احكام بالإعدام والسجن والغرامة على متعاونين مع قوات التمرد بولاية سنار    تقرير أممي: الجيش مسؤول عن الجرائم وتدهور الوضع الإنساني في السودان    وزارة الصحة تستقبل طائرة مساعدات إنسانية وطبية تركية تبلغ 37 طناً لمكافحة الكوليرا    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    مانشستر سيتي يستهل مونديال الأندية بالفوز على الوداد المغربي بهدفين دون مقابل    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    أمام الريال.. الهلال يحلم بالضربة الأولى    كامل إدريس يؤكد عمق ومتانة العلاقات الثنائية بين السودان والكويت    الجيش الشعبي يحرر (الدشول) الاستراتيجية بجنوب كردفان    "الدعم السريع" تبسط سيطرتها الكاملة على قاعدة الشفرليت العسكرية    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    ترامب: "نعرف بالتحديد" أين يختبئ خامنئي لكن لن "نقضي عليه" في الوقت الحالي    كامل إدريس ابن المنظمات الدولية لايريد أن تتلطخ أطراف بدلته الأنيقة بطين قواعد الإسلاميين    عَوض (طَارَة) قَبل أن يَصبح الاسم واقِعا    إنشاء حساب واتساب بدون فيسبوك أو انستجرام.. خطوات    عودة الحياة لاستاد عطبرة    السهم الدامر والهلال كريمة حبايب في إفتتاح المرحلة الأخيرة من الدوري العام    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    شاهد بالصورة والفيديو.. تيكتوكر سودانية تثير ضجة غير مسبوقة: (بحب الأولاد الطاعمين "الحلوات" وخوتهم أفضل من خوة النسوان)    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات سودانيات يشعلن حفل "جرتق" بلوغر معروف بعد ظهورهن بأزياء مثيرة للجدل    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرأة و .. أحقر مهنة في التاريخ!
نشر في الراكوبة يوم 12 - 03 - 2017


يَحدُث غرباً:
رغماً عنها تحاملت على نفسها للذهاب إلى العمل في ذلك اليوم البارد المُثلج .. آلام الصداع والمغص تمزقها ومُسكِّنات الألم لم تُجدِ كثيراً، كم كانت تود لو ترتاح في البيت خلال هذه الأيام الكئيبة، ولكن إدارة الشركة لا تعبأ بمعاناتها الشهرية.. والويل لها لو غابت أو تأخرت فسيطردها المدير دون رحمة لتعود إلى قارعة الطريق.. ديون الإيجار قد تراكمت .. وقد مرت 6 أشهر منذ أن طردها آخر اصدقائها من شقته، إذ قرر فجأةً أن يستبدلها ليبدأ "علاقةً" جديدة مع شقراء فارعة الطول.. هذه هي حياتها.. أن يتقاذفها الرجال منذ أن ألقاها أبوها خارجاً في سن 16 عاماً لكي تعتمد على نفسها ..
تأملت وجهها في المرآة فأطلت عليها "غولة" من الجانب الآخر.
لقد حفرت آلام الوحدة والبؤس أخاديدها في ملامحها وتعابير وجهها، ومع ذلك فإن مهنتها تقتضي البشاشة في مقابلة الزبائن، وتحمُّل سخافاتهم ووقاحاتهم، بل وتحرشاتهم الجنسية.. إلى جانب التحرشات والتلميحات القذرة من مديرها المباشر المتزوج ذي الأبناء! تُرى لماذا يحتاج المدير للتحرش بها ويمكنه التقاط أي ساقطة من الأرصفة، أو حتى مصادقة أي امرأة شاء في حانات العزاب والعازبات؟ .. وضعت مكياجاً كثيفاً وشَدَّت عليها معطفها، ثم انطلقت والرياح الباردة تصفع وجهها لتدرك قطار المترو. وفي العمل وصلت والآلام تُلهِب جسدها وروحها.. تلقَّاها مديرها بنظرة غاضبة باردة، فلقد صدّت آخر تحرشاته بالأمس فقط وعاقبها هو بسيل من الإساءات والصراخ، فتحملتها وحبست دموعها وهي تبتلع الإهانة تلو الإهانة.. لأنها لم تجد وظيفة بديلةً بعد.. إن مديرها إنسان مقيت تكاد تتقيأ كلما رأته..
