جلست وصاحبي، نرتشف شاياً تحت النيمة، لم يكن الظل الذي تتخلله أشعه الشمس هو ظل النيمة، فالنيمة قد تعرت أغصانها من الأوراق، فجفت ويسبت. لكنه ظل كراتين ممزقة وشوالات خيش وأقمشه مهترئة استعانت بها بائعة الشاي، وجعلته ظلا يقيها وزبائنها قيظ النهار. كانت الشمس ترسل شظايا من لهب، وكانت الأصوات قد بحت من الصراخ: ما يفوتك، ما يفوتك، علينا جاي، جابو بالطيارة وباعوا بالخسارة، الشغلة ما شغلتنا لكن الظروف جبرتنا. أي حاجة بعشرة وكل حاجة بعشرة. الكيلو خمسة والتلاتة بي عشرة. قلت لصاحبي والله الواحد ما عارف يشتغل شنو؟ فرد سريعاً: دجَّال. فغرت فاهي، حتى تدلت شفتي السفلى، وانسكب بعض الشاي على قميصي لون زينب. لكنه ضحك، عاليا وقال هل تتذكر عباس فرنسي، قلت، نعم، مالوا ادعى النبوة ولا شنو؟ وضع كباية الشاي جانباً وحكي لي هذه الحكاية: بعد أن تخرج عباس من قسم اللغة الفرنسية وقضى الخدمة الإلزامية في مدرسة الجيلي، والتي لم يكن فيها قسم للغة الفرنسية، فدرَّس هناك الإنسان والكون، وكان يسكن في ذات المدرسة وأصبح انيسه في المساء حارس المدرسة، وصدف أن مس أحد الأشخاص جان، وأتى المعالج وعرف أن الجان ليس من هذه البقاع ولكنه أتى منطقة تدعى ليون في فرنسا، ولما كان الشيخ المعالج لا يجيد الفرنسية استعان بعباس فرنسي الذي جاء وخاطب الجان بفرنسية طلقه، وقيل أن عباس فرنسي قال للجان، في جن عاقل يخلي فرنسا يجي السودان، فبكى الجن وقال له أخطأت مرة فنفاني أبي إلى هذه البقاع، ولقيت كل أخوانا من الجان هجروا البلد دي. هناك ضحك عباس فرنسي حتى ظن الناس أن الجن خرج من المموس، ليركب عباس فرنسي. قال عباس للجان، ومال ناس البلد دي البجننم شنو؟ فرد الجان مقسماً: من العليهم، العليهم دا هين! هز عباس فرنسي رأسه وقال للجان كدي يا أخونا خلي الراجل المسكين دا، فوافق الجان بشرط أن يذهب عباس فرنسي إلى المصحات والصواني والشوارع العامة ليخبر الناس إن الجن والشياطين والأباليس برآء من جنون هؤلاء المساكين. وأوفى عباس فرنسي بعهده فبدأ بمستشفى تجاني الماحي، ذهب للمرضى ليقول له، شوفوا الجننكم شنو، ما في أي جان في البلد دي كلهم هاجروا، وأنا مرسل من عندهم. فاعتقل هناك، لكن أهله أثبتوا أن عباسا هذا مجنون من زمان. فأخذوه إلى شيخ، ظهر في غرب الحارات يعالج كل أنواع الجن، يدعى (فكي كمبيوتر)، فذهبوا بعباس، فخرج إليهم الشيخ، حاملاً مبخره وهو يقول: شخارم بخارم شيخم بيخم شرشبيخم. فرأى عباس الشيخ فذهل هو والشيخ معاً، كان الشيخ هو دكتور سمير رئيس الشعبة، الذي قال لعباس الذي أحرز المركز الأول في الجامعة، سيكون لك مستقبلاً مشرقاً؟! [email protected]