لقد تم اكتشاف العالم بعين العقل الحسي الذي ابتعد شيئاً فشيئا عن الدين والروح. ما بعد الحداثة كشفت عن نهايات طريق الحداثة (الذي يبدو كزقاق اعمى) فأكدت على ضرورة الروحانية والتي بها تتم زحزحة قاعد نماذجية الحداثة القائمة على الظاهر والعلوم الطبيعية والعقل الحسي. هنا ظهرت ضرورة الثقافة الجامعة اللامة للكل الإنساني وظهرت الحاجة لفكر روحي إنساني جمعي جديد والتي تقوم على تحرير العقل المادي وتنوير العقل الديني. نحن في عوالمنا العربية والإسلامية نعيش أزمة رفض الحداثة بينما يعيش غيرنا أزمة قبول الحداثة. الحداثة هي عالمنا الحالي الذي نعيش فيه بكل مستجداته التي أنتجتها حركة التنوير والنهضة والثورة العلمية الصناعية والإصلاح الديني في أوروبا منذ القرن الرابع عشر تقريباً. من أبرز معالم الحداثة هي الروايات الكبيرة (هيجل وماركس) التي تقوم على التأمل والتخمين والنظر وتقوم على مبدأ تحرير الإنسان. ما بعد الحداثة بلا مشروع فكري، إذ يقوم كل همهما على نقد الحداثة، وإذا تفاءلنا نقول بأن ما بعد الحداثة مشغولة بهدم القديم ولم تنشغل بعد بتقديم جديد. يسأل ليوتارد: "هل تقدم التاريخ فعلاً يقود البشر نحو شكل إجتماعي اقرب للعدالة والعقلانية والتبادل الثقافي؟ " ناقش ليوتارد فكرة تحطم الروايات الحداثية الكبيرة التي تعرف وتشرح تطور التاريخ (نظرة أديان التوحيد) و(هيجل وماركس). ما بعد الحداثة تريد كذلك مغادرة عالم العقل والضبط العلمي الطبيعي المنطقي إلى عالم الشعر والآداب والفنون (عالم الإحتمالات). وكما يحلو لنا تكرار القول الجميل بأن المؤرخ يكتب ما حدث بينما الشاعر يكتب ما كان يمكن أن يحدث أو ما قد يكون قد حدث أو ما كان ينبغي أن يحدث. وهل يبقى للبشر في نهاية التاريخ غير الفنون والآداب والعيش من أجل الناس. [email protected]