احْتَسَت كوباً من القهوة المركَّزة، ورأت في أحلام يقظتها صديقاً (عشيقاً) جديداً يمنحها الحب الحقيقي ويوافق على أن يتزوجا لكي يصبح لها بيت آمن تكون سيدته - كما كانت جدتها قبل 50 عاماً - وربما تستغني عن الوظيفة وترتاح، ويكون لها أبناء تودعهم كل صباح وهم ذاهبون إلى المدرسة، وتكون هي الملكة المتوجة على دارها و.. و..
قطع أحلامها صراخ المدير الحاد وهو يناديها من آخر الممر. فنهضت فَزِعةً ليتلقّاها المدير بابتسامة شامتةٍ ملؤها التشفي.. ألقى إليها أوراق التقرير الذي سهرت عليه طوال الليل. وقال لها بأنها فاشلة وأن أداءها سيء وأنها قد أصبحت عبئاً على الشركة، ثم أشار إلى حسناء بدا مظهرها المُفْرط في التأنق ألْيَق بفيلم إغراء منه إلى مكان عملٍ جاد، وقال لها "هذه هي الموظفة الجديدة التي ستتسلم مهامك منذ اليوم. يمكنك أن تأخذي بقية مستحقاتك من محاسب الشركة!"
صعدت دماء الغضب الساخنة إلى رأسها وهي تنظر إلى ذلك المدير الشهواني النخّاس الذي يتلاعب بالنساء وكأنهن جوارٍ عنده، واقتربت منه لكي تخبره عن رأيها – الذي كتمته طويلاً – فيه وفي أمثاله..
وكان الانفجار وشيكاً..
يَحدُث شرقاً:
تركت زوجها يغُط في نومه، ونهضت فجراً قبل جميع أفراد المنزل إذ تنتظرها طقوس الروتين الصباحي المُمِل. أعدَّت ملابس الزوج، ثم قامت بتجهيز ملابس الأبناء المدرسية والأحذية، بما في ذلك رتق الثقوب وإصلاح الأزرار، واتجهت إلى المطبخ لإعداد الشطائر (السندوتشات) والشاي.
رغم برودة الجو أفلتت من عينيها دمعة ساخنة، وهي تتحسّر على حالها، ورغماً عنها همست بصوت مسموع "يا خسارتك يا فلانة! .. أهذه هي حياتك؟ مجرد ربة منزل حقيرة! "
أين المستقبل الباهر الذي كان ينتظرها والذي تنبأ به الجميع؟ لقد كانت من أجمل بنات الكلية وأذكاهن .. كل الشباب كانوا يتسابقون لِخَطْب وُدِّها وهي لا تعيرهم انتباهاً .. فأين ذهبت الطموحات والأحلام الكبيرة؟ ..
لقد أصبحت تحس بأنها مجرد "بقرة" تلوك العُشب في غباء ..
باختصار هي امرأة فاشلة تلعب دور الخادمة لزوجها وأبنائه الشرهين المُزعجين..
فهي تتعب وتكِد طوال اليوم دون أن تجد كلمة شكر واحدة "تَبُلُّ الريق" .. ألا يكفي بأنها قد ضحَّت بمستقبلها من أجلهم، وقَنِعَت بدور المرأة التقليدية الذي كانت تلعبه جدتها قبل 50 عاماً ..
