لا أدري هل درجة الحنق والغضب عندك، بمثلما ما عندي، على صمت الحكومة تجاه تصاعد موجة الإسهالات المائية، أم أنها أكبر من ذلك بكثير. فالوضع لا يحتمل غير الحنق، ذلك أن الأمور لا تبدو مطمئنة على الرغم من محاولة الجهات الرسمية المعنية بأمر الصحة في السودان، لبث الطمأنينة في الناس من خلال نشر أرقام لا تعبِّر عن حجم الكارثة، ولا عن حجم المصابين بالإسهالات المائية، ظناً منها أن ذلك أولى محطات محاربة المرض. صحيح أن البعد عن التضخيم ونشر الأخبار غير الأكيدة عن الإسهالات المائية ربما يزيد من دائرة الهلع وبالخوف عند المواطنين، وربما يترتب عليه آثار ليست كلها حميدة أو جيدة، ولكن لا يعني ذلك أن تمارس السلطات نوعاً مستفزاً من التدليس والتخليط، بحيث تسعى الى النظر للمرض من عدسة مصغّرة لا تعكس حجمه ولا نوعه ولا تشخيصه الحقيقي..! ولكن ما يطرب له المرء، هو أن تحركات الحكومة البطيئة لملاحقة المرض، كانت باعثاً لتشكيلات أخرى غير حكومية للعمل على محاصرة المرض في مواطن انتشاره. وبناء على ذلك ظهرت المبادرات الشبابية التي تقوم بدور التوعية من الإسهالات المائية، بينما يقوم متطوعون آخرون بالعمل على مساعدة المرضى وتوفير العلاج والدعم النفسي والمعنوي لهم، وهو ما أسهم في تعافي كثير من المصابين بالإسهالات المائية، وقلل من انتشار المرض الذي ضرب أنحاء واسعة من السودان، وطال (11) ولاية بحسب المعلومات التي أدلى بها وزير الصحة الاتحادي بحر إدريس أبوقردة أمام البرلمان. وظني أن ما يقوم به الشباب المبادرون يعتبر عملاً بطولياً نادراً، لأنهم عرَّضوا أنفسهم للمخاطر والموت من أجل إنقاذ المصابين بالإسهالات المائية، ذلك أن نسبة الإصابة بالمرض تبدو أكبر لمن يعيش أو يتعايش في محيط المرض، أو من يتعامل مع المرضى. ولكن ذلك كله لم يثبِّط عزيمة الشابات والشباب، وطفقوا يقدمون التوعية والدعم النفسي ويساهمون في توفير العلاج، بعد ما ساءهم صمت الجهات الرسمية وعدم تحركها لتلافي الكارثة التي وصلت حتى ولاية الخرطوم، التي سجلّت أكثر من ألف حالة إصابة بحسب وزارة الصحة الولائية. وبعدما ساءتهم الطريقة الفجّة في تطبيب وعلاج المرضى. فمن تقوده قدماه الى إحدى المشافي المخصصة لاستقبال حالات الإسهالات المائية، سيصل الى قناعة مفجعة بأن الخدمات الطبية في السودان تحتاج الى مراجعة عاجلة وشاملة، وخاصة بعدما اضطرت المستشفيات الرئيسية في ولاية النيل الأبيض الى اتخاذ المدارس كعنابر لإيواء وعزل المرضى، وبعدما تكرر الامر في ولايات أخرى. ولذلك لا يجد الواحد منا سوى أن يرفع القبعة إلى هؤلاء الشباب الذين رموا بأنفسهم في أتون الوباء والمرض، وغامروا بحياتهم من أجل إنقاذ حياة الآخرين الذين لم يجدوا العناية الكافية، ولا الرعاية الشافية من السلطات، التي نشطت لتضليل الناس وإياهمهم بأن المرض لم يصل مرحلة الوباء، مع أن الأمين العام للمؤتمر الشعبي الدكتور علي الحاج، جزم بأن المرض وصل الى تلك المرحلة، بل ودفع بمذكرة الى النائب الأول تطالب بإعلان السودان كمنطقة موبوءة بالإسهالات المائية، لأن المكابرة لن تجدي في مثل هذه الحالات. الصيحة