في الوقت الذي أطلقت فيه الفنانة الأردنية الأصل مي سليم ، ألبومها الغنائي الأخير الذي يضم بين ضفتيه أغنيتها الغريبة العنوان ( المجنى عليها ) ، كان أهلنا يجنوب دارفور وأرابيب مجتمع نيالا بالأخص ، يطلقون آخر مناحاتهم ورثاءاتهم المؤثرة ، تحت نفس العنوان غير الغريب ( المجنى عليها ) . الفنانة الأردنية تغني مقطعاً يقول ( المجنى عليها ف حبك فاقت م الغيبوبة ... وبقت من بعدك لا بتتهز ولا بتخاف .. مش هافضل كده ماشية مغمضة ووراك مسحوبة ... وانا حاسة انا بينى وبينك سد وألف خلاف ) ...إذاً فانَّ الفارق بين معنيي مصطلحي ( المجنى عليها ) واضح ، وبين تداعيات أوجاع الضحيتين أوضح وأفصح ، فإن كانت الضحية الأولى مغنية حسناء ، تبكي عواطفها المهدرة ، وانغماسها المخدور في غيبوبة الحب الأعمى ، وارتعاشها الوجداني المرتعب ، والانقياد بلا كوابح عقلية ، فالضحية الثانية ( المجتى عليها ) الطفلة السودانية ضًحى ليست سوى زهرة يانعة ، قاصرةُ بريئة ، سلمت روحها إلى بارئها بعد مقاومة منعدمة الندية بين نسائم الخير وعواصف الشر ، في أمضى نعي لبراءة الطفولة ، وشهامة الرجال ، وفضائل أهل التخوة والرجولة ، وهنا يكمن الفارق بين الضحيتين . بالطيع استشهدت الطفلة ( ضحى ) وتم اغتصابها بعد أن قطع عنها الجاني الأكسجين بختقها أواخر مايو المنصرف داخل متجره ، وهنا لا يهم إن كان الجاني وحشاً من الوحوش ، أو مريضاً من مرضى السادية والعشق الطفولي ، فالذي حدث في ضحى ذلك اليوم ، اهتزت له السماوات والأرض ، بل أجبر الجميع على تحسس رؤوسهم ومراجعة حساباتهم الأسرية ، ومواقع أطفالهم من الاعراب المجتمعي والسلوكي . لقد تنامت ظاهرة التحرش بالأطفال واغتصابهم وقتلهم بصورة خطيرة ، وحتى لا نرمي مجتمعنا السوداني بكل رزاياها ، فقد باتت من الظواهر المألوفة أيضاً في مجتمعات البلدان الأخرى – بكل أسف - وهي تكاد تكون متشابهة في الطرق التي ترتكب بها جرائمها ، والوسائل لتي يتم عبرها التخلص من الضحايا . لقد تابعنا كل الاجراءات التي قامت بها السلطات المختصة بدارفور ، لأغراض إكمال هذا المسلسل ، وكالعادة فقد أبدعت الشرطة في ضيط المتهم والقبض عليه ، وتأمينه من الفتك به قبلاً ، ونجح المحققون في الحصول من المتهم على إقرار ، واعتراف بارتكاب هذه الجريمة النكراء مع تمثيلها ، وأفلح رجال النيابة في استخلاص البينات ، التي يمكن أن تجعل الفارق الزمني بين رقية المتهم وحيل المشتقة فارقاً ضئيلاً !!، وتجلت محكمة قضايا دارفور وأصدرت حكمها المنتظر والمأمول باعدام الجاني ، الذي لم يطلب محامياً للترافع عنه ، لقناعته بثمن محصوله الذي زرعه وحصده ، وسيتم تنفيذ الحكم على الفور ، وسيروي الرواة ، بأن هذه أسرع محاكمة لمجرم مغتصب وقاتل ...ولكن !! هل هذه هي النتيجة المبتغاة !؟ هل سينصرف كل هؤلاء ، لحال سبيلهم مسرورين ومحتفين بمآلات الأمور ، أم لا زال للجرح دم نازف يا ترى !! ...هل سيسأل الناس عن دور مرتقب للأسرة / والمجتمع ، والسلطة حيال هذه المعضلة بالغة التكرار ؟ هل هناك مختصون ومتطوعون ، سيقومون بتعميق هذا الدور الكبير ، الذي سيساهم ايحاياً في التفليل من ارتكاب مثل هذه الجرائم الأخلاقية والانسانية ، التي تجمع بين الجناة كمرضى ومجرمين معاً ، أم سينصرف الناس لائكين علك الرواية الحزينة فقط !؟ إن جلَّ هذه الجرائم يرتكبها أناس تحت تأثير المرض والادمان ، وهما يحتاجان للعلاج النفسي والرعاية المتلاحقة ، ومنهم ضعيف الارادة الذي يعاني من الشهوات الجنسية تجاه الأطفال فقط ، وبعاني بعضهم من مرض اسمه ( عشق الأطفال ) ، فهلَّا حدث الخبراء والمختصون الناس عن هؤلاء العشاق السلبيين أم سينتظرون الضحايا القادمين !؟ . . لعلها مناسبة نبتهلها بأن يتحرك المتطوعون من أهل الخير ، لانشاء منظمة طوعية تعني يكبح جماح هذه الأنشطة الهدامة ، بتأسيس منظمة تعنى بجمع كل الرجال ، أو الذكور الذين يعانون من الشهوات الجنسية ضد الأطفال ، لإعادة تأهيلهم مجاناً ، وحثهم للابلاغ عن أنفسهم ، وعناوينهم ، ومن ثم تفعيل عضويتهم وليكن الشعار هو ( لا تكن صانع ضحايا ) . وأخيراً : هذه دعوة لتتضافر كل جهود أهل الدعوة ، وأهل القانون ، وأهل علم النفس ، ومتخصصي العلوم المجتمعية والاجتماعية والتربوية ، ورجال المال والأعمال ، والاعلام بضروبه ، ( والتائبين ) فلربما كتب الله على أياديهم عفواُ ومعافاة دائمتين ، لمجتمعنا من غلواء بعض أعضاء مجتمعنا الجانحين ( الله لا كسبهم ) . عباس فوراوي