ليلة أمسٍ فقط اجتمعت بزميلات الدراسة بعد 15 عاماً .. صحيح أن نصفهن لم يتزوجن بعد، وفيهن مطلقات، إلا أنه ما منهن من واحدةٍ إلا وقد حققت ذاتها وطموحاتها، فهناك من أكملت دراستها بالخارج وأصبحت أستاذة جامعية، وهناك من تولَّيْن مناصب مرموقة في شركات ومؤسسات حكومية.. ومضيفتهن نفسها قد أصبحت مديرةً كبيرة تتقاضى أضعاف راتب زوجها، ولديها خادمة تعتني بأبنائها ودارها الفاخرة، وكلهن يفتخرن بما حققنه في الحياة.. وأما هي فقد ظلت صامتةً مُحرجة. وعندما سألتها إحداهن فجأة عن جهة عملها، أصابها حرج عظيم، وبدا بأن زميلاتها كلهن قد صمتن انتظاراً لجوابها، وران صمت ثقيل حسبته قد دام دهوراً قبل أن تجيب في تلعثم وحرج "أنا .. أنا لا أعمل .. أنا ربة منزل فقط". وحاولت أن تبتسم في ارتباك لتداري حرج الموقف.. آذتها نظرة وابتسامة شامتة من زميلةٍ حاسدة كانت تنافسها، وآذتها أكثر نظرات الإشفاق والرثاء والتعاطف في وجوه زميلاتها قبل أن تبادر مضيفتهن إلى تغيير الموضوع. لقد شعرت بالذل والمهانة بين أترابها الذين تفوقوا عليها.. وصفحاتهن في الفيسبوك طافحة بما يعشنه من الحيوية والانطلاق والسعادة، وصورهن مع أزواجهن في إجازات رومانسية ب"ماليزيا" و"جزر المالديف" .. وأما هي فتعيش مع ذلك الثور الآدمي الذي يشخر طوال الليل ..
قطع خواطرها صوت زوجها الذي أفاق وبدأ يسعل وينحنح ويتنخَّم في سيمفونية طاردةٍ للرومانسية قبل أن تكون طاردة للبلغم .. إنها تشقى وتتعب من أجل راحته وراحة أولاده، وهي لا ترى منهم جميعاً أي تقدير لتضحيتها بالمستقبل الباهر .. ناداها زوجها .. فتساءلت عما إذا كان سيُسْمِعها كلاماً يعوضها نفسياً عن معاناتها، فحياها بصوتٍ أثقله النعاس وطلب منها أن تكوي له البدلة الزرقاء الداكنة اليوم لأن لديهم اجتماعاً خارجياً في العمل ..
أهذا كل شيء؟
انتظرته ليقول لها كلاماً يشي بالامتنان أو الرومانسية، فلم يزد على أن تركها ليذهب للحمام بخطىً متثاقلة .. صعدت دماء الغضب الساخنة إلى رأسها ..
لقد أصبح الأمر لا يُطاق.. زميلاتها ناجحات وهي فاشلة برتبة "ربة منزل" لا يعبأ بها أحد .. حتى زوجها.. هذا الثور "الذكوري" البليد!
فسبقت زوجها إلى باب الحمّام .. واعترضت الطريق بين زوجها والباب .. وتزاحمت كلمات السخط عند شفتيها ..
وكان الانفجار وشيكاً..
*********************
المَشَاهِد أعلاه نماذج تتكرر مع اختلاف التفاصيل في مجتمعات(هم) ومجتمعاتنا التي تأثرت بحركات ما يُسمى ب"تحرير" المرأة وما يُسمى ب "مساواة" المرأة، وهي مصطلحات تطرح ألف سؤال وسؤال بشأن دقتها ناهيك عن مراميها البعيدة ..
وعلى الرغم مما كان يُوجَد – ولا يزال - في مجتمعاتنا من ممارسات ومعتقدات وتقاليد ظالمة للمرأة ليس وراءها أي مستند شرعي، فإن المرأة كانت تفتخر بدورها كأم وربة المنزل، وتجد سعادةً، ومُتعةً، في ممارسة مهامها المنزلية، بعد أن ارتقت من كونها مجرد بنتٍ في دار والدها لتُصبح ربة منزل وسيدة لها بيتها الذي تُديره مع درجات متفاوتة من تدخُل الزوج في القرارات التفصيلية إلى جانب السياسات العامة للمنزل وتربية الأبناء.
