بعد الاحتفالات والاستقبالات ونحر العجول والخراف والتمتع بما لذ وطاب، وتبادل النكات الماسخة والضحكات الفارغة، آن لمجدي أن يتشيك ويتهندم ويتعطر بذاك العطر الباريسي ويتوجه إلى مكتبه أو موقع عمله الجديد، فقد تم تعيينه معتمداً أولاً – هكذا قالوا له – فالمعتمدية خشم بيوت مثل كل الأشياء .. ليه؟ لأن لكل درجة امتيازات، فأن يتم تعيين سيد مجدي معتمداً أولاً فذلك يمنحه الحد الأقصى من الامتيازات، دعك من السيارات الثلاثة، والحيشان الثلاثة، والماعارف إيه الثلاثة، فهنالك بدل لبس، وبدل علاج خارج البلد (رغم شعار توطين العلاج)، وبدل سكن (حتى إذا كان يسكن في بيته)، وتذاكر سفر لزوم قضاء الإجازات خارج البلاد والترفيه عن نفسه شوية (فالاجتماعات كثيرة وطويلة ومملة) فالسياحة عندنا مساخة، ومقابلة نفس الناس، ونفس الكتاحة والزحمة والشوارع التعبانة والمناظر الكئيبة والخضرة المعدومة (طبعاً نحن ما حاسدين ولا بغرانين ولكن حزنانين لأنه لو شالوهو من الوظيفة بيرجع لينا حانف وشيهو وغضبان، ويلعن أبو أي حاجة، وما بعيد يلعنا نحن ذاتنا، ونحن أصلاً ما ناقصين الحاجات دي وكده). المهم نرجع للسيد مجدي الهمام، صاحب البرادو والعروس أم زمام، والذي أصبح معتمداً أولاً. خرج سيد مجدي من الفيلا وهو منتشي بعطره الفواح في ذاك الصباح وحوله الحسان الملاح، وتلفت ذات اليمين وذات اليسار .. سأله السواق هل هنالك إشكال!؟ سيد مجدي لم يقل شيئاً .. ولكنه قال بعد أن أعاد تلك النظرة التائهة الغاضبة .. قال: هذا محال.. هذا محال. سأله مرة أخرى ذاك السواق ماذا هناك؟ .. نظر سيد مجدي شذراً للسواق وأوشك أن يقول له (ويحك)، ولكن ألجمه لاجم، فربما السيارة في طريقها إلى فيلا مجدي، فالتريث واجب وخاصة إنه بدأ يستشعر عِظم المسؤولية منذ الآن، والعطف على الرعايا واجب أيضاً فلا يجب أن يكون فظاً غليظ القلب. لم يكن سيد مجدي يحلم بأقل من ذلك، ولكن الجماعة ما قصروا ولم ينسوا أفضاله عليهم (أيام كانوا يتشاركون صحن البوش المطرقع) المهم سيد مجدي نفد صبره، ولم يقوى على استمرار الوضع المزري هذا، وعندما سأله السواق للمرة الثالثة، أجابه بغضب شديد: وين البيرق؟!! البيرق وينو؟!! [email protected]