ارتكب الإسلاميون اكبر خطأ حين قفزوا على السلطة بليل. وارتكبوا خطأ أكبر منه عندما رفضوا الإستماع لغير أصواتهم التي تضج بالأمنيات غير المصحوبة بخطط عمل مدروسة. وهذا نتج ذلك عن إعتقاد خاطئ بأن كل من ليس في كشوفات عضويتهم عدو لهم. وعلى ذلك ولسنوات طويلة ظنت الإنقاذ إن كل ما يقوله أو يفعله الأخرون هو ضدها.وان مما يصدر من الآخر هو من كيد الأعداء. وظلت على هذا الظن سنين عددا.وبهذا ضيّعت الكثير من النصائح واهدرت الكثير من الموارد وارتكبت المزيد من الأخطاء. في أجواء الهتافات والضجيج استغل بعض الإنتهازيون أشواق البسطاء إلى دولة الحق والعدل والفضيلة وأثَّروا في متخذي القرارات وأثْروا بهم. لكن لحسن الحظ كثير من ذلك ذهب جفاء. في السابق كانت الدولة تنحاز بكل ثقلها لفرد مخطئ ضد كل الشعب الصابر.خطاب الإنقاذ كان متهور مصادم مشكك في الآخرالآن متزن مهادن متقبل للآخر. وهو خطاب ادخل السودان في نفق مظلم. الآن يسير نفر مخلص نحو الضوء في نهاية النفق. منذ سنوات والحزب الحاكم يجمع ويدرس ويحلل البيانات ويقيس نبض الشارع. يتجاهل التي تمسه في اللحم الحي وينفذ الأخريات. حتى التجارب الفاشلة فيها العديد من الفوائد وعلى الأقل تشكل علامات حمراء في الطريق للآخرين لتجنب الوقوع فيها. من يرى ببصره وبصيرته يمكنه ان يستشعر سعيا مخلصا داخل الحزب الحاكم لأصلاح ما أفسده المُطَبِّلون والإنتهازيون أثرياء الأزمات والصائدون في الماء العكر. اقترب من خصومه خطوات. بعض هذه الخطوات نتيجة لضغوط المجتمع الدولي وبعضها سببه المتغيرات الإقليمية وبعضها ضغوط من الشعب الصابر وثمن لمعاناته..وهؤلاء النفربالداخل أو القريبون من مراكز القرار انتبهوا للخلل الضخم لأسباب كثيرة .منها ما لمسوه من معاناة الطيبين الصابرين ومكابدة الفقراء والمساكين اليومية لظروف المعيشة الصعبة ومنها حجم الإعتداء على المال العام من قبل الأثرياء.وتفشي الفساد في دواوين الدولة .ومنها التراجع الذي لازمنا خارجيا. كل هذا التدهور كان يحجبه التغبيش ويخفيه التطبيل. لكن النشاط المخلص للحادبين على السودان من المعارضين والمحايدين وإستفادتهم القيّمَة من الربط الإجتماعي الذي سهلته التقنية الحديثة. أظهر الحقائق مجردة وبمسمياتها الحقيقية دون تزييف أو تعتيم أو تحجيم. خطوات عديدة إتخذها الحزب الحاكم نحو خصومه السياسين. أبعد الوجوه غير الودودة للمعارضة وكف ألسنة البعض من الإساءة للناس. استحدث منصب رئيس وزراء. تنازل الحزب الحكم عن نصف المناصب لخصومه وإستمر في محاورة معارضيه وحاملي السلاح ضده. يقوم بمعالجات مستمرة لتخفيف حدة الفقر.كل هذه أمور تستحق الوقوف عندها وتقديرها إن نظرنا إليها بتجرد دون وضع صورة مسبقة. بعض هذه الأعمال نتيجة جهود مكثفة داخل الحزب الحاكم نفسه. بعض هؤلاء النفر بالداخل ظلت أصواتهم غير مسموعة بسبب الضجيج الذي كانت تصدره البراميل الفارغة. ربما كانت تلك طريقة الإنقاذيون في الإعتذار و تصحيح اخطاءهم الفادحة .ربما أرادوا أن يخففوا عنهم أوزار ربما أرادوا أن يحتسبوا جهدا مخلصا لله.أيا كانت الأسباب فإن المرء يستشعر في خطط من هم في مراكز القرار رغبة حقيقية في إصلاح الأمور. ربما ليس هو تصورنا للإصلاح الذي ظللنا مع الكثيرين ننادوي به.قد لا يكون ذلك هو التغيير الذي تخيلناه وتمنيناه..لكن ما يحدث الآن شيئ يمكن البناء عليه لتحقيق المزيد من الإصلاح .احيانا يرفض البعض الحقيقة فقط لأنها لم تأت في الصورة التي تخيلها. الإقتراب من أهل السلطة ودهاليزها يصحح الصورة التي يحملها كل طرف عن الآخر. للحزب الحاكم فكرة غريبة عن معارضيه تقوم على مصطلحات جارحة مثل الطابور الخامس والخونة والعمالة والإرتهان للدول الخارجية.