إذاً فلماذا أصبح البعض من ربات البيوت – وخصوصاً المتعلمات منهن- تؤدي دور ربة المنزل وهي تلعن نفسها، وحظها، ومجتمعها، وزوجها، وابناءها؟
فمن أين إذاً جاءنا الفهم بأن ربة المنزل:
-إنسانة جاهلة متخلفة ..
-امرأة مقهورة مظلومة ..
-مهنة من لا مهنة لها ..
-إنسانة ليست لها أي مشاركة في خدمة الوطن ..
-رمز لتعطيل النصف الآخر من المجتمع؟
ومن أين جاءنا الفهم بأن :
-وظيفة المرأة الأساسية هي العمل خارج المنزل ..
-الأصل هو خروج المرأة للعمل في الخارج ووجودها في البيت هو الاستثناء ..
-وظيفة ربة المنزل لا قيمة ولا أجر لها لأنها مجرد خادمة ذليلة مسلوبة الحقوق ..
-المرأة خُلِقت للمناصب الرفيعة كأن تكون رئيسة، أو وزيرة، أو قاضية وليس للمنزل
-يجب أن يكون هناك خروج جماعي للنساء من البيوت إلى مواقع العمل الخارجية؟
الجواب: جاءتنا هذه الأفكار من الخارج واعتنقها الكثير من النسوة، فلم يقتصر الأمر على "الرفيقات" اليساريات المُلحِدات، أو الجندريات والإناثيات feminists العالمانيات secularists اللائي اعتنقن تعاليم الوثنيات المعاصرة، بل اخترقت تلك الأفكار أدمغة من يصفن أنفسهن بالملتزمات أو المتدينات سواءً كُن محجبات أو منتقبات. وذلك من خلال التعليم ووسائل الإعلام والتغيُّر في نظرة المجتمع.
فأما المُسلِمات فإنهن يتعيّن عليهن التحاكُم عند النزاع إلى مرجعية الوحيين (الكتاب والسنة)، وأما من يرفضن تلك المرجعية ويرمين الإسلام – تصريحاً او تلميحاً – بالتخلف والظلامية والرجعية والذكورية، فلا توجد أرضية مشتركة لمناقشة المسائل الفرعية معهن، إذ لابد أن يبدأ النقاش معهن في أصل الأصول (التوحيد) عبر النقد العقلي لأصل عقائدهن الوثنية ونظرياتهن الخرافية حول المادة الأزلية (أو الطبيعة) التي خلقت نفسها بالصدفة، والإنسان الذي جاء -في رأيهن-دون خالق في عالم مادي يتسم بالفوضى، والنسبية المطلقة للأخلاق، وحرية إشباع الشهوات كيفما اتفق إذا تمكن أصحاب الشهوات من فرض آرائهم.
جاءتنا أفكار "تحرير المرأة" من الخارج، وليس كل ما يأتينا من الخارج سيئاً، وإنما منبع تخلفنا الاعتقاد بأن كل ما يأتينا من الخارج حضارة وتقدُم، دون ان نكلف أنفسنا عناء تقييم تلك الأفكار بنظرة نقدية فاحصة، وكأن مجرد صدور تلك الأفكار من أصحاب العيون الزرق هو دليل صحتها.
إن قبولنا المطلق بالأفكار المستوردة من الغرب يدل على عقدة نقص عميقة ومتأصلة تمنعنا من رؤية العيوب، والثغرات، وجوانب التخلف الأسري في مجتمعات الغرب المتفوقة مادياً وتقنياً، وفي بعض جوانب الحقوق.
