ضيف كريم قادم إلينا يجب أن نستعد له، ونحسن استقباله . أيام قلائل تفصلنا عن حلول شهر فضيل عظيم الشأن، ألا وهو شهر رمضان المبارك. ضيف خفيف الظل سرعان ما يمضي, فيه تتضاعف الحسنات، وتقال العثرات، وتصفد مردة الشياطين، وتفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، شهر تجاب فيه الدعوات، وترفع فيه الدرجات، وتغفر فيه السيئات. ونحن نستقبل هذا الشهر نؤكد على الصلة الوطيدة بين الصيام والصدقة والإنفاق، ولقد كان المثل الأعلى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يكشف لنا عن حقيقة هذا التلازم وهذا الترابط الوثيق بين الصيام وبين الإنفاق والصدقة، ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة (أجود الناس) ، فهل هناك تعبير أبلغ من هذا؟ هو أجود الناس، أي: بلغ الرتبة العليا في الكرم، والجود، والسخاء. قال: (وكان أجود ما يكون في رمضان) أي: يزداد جوداً إلى جود، وكرماً إلى كرم، وعطاءً إلى عطاء، وسخاءً إلى سخاء (فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) تعبير بليغ. (الريح المرسلة)، أي: ( المطلقة )، المشبَّه: كرم النبي صلى الله عليه وسلم، والمشبه به: الريح المرسلة، ووجه الشبه: الإسراع وعموم النفع . قال أمير الشعراء شوقي في قصيدته (ولد الهدى فالكائنات ضياء): والبر عندك ذمة وفريضة ** لا منة ممنوحة وجباء أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى ** فالكل في حق الحياة سواء زانتك في الخلق العظيم شمائل ** يغرى بهن ويولع الكرماء فإذا سخوت بلغت بالجود المدى ** وفعلت ما لا تفعل الأنواء فرمضان شهر التنافس في الخيرات، والتزود من الطاعات، وفيه تعظم الأجور، وترفع الدرجات، والصدقة من أهم العبادات التي ينبغي على المسلم أن يكون له منها نصيب في هذا الشهر، وهي في رمضان أفضل منها في غيره، ولذلك سئل النبي «صلى الله عليه وسلم»، أي الصدقة أفضل؟ فقال:"صدقة في رمضان"، وفي هذا حث على الإكثار من الصدقة فيه، وتحريض على مزيد الإنفاق في أيامه ولياليه على البائسين المعوزين. إن المتأمل لفضائل الصدقة المتعددة، وبخاصة في شهر رمضان المبارك، يدرك مدى عظم فضلها وأهميتها القصوى مقارنة بغيرها من الأعمال الصالحة. فالصدقة في الشهر الفضيل تتضاعف فيها الحسنات ويمحو الله بها السيئات والذنوب، حيث يجتمع ثواب الصدقة مع الصيام، لذلك أمر الله سبحانه وتعالى بالإنفاق في وجوه البر فيه اقتداءً بالرسول الكريم، الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان. حيث يمتاز شهر رمضان، أنه شهر المواساة، والتراحم، والجود، والكرم، والتكافل بين المسلمين، حثّ الإسلام على الصدقة في هذا الشهر توثيقا لرابطة المسلمين بعضهم ببعض، وسداً لحاجة الفقراء والمساكين. فعن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا" أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. فقوله صلى الله عليه وسلم : من فطّر صائماً، أي: أطعمه وسقاه عند إفطاره، وهذا فيه دعوة إلى الجود والكرم والمواساة. ومن عظم جوده وكرمه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يرد سائلاً، مع شدة حاجته صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يؤثر غيره على نفسه! فلله درُّ تلك النفوس ما أجودها! وما أكرمها! وما أسخاها! وما أشد إيثارها! وما أعظم رغبتها فيما عند الله! . قال الإمام الشافعيُّ - رحمه اللّه-: "أحبُّ للرّجل الزّيادة بالجود في رمضان، اقتداءً برسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم-، ولحاجة النّاس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصّوم والصّلاة عن مكاسبهم" الحاوي في فقه الشافعيّ (3/479)، إضافة إلى أن الطاعات عمومًا تضاعف في الزمان الفاضل والمكان الفاضل، فتضاعف الأعمال لشرف الزمان، كما أن الأعمال تضاعف لشرف المكان، كما في مسجدي مكة والمدينة؛ فإن الصلاة في مسجد مكة عن مئة ألف صلاة فيما سواه، والصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة عن ألف صلاة فيما سواه، وذلك لشرف المكان، وكذلك شرف الزمان؛ تضاعف فيه الحسنات، وأعظم ذلك شهر رمضان الذي جعله الله موسمًا للخيرات وفعل الطاعات ورفعة الدرجات . فعلى الأغنياء والموسرين نقول: شهر الجود دونكم فجودوا جاد الله عليكم، فبادر إلى الصدقات، والخيرات، وسارعوا إلى الصالحات, تتنزل عليكم البركات، وتستجاب لكم الدعوات، وتفرج عنكم الكربات، وتنالوا رضا رب الأرض والسماوات . ولقد أحسن من قال: يا جامع المال يرجو أن يدوم له * * * كل ما استطعت وقدم للموازين ولا تكن كالذي قد قال إذ حضرت * * * وفاته ثلث مالي للمساكين هذاوبالله التوفيق. [email protected]