في الأخبار الواردة في بعض الصحف، أنّ محكمة جنايات بلدية أركويت بالخرطوم شرق قضت بتوقيع عقوبة الغرامة (100) جنيه في مواجهة (11) متسولاً، منهم (معاقون)، ووفقاً لصحيفة (آخر لحظة)، أدانتهم المحكمة بمُخالفة قانون الأمر المحلي المتعلق بامتهان (التسول)، وقررت المحكمة توقيع عقوبة السجن أسبوعين في مواجهة المُدانين في حالة عدم دفعهم للغرامة. ثم اقرأ خبراً آخر، تنفيذ عقوبة الجلد حداً والسجن ل (غسّال) سرق أسطوانة غاز، ويتبع؛ (قضت محكمة بتوقيع عقوبة السجن (3) أشهر في مواجهة شاب أُدين بسرقة (حذاء) من داخل مسجد بأمبدة، وأمرت المحكمة بجلد المدان (30) جلدة. هذه الأخبار ومثيلاتها تملأ صفحات الحَوادث والقضايا بالصحف اليومية، ولو غَضضت الطرف كاملاً عن أية قضية فساد وصلت سُوح المحاكم، سَوف تظن تماماً أن القانون مُطبّقٌ كما ينبغي، لكن الواقع غير ذلك، فسرعان ما تكتشف أنّ القانون يُطبّق على الضُعفاء الذين يُخالفون الأوامر المحلية، ويتناسى القانون الذين يُخالفون قسمهم بخدمة الوطن الذي حوّلوه إلى (حيازة). مَا مِن قضية فَسَاد، صَغرت أو كَبرت، وجدت طريقها إلى المحكمة انتهت بالتقاضي العادل، لم يحدث أن انتهت قضية إلى مُتّهمٍ معلومٍ، تنتهي كلها إلى حالة (اللا مُتّهم)، بل في حالات مشهودة، تُوِّج المتهم وزُفّ إلى مناصب عليا بعد نيله براءة مشبوهة. حينما تصبح الصورة أمام عامة الناس، أنّ ميزان العدالة يميل ضد الضعفاء، ويقتصر عمل المحاكم في محاكمات سارق (حذاء) أو (أنبوبة غاز) تتّضح الصورة أكثر أنّ الظُلم منهجٌ تتبعه السلطة أكثر من أن يكون مجرد أخطاء أو محسوبية.. والنماذج في ذلك لم تعد بحاجة إلى سَردٍ. في تقرير المُراجع العام لعام 2014م، مثلاً، هناك (98) شركة وهمية بالإضافة إلى (12) هيئة أخرى، هذه اللافتات لم تتكشّف حقيقتها للمراجع العام، ولمن تتبع وأين تذهب أموالها، وتقرير المراجع العام لكل عامٍ ينتهي بكونه تقرير والسلام، وسوف يلحق بإخوانه من تقارير المُراجع العَام السّابقة.. وسوف ينتهي إلى (فقه السُترة) فقه التنظيم، الذي أصبح فاعلاً ويعلو على قوانين الدولة. الحماس الشديد والسرعة الزائدة والإنجاز الذي يتم في محاكمة هؤلاء الضعفاء، طبِّقوه ولو مرة واحدة، واحدة فقط، ضد من خالف قسمه بخدمة الوطن، وخالف شعارات شريعته التي هتكت آذاننا، طبِّقوه مرة واحدة ضد من جعل هؤلاء الضعفاء يسرقون (حذاءَ) أو (أنبوبة غاز)..؟! التيار