مرت تجربة النيابة العامة في السودان بعدة مراحل منذ قانون تحقيق الجنايات عام1925م ومروراً بقانون الإجراءات الجنائية لسنة1974م ثم قانون الإجراءات الجنائية لسنة1983م وإنتهاءاً بقانون الإجراءات الجنائية لسنة1991م والقانون الأخير واللوائح الصادرة من وزارة العدل قنن لعمل النيابة العامة بصورة أكثر وضوحاً... وخلال هذه المسيرة تعرضت النيابة العامة لإنتقادات لاذعة لإرتباطها بالجهاز التنفيذي ، ومن خلال التجربة العملية نجد أن النيابة العامة ظلت تخضع لمزاج السلطة التنفيذية مما أثر علي عملها كثيراً ، وأخيراً تم فصلها من وزارة العدل لتكون سلطة قائمة بذاتها ومستقلة في أداء عملها جاء ذلك في التعديل الاخير للدستور كإنفاذ لمخرجات الحوار الوطني وقد رحبت كل قبيلة القانونيين بهذا التطور مع بعض الملاحظات في التعديل الدستوري ، طريقة تعيين النائب العام وتبعيته لرئاسة الجمهورية. كان من المتوقع حسب متابعاتنا أن يجاز قانون النيابة العامة من المجلس الوطني حتى يأتي تعيين النائب العام تبعاً لذلك ولكن جرت الأمور بأسرع مما هو متوقع فقد أصدر رئيس الجمهورية مرسوماً يتكليف وزير العدل بالقيام بمهام النائب العام . ومع إن هذا المرسوم لم يضيف جديداً فوزير العدل ما زال هو نفسه النائب العام ويمارس سلطاته وفقاً لقانون تنظيم وزارة العدل وقانون الإجراءات الجنائية وبالتالي فإن المرسوم كان مجرد تزيد لا داعي له وكان الظن وإن بعض الظن إثم أن تجري مشاورات حول قانون النيابة العامة مع كل القطاعات القانونية وزارة العدل ، السلطة القضائية، نقابة المحامين الشرطة...الخ ومن ثم يجاز القانون من المجلس الوطني ثم يتبع ذلك مشاورات مع القوى السياسية التي إرتضت الحوار الوطني والتي ربما تشارك في الحكومة القادمة لإختيار النائب العام حتى يأتي التعيين وهو يحظي بوفاق تام وذلك أولي خطوات الإستقلالية الحقيقية ، ولكن جرت الأمور بطريقتنا المستعجلة غير المبررة , لما العجلة في التعيين ومن وما هي الجهة التي رشحت مولانا عمر أحمد لهذا المنصب وما هي المشاورات التي جرت وأخذ الراي كل ذلك لا يعلم عنه شيئاً ، كان السائد وسط القانونيين أن يتولي هذا المنصب في مرحلته التأسيسية مولانا عوض حسن النور وزير العدل الحالي بحسبان أنه أكثر الناس حماساً لفصل النيابة العامة عن وزارة العدل وهو الذي قدم مسودة القانون لمجلس الوزراء هذا بجانب خلفيته القضائية فقد تدرج في القضائية إلي أن أصبح قاضياً بالمحكمة العليا وقد إنتدب للعمل خارج السودان و يتمتع مولانا عوض حسن بخلفية أكاديمية فهو المؤسس والمدير للمعهد القضائي في عهده الأول ثم في عهده الثاني وفوق هذا لم يعرف عن مولانا عوض إنتماءاً حزبياً صارخاً طيلة عمله القانوني وقد أندهش القانونيون عند تعينه وزيراً للعدل ولم يبد خلال فترة توليه المنصب أي إنحياز للحزب إلاّ بعض اللمم الذي لا يقدح في إستقلاليته ولكن تقديرات أصحاب الشأن استبعد مولانا عوض عن المنصب ، أما مولانا عمر احمد فلا نعيب عليه نقصاً في الخبرة فخبرته مركوزة لا سيما أنه كان مدعياً عاماً فهو ابن وزارة العدل ترعرع فيها حتى عض علي القانون بضرس قاطع فمن هذه الناحية فهو أهلاً للمنصب بلامراء... ولكن علاقته بالرئيس تلقي بظلال من الشك حول إستقلاليته فهنالك همس بأنه جاء إلي المنصب محمولاً علي هذه العلاقة بصورة أساسية... ونضيف من الشعر بيتاً أنه لا يخفي علي أحد علاقة مولانا عمر أحمد بالحزب الحاكم فهو وثيق الصلة بهذا الحزب ليس فكراً فحسب!! بل تنظيما مع إنه لم يثبت أنه يعمل في أجهزة هذا الحزب هذا ممن لا ينكره الا مكابر , هذه الملاحظات والمحازير يمكن تجاوزها ، بالنسبة للتعيين فالنص الوارد في الدستور يعطي رئيس الجمهورية سلطة تعيين مما يعني أن الرئيس هو الذي يفصله متى شاء فهذا الأمر يجعل النائب العام تحت رحمة السلطة التنفيذية وينتقص من إستقلاليته وبالتالي لا بد من قيد يحد من سلطة الرئيس في عزل النائب العام .وذلك بالنص في قانون النيابة العامة علي عدم جواز عزل النائب خلال فترة ولايته إلاّ في حالة فقدانه الأهلية أو السلوك غير اللائق بمنصبه ، فهذا القيد من أقوي الضمانات لإستقلالية النائب العام، أما علاقته بالحزب الحاكم فإن النائب العام نفسه وبسلوكه وعدالته يستطيع أن يبعد عن نفسه أي إنحياز للحزب الحاكم ، علي أي حال إن نجاح التجربة يتطلب قدراً كبيراً من بذل الجهد واستفراغ الوسع في تأسيس نيابة عامة مستقلة تتولي العمل الجنائي في البلاد في المرحلة القادمة وان إصلاح القوانين الجائية الإجرائية والموضوعية واللوائح الإدارية وتنظيم النيابات وغيرها دعامات أساسية لتثبيت أركان العدالة الجنائية في البلاد... وكلنا عوناً لمولانا عمر أحمد لنجعل مجري العدالة في البلاد صافياً ونقياً ومبروك لمولانا عمر أحمد لهذا التعيين والتحدي . بارود صندل رجب المحامي