ان الدعوة إليّ إسقاط شعار سياسي براق كشعار السودان الجديد، الذي فشل في جانب التطبيق، أهون من الدعوة الي إسقاط مفكر أو ناقد مجتهد، حاول بنقده إنارة الطريق للآخرين عن طريق الوسائل المعرفية المختلفة. رغم جمال الشعار الرومانسي لمشروع السودان الجديد السياسي الذي يدغدغ عواطف المضطهدين و حاجة المحرومين، إلا أن هذا لا يمنعنا من توجيه سهام النقد نحو عمومياته المخلة بالمضمون، و حقيقة افتقاره للجوانب المعرفية الصلبة، و الرؤية الاقتصادية الواضحة، و الخط الثقافي المتماسك الواعي، الذي لا يبني فقط من منصة خانة الرفض للآخر الظالم، و منطق ردود الأفعال السريعة و العمياء. نتسائل أولا، عن أهلية ذلك الشخص، الذي يحمل شعار السودان الجديد من أجل تطبيقه، و عن درجة كفاءته، و أمانته، و حقيقة إيمانه بمشروع السودان الجديد، قبل أن نمنحه صكا علي بياض. كما نتسائل أيضا، عن مدي مشروعية إستخدام القوة، لفرض هذا المشروع السياسي الحالم الجميل علي الجميع، و عن العقيدة السياسية و الفكرية للقوات المقاتلة علي الأرض، و عن نواياها الحقيقية. يظل الخطاب العلماني الواضح الصريح، ببعديه السياسي و الابيستمولوجي، ضعيفاً، داخل الجماعات التي تحمل شعار السودان الجديد، و بعضها مشكك في علمانيته بالنسبة لنا. عبارة سودان جديد في حد ذاتها تحتاج الي مذيد من التفكيك، لأنه اذا ثبتنا جدلاً مفهوم السودان، ستصبح عبارة جديد تلقائيا تحتاج الي تفكيك. بالضرورة، أن مفهوم الجديد و التجديد، له دلالات عدة، بناءاً علي زاوية النظر و التخصصية، و لكن التجديد بالضرورة لا يعني تفكيك و هدم الوضع القائم، لبناء وضع جديد مكان الانقاض القديمة. لكن التجديد يحمل في طياته معاني و مضامين الاستمرارية لمكونات وضع قديم، مع اجراء بعض التعديلات في التعاطي مع المستجدات اليومية. إذن، مجرد إطلاق اسم السودان الجديد، علي مشروع إعادة هيكلة الدولة السودانية، و تفكيك وضعها القائم، فيه خطأ منهجي، و مغالطة كبيرة. مشروع اعادة الهيكلة للدولة، يشترط ضمنياً المرور بحالة من الاناركية و السيولة، كالتي شهدها العراق بعد الغزو الأمريكي، و هي أقرب الي حالة اللا دولة. غير أن دعاة تفكيك الدولة، لم يزكروا لنا الآلية التي سيتم بها عملية تفكيك و اعادة بناء الدولة، علي أسس جديدة. هذا النقد الموضوعي و المشروع، لا ينبغي أن يصبح حاجزاً مخيفاً من عملية التغيير، و لكن يجب أن يكون محفّزاً لعملية التغيير الواعي، البعيد عن الانفعال و الحسابات الخاطئة، و يصبح أيضا تمريناً علي ممارسة الديمقراطية في حوار الكيانات المعارضة مع بعضها البعض، من غير تخوين أو غيره، من الاتهامات الجاهزة السريعة. لقد تحول شعار السودان الجديد في الوقت الراهن، إليّ صنم يعبد، و أيقونة فارغة، خالية من المعني و المضمون، تماماً مثل شعارات النظام الخالف و الإسلام هو الحل، و السودانوية، و غيرها. حتي العلمانية أفرغت من مضمونها الفلسفي الابيستمولوجي و الإجتماعي، و تم طرحها بصورة سياسية شكلانية مبتزلة، لحل مشكلة السلطة الفوقية، و كترياق مؤقت لقضية التنوع، أكثر من طرح العلمانية كضرورة إنسانية معاصرة ملحة حتي في ظل مجتمع واحد الثقافة و الدين، كمجتمع الخلافة الراشدة الإسلامية. ان ما نحتاجه اليوم، هو طرح قضايانا الأساسية بصورة مباشرة، بدون حاجز و أصنام الشعارات، و أن ننفذ مباشرة إليّ قلب القضية. القضايا الاساسية في الدولة السودانية، من وجهة نظري، تتمثل في ضرورة الإصلاح الديني، و احترام الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، و تحقيق العدالة الإجتماعية بين المواطنين، و ترسيخ تطبيق مفهوم الدولة العلمانية الديمقراطية الليبرالية المدنية، وصولاً إليّ دولة الرعاية الإجتماعية. كل تلك القضايا الاساسية المطروحة، لا تحتاج الي شعار سياسي، و ايديولوجيات تكفيرية تحجب التعاطي الموضوعي معها، و تكون حاجزاً بينها و بين الجماهير. اكثر من ذلك، فنحن لا نثق في أي شخص، يرفع اي شعار سياسي، مهما كان براقاً، أو صائباً، بقدر ما نحاكمه و نراقبه بسلوكه العملي الفعلي، و التزامه الحقيقي بتلك القضايا الاساسية، و هذا هو منطق السياسة، الذي يختلف كثيراً عن منطق الدين المانح لصكوك الغفران.