أجري الإسلامي الصغير الطاهر التوم، مدير قناة سودانية 24، مقابلة مع النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية، علي عثمان محمد طه، في مزرعته بضاحية سوبا، بحجة المعايدة. علي الرغم من ان الحوار كان يتسم بالطابع الشخصي في مجمله، و التحفظ الشديد من قبل النائب الأول السابق في الرد علي الأسئلة المتفرقة، إلا إننا كمحللين ضليعين نستطيع أن ننفذ الي ما وراء السطور، و الكلمات، و الضحكات، و الإمتعاضات، لنثبر أغوار الشيخ و المذيع معاً. نتسائل أولا، لماذا جاءت الزيارة الي الشيخ علي في هذا التوقيت بالذات، بعد الإطاحة بمدير مكتب رئيس الجمهورية طه الحسين من قبل الدولة العميقة للإسلاميين تيار نافع ؟ و لماذا جاهر الطاهر التوم الآن، بحبه و حواريته، لعلي عثمان، بعد أن كان جميع صغار الإسلاميين يتخوفون من مجرد الاقتراب من مزرعته، خوفاً من مصير بلة، رئيس الإتحاد المزبوح علي جدرانها ؟ و هل انتهي نافع سياسياً، لدرجة أنه صار لا يرعب صغار الإسلاميين أمثال الطاهر التوم ؟ و هل هناك هجمة مرتدة تدبر ضد الدولة العميقة للاسلاميين، خصوصاً بعد توقع عودة طه الحسين كمستشار للرئيس ؟ جميع تلك الأسئلة السابقة تعتبر موضوعية و مشروعة، خصوصاً و المنطقة تشهد حرباً علي الجماعات الإرهابية، بقيادة التنظيم العالمي للاخوان المسلمين و فرعه في السودان. كما أن جميع المؤشرات في الساحة، تدل علي أن هناك أمراً يدبر بليل، و تحول كبير قادم في بنية النظام السياسي في السودان، في الأيام القليلة القادمة. أما فيما يتعلق بمحتوي الحوار التلفزيوني، فقد اعترف النائب الأول السابق صراحة، بفشل الدولة في إنجاز التنمية، و من ثم استدرك بسرعة قائلا أن جميع الحكومات السابقة فشلت في ذلك. كما قدم نقداً صريحاً للمشروع السياسي الإسلامي، لاهتمامه بالقضايا الكلية و الشعارات، و الفشل في تحقيق العدالة الإجتماعية بين الناس، و من ثم حاول إيجاد عذر لذلك. أيضا حاول علي عثمان تشبيه نفسه بالرئيس السابق عبود، و قال أن عبود كان شخصية وطنية، و لم يقر له معاصريه بذلك، و لكن أنصفته الأجيال اللاحقة. في تلك المقارنة غير المشروعة مع الرئيس السابق عبود، كان علي عثمان يحاول أن يدفع عن نفسه التهم بطريقة غير مباشرة، ليقول أنه شخصية وطنية، لها ما لها، و عليها ما عليها. صرح أيضا، بأنه نقل جميع الوثائق الخاصة باتفاقية نيفاشا، إلي أساتذة بجامعة الخرطوم، بغرض التوثيق و الدراسة و التحليل. عندما قدمه المذيع الطاهر التوم، بأنه الرمز الإسلامي شيخ علي عثمان، بدا واضحاً ثقل عبارة رمز إسلامي علي وجهه، كمن وضع حبل مشنقة علي رقبته، و تلفت يمنة و يسرة، و كاد أن ينكرها أو يلصقها بأحد آخر ان وجد، فلم يجد من هو أحق بهذا الوصف منه. لأن عبارة رمز إسلامي صارت ثقيلة، لدرجة أن الكل يتهرب منها، و تعني الاٍرهاب، و التنظيم العالمي للأخوان المسلمين، و تعني نهاية المستقبل السياسي للرجل الموصوف بصفة الإسلامي، و تحميله جميع الجرايم وحده. هل قصد الطاهر التوم، وضع حبل المشنقة، علي رقبة علي عثمان، و إبرازه للسطح، بغرض الانقضاض النهائي عليه ؟ أم أنه قال تلك العبارة، بدافع الحب الساذج و الحوارية، و قنطر شيخه للسهام، من حيث لا يقصد ؟ علي كل حال، فالمقابلة التلفزيونية، مثلت إبراز جديد للرجل، الي منطقة الأضواء، و التحليلات، علي الرغم من قلة موضوعاتها. أيضا هذا كله، و بمقتضي السياق العام، يعني أن هناك شيئا ضخماً قادم، و أن هناك رمالا كثيرة و متعرجة، تتحرك في الخفاء. د. مقبول التجاني