الإسهالات المائية تحصد العشرات في النيل الأبيض، وبينما يُطلق عليها المواطنون (كوليرا) تسميها السلطات (إسهالات مائية)؛ فأصبح الأمر ملتبساً، الاسم الرسمي (إسهالات مائية)، والشعبي (كوليرا). منذ أواخر العام الماضي تفشت الإصابة في عدد من المناطق، ثم عادت موجة عاتية بداية العام الحالي، ففي يناير رصدت لجنة الأطباء المركزية (12) حالة وفاة جديدة، وأكثر من (500) إصابة، كانت في الخرطوم، البحر الأحمروالقضارف، واتسعت الرقعة أكثر في القضارف. ثم منذ أكثر من أسبوع الأنباء الواردة من النيل الأبيض لا تتوقف، فبين حالات الوفاة، وازدياد حالات الإصابة تصمت وزارة الصحة- رسمياً- وتفضل أن تتفرج على موت الناس، واستفحل الأمر خلال اليومين الماضيين بازدياد مخيف في الحالات المترددة على المستشفيات؛ حيث رصد تقرير لجنة أطباء السودان المركزية الوضع في (8) مراكز في النيل الأبيض، بلغت جملة الوفيات بالمرض (62) حالة، فيما بلغت أعداد المصابين (1800). السلطات- دائماً- تطبق مبدأ (لا ترحم ولا تجعل الرحمة تنزل)؛ فهي لم تكتف بالصمت والمشاهدة، بل منعت دخول الأدوية التي جلبها الشباب الناشطون في العمل الطوعي، وهذا مسلك ظل ثابتاً في الأزمات، وفي البال تجربة شباب (نفير) إبان السيول والفيضانات في 2013م. ما يُثير الحنق أن ما يجري في النيل الأبيض كأنه يجري في منطقة تقع أقصى خريطة العالم، السلطات التي تقول إن الدولة لا تمنع الموت، ثم تنصرف إلى حال سبيلها، وتنام قرير العين، هي ليست- فقط- غير مسؤولة، بل هي ترتكب جرما، وتعترف به، الدولة لا تمنع الموت، لكن واجبها أن تمنع الوباء.. تخيّلوا هذا يُطلق عليه مسؤول، يجلس في كرسيه ليقرر مصائر الناس. الوضع في النيل الأبيض يمضي باتجاه الكارثة الصحية، ولن يتوقف عند حدود النيل الأبيض.. المعلومات الشعبية تتحدث عن وصول المرض إلى الخرطوم حيث شهدت حالات، لكن وزارة الصحة تُفضل الصمت الرسمي، وتصبح الملعومات متضاربة، وغير مؤكد إن كانت حقيقية أو غير ذلك، وفي وضع مثل هذا تسري الشائعات، وتصبح مُصدقة بدرجة 100%. المؤكد الآن أن النيل الأبيض منطقة موبوءة، وأن السلطات لم تتخذ ما يلزم حتى الآن، وأن هناك نقصا في العلاج، ومنع دخوله إلى مناطق الحاجة، وأن المستشفيات لم تعد تسع المرضى، وفوق ذلك تنظر السلطات إلى الأمر وكأنه لا يعنيها. التيار