كتب الاخ الصحفي "استيفن شانج" بتاريخ 17/6/2017م مقالا مطولا نشره على موقع " سودان نايل" وعلى صفحته في موقع الفيس بوك تحت عنوان "الانفصال قادم" تحدث فيه او بالاحرى اورد في تحليله لمجريات الامور السياسية في البلاد عن امكانية قيام دولة جديدة في اقليم اعالى النيل الكبرى منفصلة عن دولة جنوب السودان لاسباب لخصها في وصول حدة الخلاف بين طرفي الصراع داخل البلاد حدا لا يمكن معها احداث مصالحات سياسية او بناء ثقة بين المكونات الاجتماعية ، وغيرها من اشياء سنوردها ان دعت الضرورة. ما استوقفني حقاً في المقال ليس امكانية حدوث الانفصال وقيام دولة اعالى النيل فهذا حق مشروع لكل مجتمعات حول العالم؛ ولكن الكاتب في معرض تحليله لقيام دولته التي يحلم بها لم يحدثنا عن قيام دولتين جارتين تعيشان جنبا الي جنب في سلام ووئام وهي ابسط المتوقعات لكاتب مرموق له مكانته في عالم الصحافة الورقية والالكترونية مثل الاستاذ استيفن شانج، ولكنه بشرنا بدولتين دمويتين متناحرتين تنشب بينهما حرب طاحنة محتملة بعيد الانفصال المزعوم، حرب يشترك فيها حلفاء اقليميون محتملون ، ليس هذا وحسب بل ذكرهم بالاسماء واليكم المقتبس : " ودولة أعالي النيل في حال قيامها وبما تملك من إمكانيات ومقدرات إقتصادية وعسكرية وبشرية هائلة، من شأنها أن تشكل قوة حديثة صاعدة في المنطقة، والتي ربما ستشهد حالة من الإستقطاب الحاد بين دول الإقليم وتدخلاً دولياً حقيقياً من قبل أصدقاء دولة جنوب السودان، ما ينذر بإمكانية نشوء مواجهات دولية في المنطقة نتيجة لتعارض مصالح تلك الدول وذهاب جهودها سدى بعد تمويلها لحرب دامت نصف قرن من الزمان ( 1955م- 2005م). وقد يؤدي أي تقارب قد ينشأ بين الدولة الناشئة في أعالي النيل وجمهورية السودان إلى نشوب حرب إقليمية تكون طرفاها جنوب السودان ومصر وأوغندا بدعم إسرائيلي من جهة، ودولة أعالي النيل والسودان وإثيوبيا بدعم من بعض الدول العربية من جهة أخرى، وهذه الفرضية قد تحدث مع بدء إعلان المعارضة المسلحة نيتها فصل إقليم أعالي وقيام دولة جديدة." انتهى الاقتباس ان الذي استنتجته بشكل عام من المقال كان قلم صديقي الصحفي كان يكتب تحت تاثير دافع الانتقام من "الدينكا" اكثر من اي شيء آخر طالما ردده في اكثر من مكان داخل المقال، وان دل ذلك على شيء فانما يدل ان الغرض الاساسي لقيام الدولة المزعومة هو البحث عن الاستقلال الذي سياتي معه القوة لتحقيق الغاية الانتقامية كما ذكرنا، حينما يحاربوا الدينكا بقدرات دولة ذات سيادة، هذا من جهة ومن جهة اخرى الانفراد بالثروات التي تعتقدها المعارضة المسلحة انها ملك خاص وخالصة لاعالى النيل كاقليم دون غيرها من الاقاليم الجنوبية. ما يؤسف له حقا في دولتنا الوليدة هذه هو ان ازمتنا الوطنية التي لا زالت تراوح مكانها افسدت كل العقول النيرة بشكل جماعي ولم تستثني الا من رحم ربه، وتناسى الجميع في خضم هذا الفساد المميت الذي ضرب كل شيء ان السبب الاساسي الذي ادى الي قيام الازمة المعاشة في البلاد هو صراع (سلطوي)بحت بين اعضاء حزب الحركة الشعبية الحاكم، استقوى فيها المتحاربون بقبائلهم واستغلوها من باب ( المغفل النافع) لصالح صراعهم المميت ولم تكن دوافعها قبلية منذ البداية، وصديقي الكاتب اراه يتحاشى تسمية معارضته بالحركة لشعبية عن عمد رغم انه ذكر في معرض حديثه ما اسماها "باكذوبة كبرى تسمى الحركة الشعبية"، وبنفس المنطق نتساءل ما الذي يمنع من ان تصبح المعارضة المسلحة اكذوبة اخرى لدولة اعالى النيل المزعومة وهي جزء اصيلة في منظومة الحركة الشعبية المنشطرة؟ لم يخبرنا "شانج" عن مصير دينكا اعالى النيل الذين ذكرهم هو بنفسه عند حصره لقبائل المنطقة، وهم رقم لا يستهان به في اقليم اعالى النيل؛ هل سيكونون اول ضحايا الانتقام الوشيك قبل وصول جيش دولتهم الي بحر الغزال ام هنالك استثناءات جانبية؟ لمن يقرأ المقال يخال له ان (الدينكا) يعيشون في النعيم اما بقية القبايل فهي في الجحيم. وهذا غير صحيح فاقليم بحر الغزال الذي يعتبر معقل الدينكا( اصحاب السلطة) حسب منطق الكاتب لم يشهد اي تنمية تذكر وليس به اعمار في المباني والمستشفيات والمدارس وما شابه ؛ بل يعاني انسانه من مرض وجوع وجهل وفقر مدقع مثله مثل انسان باقي اقاليم الاخرى وقد تشرد اهله وانتشروا في ارض الله الواسعة بين العالمين هرباً من الواقع الذي تستحيل الحياة معه في بلدهم. السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي استفاده الدينكا (كقبيلة) من وجود (قلة) ابنائها الذين في السلطة ؟ اليس هي النسبة نفسها لبعض القبائل في السلطة وان تفاوتت الارقام ؛ مع التاكيد انها كلها عبارة عن سلطة سيئة باعتراف وزيرها الاول ( ايليا لومورو ) قبل ايام في خبر نشر في صحيفة يومية عرج الكاتب ليخبرنا عن المزايا والثروات التي تزخر بها دولة اعالى النيل في حالة قيامها من بترول واراضي زراعية خصبة وانهر ممتدة على طول البلاد، فضلاً عن موقعها الجغرافي الذي يحازي حدود دولتي اثيوبيا والسودان بينما سخر من دولة بحر الغزال التي وصفها بانها ستكون دولة حبيسة وفاقدة للموارد. وهنا يجب ان نوكد كما اسلفنا الذكر ان حق الاستقلال او الانفصال حق مشروع لكل الشعوب حول العالم ومنصوص عليه في وثائق دولية طالما الشعب المعني يملك كل المقومات لقيام ذلك وليس من حق احد مصادرة هذا الحق، وبالطبع كل المقومات متوفرة بكل تأكيد لعالى النيل، ولكن هذا ليس بالقرار الذي يمكن لشخص او افراد ان ينفردوا به دون آخرين، فالمنطق يهتم بمشاركة كل اهل الشأن في اتخاذ هذا القرار المصيري كما حدث مع استقلال البلاد عن دولة السودان، والمعارضة المسلحة بالطبع لا تمثل كل شعوب اعالى النيل حتى تقرر مصيرهم منفردة ، ولا ادرى بأي منطق يصر الكاتب على ان استقلال دولتهم مرهون فقط بالمعارضة المسلحة دون غيرها؟ اما بخصوص سخريته من ما اطلق عليه دولة بحر الغزال التي وصفها بالحبيسبة وفاقدة للموارد ، فيجب ان نحيطه علما بان اعظم البلدان التي يشار اليها بالبنان اليوم مثل اليابان وغيرها ما كانت تملك ثروات طبيعية، ولكن ثروتها الرئيسية التي لازالت تنتج ولا تنضب هو الراسمال البشري، هذا هو الاهم اذا وجد حكومة مسؤولة تستثمر هذا الراسمال وتوظفه توظيف جيد وانا لا اعنى بالطبع ان بحر الغزال يمكن ان يصبح مثل اليابان بالطبع