في الوقت الذي يتحدث فيه المهتمون و يفتخرون بالوصول الي الحقيقة الغائبة و هي أن الحضارة النوبية هي الأصل و هي السابقة للحضارة الفرعونية ، و في الوقت الذي تتنامى فيه الدعوات بضرورة إعادة كتابة التاريخ لتأخذ الحضارة النوبية دورها الريادي المستحق ، و في الوقت الذي تتحرك فيه الدول و المنظمات و الشخصيات من امثال ( شارلي بونيه ، الشيخة موزة و انجلينا جولي ) لإظهار و إثبات مساهمة الحضارة النوبية في الحضارة الإنسانية في هذا الوقت هناك تحالف ثلاثي شرير في ارض الواقع يسعى إلي تدمير ما تبقى من تلك الحضارة .. لست من المؤمنات بنظرية المؤامرة و إنما ما يعايشه أهلي في منظمة النوبة من عناء و شقاء بشكل يومي يجعلني أقف في حيرة و دهشة أمام النتائج الكارثية لهذا التحالف الثلاثي و الممثل في قضية السدود ، التعدين العشوائي و حرائق النخيل .. فلنبدأ أولاً بمسألة السدود ، و تحديداً سد كجبار و دال .. إن أهلي في منطقة النوبة مازال يجترون بمرارة مآلات السد العالي و تهجير أهالي حلفا ، حيث تم أغراق جزء عزيز من الإرث النوبي العظيم مقابل ثمن زهيد و السؤال مازال مطروحاً ماذا جنى السودان من السد العالي ؟ حتى الوعود الهلامية بإنارة المنطقة من كهرباء السد ذهبت أدراج الرياح .. إن الأدعاء بأن قيام السدود الجديدة سيعود بمنافع للمنطقة و تنميتها ، نرى أنها أكذوبة و دليلنا في ذلك التجربة الحديثة لسد مروي .. المحور الثاني في التحالف الشرير هو التعدين العشوائي في المنطقه .. و للأسف هنالك الآلاف من البشر و العشرات من الشركات يعبثون بأرض النوبة بحثاً عن الذهب بكل الوسائل المشروعة منها و غير مشروعة . لا أحد يستطيع أن ينكر بأن التعدين نشاط هام في تطوير الدول و تقدمها ، و لكن نظراً لمخاطره الكبيرة ، تم وضع معايير عالمية صارمة للوقاية من هذه المخاطر المحتملة .. و لكن ما يحدث في السودان بعيد كل البعد عن هذه المعايير ، لذا تتوالى الاحتجاجات في المنطقة بأيقاف هذا النشاط المهدد لحياة الإنسان النوبي .. و إن إستخدام الزئبق و السيانيد يمثل تهديداً مباشراً لصحة الإنسان النوبي و مصدراً للموت المجاني .. كما أن تدفق الآلاف من جميع انحاء السودان و ربما من الدول المجاورة صار يشكل خطراً علي السِلم و الأمن الأجتماعي الذي عرف به أهل النوبة من الأزل و من النتائج المدمرة للتعدين العشوائي سرقة الآثار و الكنوز التي تزخر بها أرض النوبة ، حيث لا رقيب و لا شفيع لأغلى ثروات الحضارة النوبية العظيمة . و ثالثة الأثافي في التحالف الشرير هو حريق النخيل كظاهرة أصبحت تؤرق أنسان المنطقة و تقلق منامه .. في السنوات القليلة الماضية قضت الحرائق على الآلاف من اشجار النخيل و المعروف أن النخلة تمثل رمز العزة و الكرامة و الأفتخار بالنسبة للنوبى قبل أن تكون المصدر الرئيسي لثورته .. يقول البعض بأن هذه الحرائق غالباً ما تكون بفعل فاعل ، كما يقول آخرون بأنها بسبب الأهمال و التقصير في النظافة .. حتى إذا كان السبب هو الإهمال فإن ذلك يعود إلى ترك الإنسان النوبي لأرض الأجداد و النزوح ألى العاصمة بسبب تردي خدمات الصحة و التعليم في المنطقة . في كِلا الحالتين فالدولة مسؤولة عن حماية و رعاية هذه النخيل من منطلق مسؤوليتها في تنمية المنطقة و تطويرها و بالتالي المحافظة على هذه الأرض التي إحتضنت الحضارة النوبية و التي تعتبر من أعظم الحضارات الإنسانية سارة فتحي صالح