قبل أن أطالع الرسالة المتداولة حول قصة الطالبة المرحومة تيسير علي إبراهيم مع أحد المستشفيات الخاصة مستشفى فضيل والتي نفى المستشفى لاحقاً ما ورد في الرسالة باتهام إدارته بالامتناع عن إسعاف حالتها ما لم (تدفع) .. قبل أن أطالع هذه الرسالة وذلك النفي الذي يفيد بأن مستشفى فضيل أسعف تيسير فعلاً لكنه لم يستطع تنويمها لعدم وجود سرير (فاضي).. كنت منفعلاً بقصة أخرى لم أطالعها في صحيفة أو (وات ساب)، بل كنت بمعية أحد أصدقائي قبل يومين حين أبلغوه بوفاة ابنة عمه بعد إصابتها بنوبة قلبية.. وتم أخذها والطواف بها في عدد من مستشفيات العاصمة العامة والخاصة (مستشفى الشعب ورويال كير وفضيل والسلاح الطبي) ولم يجدوا سرير عناية مكثفة خالٍ في جميع هذه المستشفيات، وفي النهاية توفاها الله داخل مستشفى خاص في الكلاكلة وصلت إليه يسبقها فارس الموت الذي لم يرهقه ذلك الطواف الآسف.. لها الرحمة . قد تكون رسالة الطالبة المرحومة تيسير تم تلغيمها وتوجيهها لضرب مستشفى فضيل ضمن معارك القطاع الطبي الخاص (المتعمم) أو العام (الخصوصي) في ظل وزارة يقودها أكبر مستثمر طبي في البلاد.. وتصر الحكومة على استمراره في منصبه ربما مدى الحياة.. ولا يبدو أنه سيغادر ما لم يكمل بسياساته الفاشلة تدمير ما تبقى من أمر الصحة في السودان . وقبل كتابة هذا المقال هاتفت الأخ الدكتور المعز حسن بخيت، مدير مستشفى النو بولاية الخرطوم، وسألته كم تبلغ جملة غرف وأسِرَّة العناية المكثفة في مستشفيات ولاية الخرطوم الحكومية والخاصة معاً.. فأجاب مشكوراً عن إحصائيات تقريبية قال إنها في حدود مئتي (سرير) عناية في جميع مستشفيات الحكومة في الخرطوم. وأقل من هذا العدد موجود في المستشفيات الخاصة تقريباً.. وقال إن المشكلة دائما تكون في أجهزة التنفس وليس في سرير العناية نفسه، فقد يكون بأحد المستشفيات عشرة أسِرَّة لكن لا تزيد أجهزة التنفس باهظة الثمن عن ثلاثة أجهزة فقط.. ثم دردشت مع صديقنا دكتور معز حول مشكلة العناية المركزة في البلد وسألته آخر سؤال لم أنتظر إجابته وهو: كم جهازاً يمكن أن تشتريه رواتب ومخصصات أكثر من ألف مسؤول سيحمل بطاقة دستورية في الحكومة القادمة، ألا تكفي نصف ميزانية هؤلاء لحل مشكلة أجهزة التنفس في السودان..؟! سألت خبيراً طبياً آخر أمس عن مشكلة العناية المكثفة في الخرطوم.. قال لي: "يا جمال ما تتعب نفسك ساكت، العناية المكثفة في السودان دي قضية خسرانة تماماً" .. فالمشكلة ليست في عدد الغرف والأجهزة فقط.. المشكلة في كل شيء يتعلق بالعناية المكثفة في السودان، لذلك يندر أن يعود منها أحدهم إلى الحياة مرة أخرى .. هناك نقص كبير في عدد الكوادر الطبية المتخصصة والمؤهلة في هذا المجال في السودان.. كما أن المستشفيات الخاصة تحديداً لا ترغب في استقبال مريض في غرفة العناية المركزة مباشرة حتى (لا يموت لهم في يدهم)، ويحسب على المستشفى الخاص الذي يوفر دائماً الخانات المتاحة للمرضى المنومين داخل غرف المستشفى، وليس للقادمين من خارج المستشفى بصدمات السكري والجلطات .. امنحوا مأمون حميدة ما تبقى عندكم من الأوسمة والأنواط والجوائز، ولا تستمعوا أو تطالعوا مقال أي صحفي (حاقد) مثلي.. خلدوه هذا المأمون أو (خللوه) في وزارة الصحة وامنحوه صفة الوزير الدائم حتى يكمل مشواره التاريخي الذي لم يتبقَ فيه الكثير .. شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين. اليوم التالي