لا ولكن الحياة فيه لن ولم تتوقف بانفصال اعالى النيل او الاستوائية ؛ فالحقيقة التي يعرفها كل العالم عن جنوب السودان (ما عدا الكاتب ) هي ان جنوب السودان كله عبارة ارض بكر وغني بثروات كثيرة ، وهذا لا يستثني بقعة جغرافية في ارض الجنوب ؛ عموما جنوب السودان كله على المدى تاريخه البعيد وحتى القريب منه ما كان يعيش على ثروات اعالى النيل ؛ ولا اعتقد انه سيكون ذو تاثير كبير على ما تبقى من دولة جنوب السودان. زاد الكاتب وقال " اما ما تبقى من الدولة (بحر الغزال والإستوائية)، فإن أي مطالبات بتقسيمها إلى دولتين، مما سيجر إلى حرب قد تطول بين الدينكا والإستوائيين، فدولة بحر الغزال التي تفتقر إلى الموارد و(الحبيسة) بإفريقيا الوسطى من الغرب والسودان وأعالي النيل من الشمال والإستوائية من الجنوب، سيحتّم عليها منطق السياسة والإقتصاد أهمية الإحتفاظ بالإقليم الإستوائي الذي يمثل في الوقت نفسه المنفذ الوحيد للدولة إلى العالم والتواصل مع حليف الدينكا التاريخي (دولة أوغندا). " انتهي الاقتباس. الملاحظ هنا ان " شينج" بعد ان اشعل حربا عالمية متعدد ة الاطراف ميدانها اراضي بحر الغزال وعالي النيل لم يشاء ويترك الاستوائية دون ان يدخلها في حربه المستقيلية لشيء في نفسه ؛ لانه وبنفس المنطق اذا كانت السياسة الاقتصادية ستحتم على بحر الغزال الاحتفاظ بالاستوائية كمنفذ للعالم الخارجي عبر اوغندا ، فاننا نعرف عن السياسة الدولية ايضاً انه لا يوجد ما يسمى بالحليف التاريخي وانما هنالك مصالح تاريخية وبحر الغزال الذي سيفقد الثروات بعد ذهاب اعالى النيل بثرواته حسب " راي الكاتب" لا اعتقد في هذه الحالة ان التحالف بينه وبين اوغندا سيطول وهذا ابسط الفرضيات؛ وعليه فيمكن لدولة اوغندا ان تجد البديل في الاستوائية وليس العكس اذا فلماذا الحرب؟ وفي جانب آخر يلقي شانج باللوم علي من وصفهم باصدقاء جنوب السودان مثل امريكا وغيرها وعدم اهتمامهم بما يحدث في جنوب السودان الان , وانا اقول ان آخرين ليسوا مجبرين على الاهتمام بقضيتنا نحن الجنوبيين، لان اصل القضية من الالف للياء مصدرها نحن والحل يعود لنا كذلك، ومن الواجب علينا ان نشكر هؤلاء الاصدقاء على ما تكرموا بها من مساعدة لحل مشكلتنا، فهي محل اشادة بكل تأكيد ولكن لا يمكن لنا ان نذمهم عندما يمتنعون. فياترى كيف يمكن للغير ان يحل مشاكلنا ونحن في كل صباح جديد نزيد لحربنا المشتعلة وقودا اضافي ؟ الا تعتقد ان مثل هذه الكتابات التي تتستر وراء القبلية تأتي بالنتائج نفسها التي تحققها افواه البنادق؟ يجب ان نعترف كجنوبيين ان الذي صنعته ايدينا غلب اجاويدنا ومن الاولي لنا ان كنا نريد السلام حقا ان نبتعد من الكتابات المدفوعة بالكراهية وروح الانتقام. وانا لست من يعتقد ان ازمة جنوب السودان وصلت الحد الذي لا يجدي معها المصالاحات والتعايش السلمي بين مكوناته؛ بل هذا ممكن وممكن جدا لاننا بشر في النهاية , اي ان هنالك فرصة للتواصل واقتلاع الازمة من جذورها ؛ ولتكن البداية بالكتابات التي تسعي وراء الحلول السلمية وبث روح الاخاء والتعايش ؛ اوقفوا الحرب يا جنوبيين. ألقاكم. سايمون دينق / جوبا