ليس موضع النقاش هنا مبدأ عمل المرأة على إطلاقه، لأن المجتمع بالتأكيد يحتاج لعمل المرأة – بضوابطه الشرعية - في مواقع معينة بما قد يُوصَف بأنه فرض كفاية، كما أن هناك من النساء من قد تُلجئهن الضرورة للعمل لسد الرمَق. وإنما موضع النقاش هو تلك العقلية التي تدعو لإلغاء مهنة "ربة المنزل" واحتقارها، والدعوة الأنانية لخروج نسائيٍ جماعيٍ شامل للعمل و"تحقيق الذات" في الخارج، مهما أضَرَّ ذلك بالأسرة والأبناء، وأضرَّ بالمجتمع في نهاية المطاف.
نظراً لأن أفكار "تحرير المرأة" قد نبتت وتطورت في ظل مرجعية عالمانية لادينية فإن تصادمها مع قيم الإسلام كان صريحاً وواضحاً في أكثر من قضية. وأولها قضية "المساواة" التي تنتقص من حقوق المرأة وسعادتها بأفيون من الأوهام.
ليس هناك وجه للمقارنة أصلاً بين تشريع من خالقٍ عليمٍ بالبشر ومحاولات بشرية تُصيب وتخطئ، بل وخطؤها أكبر من صوابها. ومن ذلك سذاجة مصطلح "المساواة". فالمساواة المُطلقة كثيراً ما تكون منافيةً للعدالة. ففي الإسلام من الظُلم إجبار المرأة على أن تعمل لكي تأكل وتعيش (كما يجري في الغرب)، لأن المرأة المسلمة ليست مُلزمة بأن تنفق على نفسها مهما كان ثراؤها فاحشاً، وإذا كان للمسلمة وظيفة وراتب فليس للزوج فيه حق إلا إذا تعطَّفت هي وتنازلت عنه بملء إرادتها. لأن الانفاق على المرأة المسلمة هو مسؤولية الأب أو الأخ أو الزوج، والأقرب فالأقرب. وحتى لو ورثت المسلمة ميراثاً طائلاً فليست مضطرة لأن تصرف منه أي مليم لأن نفقتها مسؤولية الرجال. وفي التطبيق العملي لم يستطع الغرب أن يطبق مفهوم المساواة المطلقة بحذافيره لمنافاته للفطرة، لأن المرأة لها احتياجات خاصة كإجازة الوضع وغيرها.
وفي الإسلام ليس هناك مساواة بين الأم والأب ففضل الأم وحقها أعظم لأن عطاءها أكبر. أي أن هذه الأم (ربة المنزل) التي يخجل البعض من مُسمَّاها مُقدَّمة في الحق على الرجل الذي قد يكون رئيساً، أو وزيراً، أو قاضياً، أو طبيباً إلخ. فهل يُقال بعد ذلك أن غاية الأمل، وأرفع المراتب أن تُصبِح المرأة رئيسةً أو وزيرةً أو قاضية بدلاً من دور ربة المنزل؟ ثم أليس حسابها في الآخرة على دورها الأساسي بالمنزل "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها" كما جاء في نص الوحي المعصوم؟ أليست الوظيفة مخاطرةً بالإخلال بهذا الدور الخطير الذي ستُسأل عن التفريط فيه؟
ولكن قد يقول قائل: لماذا لا تجمع المرأة بين الأمرين: بين واجبات المنزل والوظيفة؟
والجواب أن هذا كلام نظري قد تستطيعه قِلّة محدودة من النساء فتُوازِن بين احتياجات الزوج والوظيفة والأبناء، ولكن بعد تضحيات هائلة تفوق طاقة البشر. وأما غالبية النساء العاملات فسيقع عندهن الخلل والتقصير – لا محالة- في إحدى الحلقات الثلاث - سواءً شعُرن بذلك أم لم يشعرن وسواءً اعترفن بذلك أم لا. ولا مجال للمقارنة بين أداء الأم والزوجة المتفرِّغة وغير المتفرِّغة. كما إن محاولة التوفيق العبثية غالباً تُعرِّض المرأة لضغوط وتوترات نفسية هي في غنىً عنها. وإنه لمن الظلم أن نجبر المرأة على وضعٍ من ذلك القبيل ثم نتوقع منها أن تكون أماً وزوجةً مثالية.
