يعاني الخطاب الاشتراكي المعاصر في السودان من التكلس و الشعاراتية التاريخية الجوفاء و عدم المواكبة إذ أنه لا يزال يردد مقولات فوقية لا تلامس جزور الاشكالات المتجددة التي تواجه المواطنين في عصر الثورة التكنولوجية و رأس المال المعولم العابر للقارات المرتبط بالشركات الكوسموبوليتة متعددة الجنسيات في فترة ما بعد الحداثة. هذا الواقع الجديد له تحديات جديدة بالطبع تختلف عن سابقاتها نتيجة للاختلاف الهائل في نوع الآلة/ التقانة و وسائل الإنتاج و علاقاته الجديدة المعقدة و المتداخلة. تلك التحديات الجديدة تشترط المخاطبة الجزئية لكل مشكلة طارئة علي حدة من أجل الوصول الي الخطاب الاشتراكي العام و ليس العكس عن طريق إطلاق المقولات و الأحكام الجزافية المرتبطة بأيدولوجيا عمياء لمحاربة الغرب و الولاياتالمتحدةالأمريكية و التي لا تغادر خانة الشعاراتية. ليس من الحكمة صياغة خطاب اشتراكي وطني يرتكز فقط علي مناهضة الاستثمارات الأمريكية و الغربية في المنطقة بعيداً عن مناقشة القضايا الحقيقية للعمال مثل الحد الأدني للأجور و الضمان الإجتماعي و التأمين الصحي و التعليم الأساسي المجاني للابناء و التدريب التقني و قضايا فقدان الوظائف و العطالة نتيجة للذكاء الصناعي و عمليات الأتمتة المستمرة يوميًا. ان مناهضة الاستثمارات الامريكية و الغربية لا ترقي الي مستوي الفعل الاشتراكي المفيد للعمال و تنتج دولة فاشلة منعزلة غير مواكبة مثل الاتحاد السوفيتي السابق و كوبا و كوريا الشمالية و تضعنا في خانة الدول الرافضة و المناهضة للعولمة و هذا الأمر سيدفع ثمنه المواطن السوداني غاليا. اذا المطلوب هو تقنين وضع الاستثمارات الامريكية و الغربية في السودان بما يحافظ علي المصالح الوطنية العليا و حقوق العمال المحليين و كذلك حفظ حقوق العمالة الوافدة المتوقعة بما يتماشي مع الاتفاقيات و المعاهدات الدولية. تقنين وضع الاستثمارات بما يحافظ علي حقوق العمال و يخدم جهود التنمية البشرية ينطبق أيضا علي الرأسمالية الوطنيّة بقدر ما ينطبق علي رأس المال المعولم العابر للقارات. نحن في أشد الحاجة للشركات الامريكية التي تعمل في مجال الطاقة الشمسية النظيفة من أجل تنمية الريف السوداني عن طريق توفير مصادر الطاقة تكون صديقة للبيئة و التي تؤدي الي تطوير وسائل الإنتاج و تحقق جهود التنمية البشرية المستدامة. علي العكس من هذا المثال فقد تنشط بعض الاستثمارات الغربية في المجالات الإستهلاكية محدودة الأثر لجهود التنمية البشرية مثل المطاعم و الفنادق و زراعة البرسيم و غيرها و التي هي أيضا يمكن ان تساهم في خلق بعض الوظائف و تحريك العجلة الكلية للاقتصاد في إتجاه الاستهلاك. لذلك يحتاج الخطاب الاشتراكي المعاصر أن يكون منفتح علي العالم بمصراعيه و يتجنب خطاب المزايدة المناهض للعولمة في أدبياته السياسية و يحدد أولوياته الوطنية و ما يريده من الغرب من تكنولوجيا و آلة و يعمل علي تسليط الضوء و سن التشريعات الوطنية من أجل تقنين أوضاع رأس المال الوطني و الأجنبي و التاكيد علي التشريعات التي تحافظ علي حقوق العمال و مستجداتها بما يحقق جهود التنمية البشريّة. أيضا يحتاج الخطاب الاشتراكي الديمقراطي أن ينتقل الي خانة الليبرالية الإجتماعية و الفكر الإجتماعي عموماً أو يتحالف معه لكي يكتسب ديناميكية جديدة تمنحه مساحات أوسع في الحركة. هذا التحالف الاستراتيجي الموجود في دول كثيرة من العالم بين المدرسة الإجتماعية الإشتراكية و المدرسة الإجتماعية الليبرالية هو ما يحتاجه السودان الآن لكي ينهض و يمشي علي قدمي الفكر الإجتماعي بشقيه الاشتراكي الإجتماعي و الليبرالي الإجتماعي اللذان يعتبران بمثابة قدمين اثنتين للفكر الإجتماعي يمشي عليهما و لا يستقيم حال أي مجتمع بدون تضافر الجهود بينهما لأن العلاقة هنا تكاملية جدلية و ليست تنافسية عدمية من أجل الإفناء المتبادل. أرجو ان ينتقل هذا الجدل الي مساحات أوسع و أرحب نقداً و تصويبا لتحريك المياه الساكنة و من أجل وضع أساس متين لتحالف يساري ليبرالي عريض يقود المرحلة القادمة في تاريخ السودان. [email protected]