التطور الطبي كشف عن حقيقة مهمة هي أن الجنين الذي يسقط تلقائياً أثناء الحمل هو في الغالب جنين عليل بشكل يجعل في سقوطه رحمة به، فنسبة عالية من الأجنة التي فقدتها أرحام أمهاتها تحدث بسبب وجود عيوب جينية فى الجنين . زواج التراضي الذي أسقطته اللجنة الطارئة للتعديلات الدستورية بالبرلمان السوداني، أول أمس بالأغلبية، هو في الغالب يدخل ضمن هذه النسبة من الإجهاضات الرحيمة بمجتمعنا وبتقاليدنا الإسلامية المتوافق عليها من معظم المصادر والمكونات السياسية والاجتماعية في عملية الزواج الشرعي في السودان . لم نكن نحتاج إلى تبديد كل هذا الوقت الذي بددناه في جدل غير ضروري من الأساس، وحتى من يتحدثون عن شكوكهم في نوايا الحكومة بعدم الالتزام بتطبيق التعديلات الدستورية، كانوا يطلقون هذا الحديث بشكل عام لكنهم حين يتواجهون بسؤال مباشر عن تحول رمزية هذا الالتزام، وهذه المصداقية المختبرة في جزئية محددة هي زواج التراضي، تجدهم يهمسون في أذن المؤتمر الشعبي بأن يهتم بالقضايا الأساسية التي تصلح فعلاً لاختبار مصداقية الحكومة.. ويهتم ببنات أفكاره ومخرجات حواره الأخرى السليمة من الشك والبريئة من العلل الخلقية. وهذا ما قالته حركة الإصلاح الآن فبرغم أنها اعتبرت أن الخلافات حول التعديلات الدستورية هي اختبار حقيقي للإرادة السياسية لأحزاب الحوار والتزام النظام الحاكم بمخرجات الحوار، لكنها عادت وهمست في أذن المؤتمر الشعبي ناصحة له بالتركيز على التعديل الدستوري المتعلق بالقضايا السياسية والدستورية الملحه حتى لا تأخذ بعض الأطروحات القانونية الأخرى حيزاً أكبر ويستغلها آخرون للتشويش . كان على المؤتمر الشعبي أن يعيد شريط الجدل الطويل الذي حدث حول زواج التراضي حتى يتمكن من مشاهدة المعترك جيداً حيث سيجد نفسه هو الحزب الوحيد الذي يصر على التمسك بعدم إسقاط كلمة واحدة هي (مباشرة) من النص حتى يأمن الالتباس، بالتأكيد الصريح على أهمية موافقة ولي أمر الفتاة البكر على زواجها . إسقاط زواج التراضي من التعديلات الدستورية لا يمكن اعتباره رمزية لتهرب الحكومة وعدم التزامها بمخرجات الحوار لأن هذه القضية لم ولن تكن قضية مهمة ينتظرها من ينتظرون تنفيذ مخرجات الحوار التي تعني إصلاح مسار الدولة السودانية.. زواج التراضي لم يكن موضوع خلافي بين الحكومة وأحزاب الحوار بل هي نقطة خلافية بين المؤتمر الشعبي وقناعات معظم مكونات المجتمع السياسي والديني والاجتماعي في السودان فكيف يكون إسقاطها قضية من قضايا الوطن وليس العكس حيث أن الاستسلام لتمريرها تحت ضغط الصوت العالي كان بمثابة إهمال لحصاة كلوية خطيرة ومؤذية داخل كلية المجتمع السوداني . لقد صح الصحيح.. وتم الذي يجب أن يتم بشكله المقبول وانتهت هذه القضية هنا عند هذه المحطة، وكل الذي ستتركه من ألم واحتجاج من جانب المؤتمر الشعبي لن يفوق مقدار ما تشعر به الأم حين يحدث الإجهاض فتنتابها مشاعر كثيرة، بين الحزن والألم لكن وبعد وقت قصير ستتمكن من استيعاب حقيقة تقول إن ما حدث كان لخير . شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين. اليوم التالي