إن نظرية "أنا والزوج في العمل، والأولاد في المدرسة" ثم التقاء المرأة مع الزوج والأبناء بعد عودتهما من العمل، وعودة الأولاد من المدارس قد تبدو أنيقةً على الورق، ولكنها في الواقع العملي محفوفة بمحاذير، لا سيما إذا كانت المرأة في قرارة نفسها تحتقر عمل المنزل، وينصَبُّ اهتمامها على مستقبلها المهني كسبيل وحيد ل"تحقيق الذات".
وكم من زوجٍ "مودرن" أراد امرأته "زوجةً موظفة" ليفتخر بها، أو ليتكسَّب من خلالها، فإذا به يُفاجأ بثقوبٍ كبيرة في ثوب أحلامه المثالية، فالزوجة امرأة لها مشاعرها وضغوط العمل قد تدمّرها نفسياً (لأن طبيعتها ليست كالرجلً) فتعود للبيت في حالةٍ شعورية لا تسمح لها بتلبية احتياجات الزوج والأبناء، لأن ما فيها من هموم الوظيفة يكفيها، خصوصاً إذا قارنت نفسها مع زوجها الموظف الذي يعود من الوظيفة ليرتاح في المنزل أو ليخرج للترفيه مع أصحابه، بينما تستمر مهامها المنزلية حتى آخر الليل. وقليلون هم الرجال القادرون أو الراغبون في تقاسم المسؤوليات البيتية مع نسائهن العاملات ما يشعرهن بالإحباط، خصوصاً وأن أولئك الأزواج يتوقعون منهن أن يكُنَّ – على الدوام- متزيِّنات، متعطِّرات، ورائقات المزاج، ومتجاوبات وكأنهن ربات بيوت متفرّغات غير مضطراتٍ للذهاب للعمل باكراً في اليوم التالي.
بل إن الوظيفة قد تُورث المرأة احتقار الزوج، فتضمحل مكانته، وهيبته، وأهميته، ويتآكل مفهوم القوامة تدريجياً، فهي موظفة مثله وراتبها مثل راتبه - إن لم يكن أكثر- ولديها سيارة واستقلالية، فما قيمة ذلك الزوج "الكسول" الذي يرجع من عمله لينام، بينما هي تكدح وتشقى داخل البيت وخارجه؟ إنها امرأة عاملة، وربما كانت حياتها من غير زوجٍ أفضل أو تستبدله بغيره؟ وربما رأت بعض الموظفات أن الزوج "صفر على الشمال"، ولا يقدّر تضحيتها، بينما الوظيفة تعطيها التقدير المادي، والاستقلال الاقتصادي، والمكانة الاجتماعية (البرستيج)، وأن الوظيفة هي الباقية، و"الرجال غدّارون لا أمان لهم" أو قد يموتون فتترمل وتضطر لمد يدها للآخرين، ولذلك استثمرن أوقاتهن، وإبداعاتهن، وطاقاتهن، واهتمامهن للوظيفة أكثر مما اهتممن بالزوج والأبناء المتروكين فريسةً للإهمال التربوي.
والنتيجة الحتمية -سواءً في الدول الغنية أو الفقيرة- أنه قد وقع ازدياد في حالات الطلاق في صفوف النساء العاملات على نحوٍ ربطه البعض بعصبية المرأة العاملة أو تعاليها على زوجها، أو بشعوره بفقدان حقوقه الزوجية لصالح حقوق العمل أو العمل والأبناء معاً. وكم من موظفةٍ قد ندمت بعد أن ذاقت آلام الطلاق وغُصَصَه، نتيجةٍ لواقع صنعته بيديها وأمورٍ كثيرةٍ كان يمكنها تلافيها لو أنها أعطت الأولوية لزوجها وبيتها.