و للمعارضين فكرة سيئة عن الإنقاذ التي فعلت وفعلت وفعلت. رغم فعائلها السيئة بالأمس إلا ان الحزب الحاكم اليوم يعمل على تصحيح هذه الأخطاء ولكن التركة ثقيلة والأخطاء كثيرة والتجربة في مجملها مريرة إلا من بعض إشراقات هنا وهناك. القائمون على الأمور يجتهدون منذ مدة في تصحيح المسار. هم على الأقل يستمعون للآخرين بإهتمام. دعونا هذه المرة نقدّر جهود أولئك النفر الذين تسارعت خطاهم بإتجاه غيرهم والذين عكفوا ساعات طوال يدرسون الملفات ويدونون الملاحظات ويجرون الإتصالات ويتوخون الدقة في إختيار من يمثل اكبر قدر ممكن من الناس. دعونا هذه المرة نُقَدِّر تنازل الحزب الحاكم عن نصف المناصب لغيره..تنازل السلطة عن صلاحيات من الممكن جدا ان تكون لصالح المعارضة أن هي خطت نحو خصمها بدل التمترس في مكانها. هذا التمترس يمنح الإنتهازيين من كلا الجانبين الفرص لملء الفراغ. وهي فئة لا يهمها عادة ماتدفعه مقابل السلطة والثراء . وهم لا يستحقون والحكومة تبيعهم ما لا تملك والمال إن لم يكن في حيازة فهو هدف الطامعين . الحزب الحاكم لم يتخل تماما عن بعض اساليبه القديمة في التمويه وتغبيش الحقائق لكنه تغير كثيرا. وهو يخوض عدة معارك في نفس الوقت. أشرسها ليس ضد خصومه السياسيين وليس ضد المجتمع الدولي ولكن ضد المتشددين داخله. ضد الذين يردون أن تظل الأوضاع كما هي عليه . الذين لا يريدون تغيير يؤثر على مصالحهم بدعوى الإستهداف الخارجي . ستكون معظم المفاتيح بيد الحزب الحاكم لكن هنالك مساحات جيدة للإبداع. إضعاف الحكومة التي تمثل قطاعات من الشعب السوداني هو إضعاف السودان. الحكومة تمثلنا خارجيا وهي ترتدي شعار السودان. وحده الغافل هو الذي يجلس على فرع بينما هو يقطعه من جذع الشجرة. المناكفات تشغل المسؤولين عن القيام بواجباتهم التي تم تكليفهم بها.وهي واجبات يأخذون مقابلها من عرق الشعب السوداني. لندعمهم بالأفكار التي تجعل جهودهم اكثر فعالية بدل من جرهم إلى معاركة إنصرافية. لنقبل بشكل الحكم بصورته الحالية ونسعي في تنقيحه وتطويره بالتدريج حتى يناسب طوحاتنا. لنركر اكثر في إنتاج وتقديم الأفكار التي تنبي السودان وتساعد على تقدمه. لنستثمر في هذه الحكومة علما نافعا رغم كونها لم تأت كما تمنينا . لنتذكر ان بانوا الدول هم بنوها. الدول تتقدم بأفكار بنوها وبناتها التي يتبناها الحكام ويبنون بها بلدانهم . تصل الأفكار بالمناصحة المباشرة أوبكتابة المذكرات للمسؤولين أو عبر الصحف ووسائل الإعلام المختلفة أو حتى عبر الونسة بين الأصدقاء. المهم ان نركّز في جوهر الأمر والا تشغلنا التفاصيل والشكليات والمسائل الإجرائية عن الموضوعات نفسها. ربما يكون من الأفضل مغالبة النفس واتخاذ خطوة شجاعة. تقديم مساعدتنا لخصومنا لصالح بلدنا إكرام لهذا لشعب العزيز الصابر خطوة شجاعة تخفف من المعاناة .لنقدم لهم الأفكار الجيدة والمقترحات البناءة. فإن عملوا بها فهو المطلوب وإن لم فإننا نكون قد إنتصرنا للخير في داخلنا بتقديم مافيه النفع للخصم. وهذا من أعلى مراتب مغالبة النفس. إن مجرد التفكير الصادق لفعل الخير هو خير وقد يثاب صاحبه كأنه فعله إن كانت نيته صاقة في ذلك. لندعم الحكومة الجديد بكل قوتنا على أن تعمل هي بكل قوتها لتحقيق السلام وتخفيف معانة الشعب وإيجاد فرص العمل ومحاربة الفساد وإسترجاع المال العام المعتدى عليه ومحاسبة المفسدين. صبر السودانيون قرابة الثلاث عقود فليصبروا ثلاث سنوات.ليساهموا مع الحكومة الجديدة في تهيئة المناخ للإنتخابات القادمة حينها سيقرر الشعب مباشرة من يمثله. ومن يدري ربما تكون إنتخابات إلكترونية. [email protected]