الدولة التي تمتلك إحصائيات دقيقة عن إنتاج البلاد من الذهب والذي تقول وزارة المعادن قبل أسابيع إن إنتاجه قفز خلال العام الماضي إلى 93.4 طن. والدولة التي تحدثنا على لسان وزير المعادن عن خارطة التعدين التقليدي الذي ينتشر في 12 ولاية و44 محلية و65 سوقاً و221 موقعاً و43890 بئراً، بجملة إيرادات بلغت العام الماضي 923.4 مليون جنيه بنسبة 168%.. الدولة التي لديها كل هذه المعلومات.. هل تعجز عن الإحاطة بمواقع نشاطات المعدنين التقليديين وتوفير حماية لهم من مخاطر الموت الذي يتخذ عدة أشكال هناك ما بين الاختناق في جوف الآبار.. وما بين انهيار تلك الآبار عليهم وهم بداخلها؟ ..! كيف تكون هذه الدولة (المحترمة) قد نجحت في الإحاطة بكل ما يخص مغانمها من نشاطات المعدنين بهذا المستوى من الدقة وتكون في نفس الوقت لا تزال تحدثنا عن خططها المنتظرة القصيرة والطويلة لتقنين نشاطاتهم.. لحصرهم.. للإحاطة بحالهم وأحوالهم.. لمنع مخاطر أكيدة تواجههم الآن وتتسبب في موتهم أمس واليوم وغداً بواسطة الزئبق القاتل الذي يؤدي إلى تليف الرئة والموت الأكيد أو الانهيارات والاختناقات أو غيرها؟ .. لماذا تنجز الدولة الذي لها وتجمع حصيدتها قبل أن تنجز ما عليها من واجب في حماية أرواح هؤلاء وإجلائهم من الآبار المنهارة وتوفير وقاية لهم من مباشرة العمل والحفر في مناطق قابلة للانهيار من الأساس..؟! لماذا يقدم لنا وزير المعادن الشهر الماضي هذه التقارير والأرقام المفرحة ولا يقدم معها إحصائيات لعدد ضحايا التعدين التقليدي الذين قبرتهم الانهيارات واختنقوا وتليفت رئاتهم.. كم بلغ عدد ضحايا هذا الشقاء الجديد في بلادنا حتى الآن؟.. وبالأمس القريب يتكرر نفس سيناريو الموت للمرة الألف إذ لقي سبعة من المنقبين عن الذهب في وادي حلفا مصرعهم اختناقاً جراء انهيار بئرين اثناء ممارستهم لنشاط التنقيب عن الذهب والذي نحصي ثماره ونغض الطرف عن قبوره في كل مرة.. لقد زادت حوادث انهيارات آبار التنقيب الأهلي على رؤوس المنقبين وزادت فواجع التعدين الأهلي في بلادنا التي بها وزارة كاملة خاصة بالمعادن.. لم توفر احتياطات حماية ووقاية أو أية إمكانيات إنقاذ لأمثال هؤلاء.. لنشاط اقتصادي أو إنتاجي بشكل أو آخر وتقول الإحصائيات إن عدد الذين يمارسونه الآن قد يصل إلى الملايين من الشباب السودانيين.. فهل الدولة يهمها فقط إصدار هذا الرقم النهائي وتلك الإحصائيات التي تسجلها بلادنا بمداد الحزن والفجيعة والموت المتكرر..؟! تلك الفواجع بوصف أرسطو هي بليَّة وليست مجرد مأساة ذلك لأن محنتها ناتجة بسبب تقصيركم . نقولها ونرددها ألف مرة لا قيمة لما تسجلونها من إحصائيات أو تسمونها إنجازات في مجال إنتاج الذهب في بلادنا بتلك الكلفة الباهظة من أرواح الشباب .. يجب أن تراجع الدولة وتراجع وزارة المعادن ملف التعدين الأهلي بمنطق حماية أرواح هؤلاء قبل كل شيء.. لهم الرحمة . شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين. اليوم التالي