وهناك آثار اجتماعية أخرى مثيرة للقلق من جراء الخروج الجماعي الإلزامي للنساء بعيداً عن المنازل. ففضلاً عن ارتفاع معدلات الطلاق والخلل في تربية الأبناء، فإن مزاحمة النساء للرجال في سوق العمل بأعداد هائلة يترتب عليها زيادة نسبة البطالة بين الرجال، ومن ثّمَّ عزوف الشباب عن الزواج فترتفع نسبة العنوسة في صفوف الفتيات، لتنضَمَّ بعدها جحافل المطلقات "المَتْعُوسات" (التعيسات) إلى جيوش العانسات "خائبات الرجاء". وفي ظل غياب الوازع الديني فإن بوار سوق الزواج سيؤدي لا محالة لانتعاش سوق الزنا والفواحش والأمراض الاجتماعية الأخرى.
ولقد رَصدت بعض الباحثات الغربيات الآثار المدمّرة على الأسرة جَراء الخروج الجماعي للنساء إلى الوظائف فألَّفت الصحفية الفرنسية كريستيان كولانج (محرِّرة المُلحق النسائي لصحيفة "لِكسبريس" الفرنسية سابقاً) كتاب "أريد العودة إلى المنزل" Je veux rentrer à la maison عام 1978. كما كتبت الخبيرة الأسرية الأمريكية "هيلين أندلين" - مؤسِّسة حركة الأنوثة المذهلة - عن انهيار الزيجات والأسر نتيجة ترك المرأة لدورها البيتي، وكذا ألفت الأمريكية "مارابيل مورجان" كتابها الواسع الانتشار" المرأة الشاملة" The Total Woman عام 1974، والذي دعا المرأة الأمريكية للعودة للاهتمام ببيتها وأسرتها، ونشأت على إثره حركة "جميع نساء العالم". وهناك شهادات كثيرة لنساءٍ غربيات اعترفن بشعورهن بالخديعة لأنهن قد حُرِمن من السعادة والاستقرار، ودُفِعن دفعاً للعمل ومجابهة مسؤوليات الوظيفة ولقمة العيش بعد أن كانت هذه الهموم منوطةً بالرجل الحافظ لشرفهن وكرامتهن.
هناك عظماء ومشاهير كثيرون خدموا البشرية، ولكنهم لم يأتوا من فراغ بل كان وراءهم مؤدِّبون وعائلات صنعت شخصياتهم وقيمهم. إنهم جنود مجهولون لا نعرفهم، ولكننا مدينون لهم بالفضل – بعد فضل الله- في نبوغ تلك الشخصيات. ومن أولئك الجنود المجهولين أمهات الأئمة والمُحدِّثين من أهل السنة والجماعة كأمهات الأئمة مالك، والثوري، والشافعي، وابن حنبل، والبخاري وغيرهن ممن لعبن دوراً محورياً في توجيه ابنائهن الوجهة العلمية الصحيحة، واكتشاف مواهبهم مبكراً، وصقل نبوغهم. فهل كنا سنشهد نبوغ أولئك الأعلام وننتفع بعلمهم لو تركت أمهاتهم موقع "ربة المنزل" جرياً وراء أوهام "تحقيق الذات" خارجه؟
بل هل كنا سننعم بالمصباح الكهربائي والقرص المدمج، وجدِّه الفونوغراف، وشريط السينما بالصوت دون جهود ربّة منزل أمريكية تُدعى "نانسي ماثيوز إليوت" تولَّت تعليم ابنها في المنزل بعد أن طردته المدرسة لأنه تلميذ فاشل؟ إننا نعرف ابنها "توماس إديسون" صاحب ال 1000 اختراع، ولكن الكثيرين لا يعرفون أن هناك ربة منزل صنعت بذور نجاحه المذهل. وفي هذا رد على من تقول: " ما فائدة التعليم إذا كنت سأجلس في البيت؟" إن العقلية التي تعتبر التعليم مجرد أداة للوظيفة فقط هي في حد ذاتها مشكلة يعاني منها الرجال والنساء، ولكن هذا ليس مقام مناقشتها. ثم، هل كان لكثير من العظماء أن يبرزوا ويتفوقوا دون ان تكون خلفهم زوجات وربات بيوتٍ وفَّرن لهم الجو الأسري المستقر، والمشورة، والدعم النفسي للنجاح والتميّز والإبداع؟
إن الدور الذي تقوم به بعض النساء في بعض الوظائف يمكن أن يقوم به رجال آخرون، ولكن 1000 رجل لا يستطيعون القيام بدور ربة المنزل والأم المربيَّة. وإذا تخلَّت المرأة عن موقعها المتقدِّم – موقع "ربة المنزل"- في قلعة الأسرة فإنها ستترك ثغرة كبيرة يَنفُذ منها أعداء الإسلام لتدمير الأسرة وافتتان الزوج والأبناء وضياعهم في مهب الريح.
