. انتقلت إلى إجابة الوزير إلى حيثات القرار باستناده إلى (أن مواطني هذه الدول شنوا هجمات إرهابية)، واستفسرته باستغراب: السعودية ليست ضمن هذه الدول السبع التي شملها القرار( وهي تشير إلى أن قانون جاستا يسمح برفع قضايا ضد السعودية لذوي ضحايا 11 سبتمبر؛ أي أنّ بعض مواطنيين سعوديين ضمن من شاركوا في 11 سبتمر)، فالنائبة تتجه إلى القول بأنّ الأسس التي استند إليها القرار متناقضة وإنتقائية. لكن قناة الجزيرة مباشر قطعت البث وانتقلت إلى مؤتمر إرشيفي مع ترامب، ولم تعاود البث إلا بعد أن انتقل الاستماع والاستجواب للحديث عن الجدار مع المكسيك، ولم أعرف ماذا حدثّ؟؟؟؟؟!!!! وخلاصة هذه النتيجة أن قوة أمريكا نابعة من قوة مؤسسات الحكم فيها. النتيجة الثانية: متعلقة بالأولى مباشرة؛ وهو أنّ الإعلام العربي- بما فيه قناة الجزيرة التي اكتسبت احتراما وجمهورا في بداية نشأتها- لا علاقة له بالمعلومة والأخلاق المهنية واحترام عقول المشاهدين؛ فهو إعلام يمارس التدجين بأبشع طرقه وبطريقة فجة ( ويمكنكم مراجعة الحلقة في موقع قناة الجزيرة مباشر). فكان الأجدر بقناة الجزيرة- واحتراما لتاريخها وتلافيا لتراجع مصداقية جمهورها حول مهنيتها- أن تحترم المشاهد قليلا، وتمارس الدور الإيجابي وتفتح كل الملفات الحقيقة عن الخراب الذي يحدث حتى تبرئ ساحتها من التهمة التي تشير إلى أنها أحد أقوى أدوات هذا الخراب الذي يحدث؛ وأسوأ وسيلة تدجين في الشرق الأوسط؛ خاصة بعد الذي أطلق عليه ثورات الربيع العربي. النتيجة الثالثة: أن أمريكا الداخلية ليست بلدا مثاليا؛ لكنها الأكثر حيوية، فالكونغرس يضم مجموعة كبيرة من النواب الذين ينحدرون من جذور مهاجرة، ومن ألوان مختلفة، لكنهم كونوا أمة لها هوية كبرى تقوم على التعدد والتنوع والاختلاف؛ وتأكيدا لذلك فإن الأسئلة الأقوى طرحتها نائبة من جذور أفريقية؛ فكانت تتحدث بانتماء حقيقي لأمريكا الأرض والإنسان؛ فلأمريكا (التي خربت سلطاتها وسياساتها كل بقاع العالم) وجه إنساني حقيقي بوقفتها ضد قرار ترامب، وتصنيفه بأنه قرار عنصري يستهدف دولا من ديانة محددة، وقد أطلقت جعيات مدنية وحقوقية وإعلامية وجماهير غفيرة حملات إعلامية تشيد بدور المهاجرين في بناء أمريكا، وتم التركيز على أنّ من أقوى الشركات الأمريكية شركات معتبرة عددا وأهمية تعود في تأسيسها لمهاجرين. خلاصة: إن الطريق لبناء الدول وازدهارها واضح، مؤسسات قوية تقود المجتمع بنزاهة، ولا تتأسس هذه الفكرة بعيدا عن إعطاء السلطتين القضائية والتشريعية اليد العليا في الممارسة العميقة للمجتمع. [email protected]