فلماذا إذاً تبيع ممثلة أو مطربة جسدها للملايين بأبخس الأثمان، وتُفسد ملايين الشباب والشابّات بتحريضها على الرذيلة في أفلام وفيديو كليبات إباحية، ثم ترفع رأسها بكل فخر واعتزاز قائلةً بأن مهنتها "فنانة"؛ وفي الوقت نفسه نجد من نسائنا من تخجل من مهنة "ربة المنزل" وكأنها أحقر مهنة في التاريخ!
والصحيح أننا لو أردنا العودة للصدارة فلا بد أن تفتخر "ربة المنزل" بأنها ملكة وإن رغمت أنوف! إنها ربة البيت، وحاضنة المستقبل، وملكة الدار، ومصدر العز والفخار!
-----------------------------------------------------------------------
ملاحظة أخيرة: "ربة المنزل" اسم وعنوان عريض لمجموعة من المهن قد تزيد أو تنقص بحسب قدرات المرأة وإبداعاتها ومواهبها:
- زوجة
- أم
- مُرضِعة
- مربية/جليسة أطفال
- مشرفة رياض أطفال
- طبّاخة
-أخصائية تغذية
- منظِّمة حفلات وولائم ومناسبات
- مسؤولة ضيافة وبروتوكول
-أخصائية تربوية/ اجتماعية
-أخصائية نفسية – تخصص أطفال/ مراهقين / رجال
- مسؤول تموين
- مسؤول مشتريات وتسوق
- مسؤول اقتصاد وتدبير منزلي
- مدرّسة لجميع المراحل
- مدرسة تحفيظ قرآن
- داعية إسلامية في بيتها
- مديرة منزل
- مسؤولة تنظيف وتلميع
- مسؤولة إصحاح بيئي
- مسؤولة مكافحة حشرات وقوارض
- خبيرة غسيل ملابس/ إزالة بقع
- خبيرة كي ملابس
- خيَّاطة وخبيرة تفصيل
- خبيرة فنون وأعمال يدوية
- أخصائية ترتيب منازل
- مهندسة ديكور
- خبيرة تجميل وزينة وحناء
- خبيرة تجهيز عرائس
- مهندسة حدائق ونباتات الزينة
- مسؤولة ري نباتات
- مهندسة زراعية
- مسؤولة عناية بالحيوانات
- ممرضة/ خبيرة إسعافات أولية وطوارئ
- سكرتيرة ومساعدة تنفيذية خاصة للزوج
- مستشارة خاصة للزوج
- مُنسّقة مواعيد
- سكرتيرة طباعة
- مقدِّمة ومُعِدّة برامج مسابقات وألعاب
- مُخطّطة/منسقة رحلات وسفريات عائلية
- كاتبة ومؤلفة وراوية قصص أطفال
- كاتبة ومؤلفة أهازيج وأناشيد أطفال
- منشدة للأطفال
- مُطربة للزوج
- مدرِّبة رياضية/ منسّقة ألعاب رياضية
- أخصائية مساج (تدليك) وعلاج طبيعي
- مفتشة ترتيبات أمن وحراسة
- والقائمة تطول بحسب الاجتهاد والقدرة ....
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.