الآن وقد انقضى عيد الفطر المبارك بكل بركاته وبما أشاعه من محبة وفرحة بين كل الفئات والطبقات بلا فوارق أو تمايزات، يلزمني أولاً الترحم على كل من توفاه الله واختاره الى جواره بسبب « الاسهالات المائية » التي أقضت المضاجع وأحزنت القلوب، مع خالص تمنياتنا للمصابين الذين ما يزالون طريحي الفراش يتلقون العلاج بعاجل الشفاء، ثم لنتساءل من بعد هل من أمل في أن يستمر هذا الحال الذي أشاعه العيد بفرحتيه ، فرحة اكمال الصيام ايمانا واحتسابا وفرحة الفطر ، ليظلل مسار حياتنا الحاضر والقادم بكل ما هو مفرح وجديد وسعيد.. الإجابة بنعم تبدو عصية وعسيرة الآن، ولكنها ليست مستحيلة إذا ما صفت النفوس وسمت العقول وترفّعت عن الصغائر وتخلّت عن الأنانية وحب الذات والعصبية وشح النفس والأثرة، وانفتحت الأذهان على الآخر وسادت روح الحوار الجاد لا « المحاورة والمداورة » غير المجدية بين المختلفين حول ما يشكل من قضايا وتسامى الكل فوق عصبية القبيلة وعصبة الحزب، وجعلوا الوطن في حدقات العيون وفوق الهامات، وذلك لن يتأتى بالطبع إلا باعتماد النهج الديمقراطي حاكماً للحياة السياسية وضابطاً لها، وإعمال منهج المحاسبية والشفافية زاجراً لشهوات النفوس المجبولة على حب السلطة والتسلط وكنز الأموال واحتكار الثروة، وهذا باب لن نلجه ما لم نضع رجلنا على أولى العتبات المفضية إليه، وهي اشاعة الحريات السياسية والصحافية واحترام مكوناتنا الإثنية والاعتراف بثقافاتنا المتعددة ودياناتنا المتباينة وتقاسم السلطة والثروة بالعدل والسوية حتى يشعر كل فرد في هذا الوطن بانتماء حقيقي له. وعلى ذكر مفردة «مفاوضات» فإن ما نتمناه على الحوارات والمفاوضات المزمعة مع حملة السلاح وغيرهم أن تجري وقائعها بكل جدية ومسؤولية وأن تنعقد نية اطراف التفاوض للبحث الجدي عن حلول ومخارج عملية للمشكلات والقضايا المتحاور حولها، وبهذه البدهية فإن الأهم من الحوار نفسه هو ترتيبات ومترتبات ما قبله بتهيئة البيئة الصحية والصحيحة اللازمة لانعقاده في أجواء معافاة، ويكفي فقط الاعتراف بحاجة البلاد لحوار هو بالضرورة اعتراف بما تنوء به من أزمات ومشكلات مالها من حل غير الحوار الذي يجعل حال البلاد من بعده ليس كحال الشاعر ابو الطيب المتنبئ الذي عكسه عبر داليته الشهيرة والتي عبر فيها عن شقائه ومعاناته وعدم فرحه بحلول العيد، رغم ما استقر عليه حال الناس عند مقدم أي عيد حيث يستقبلونه بالبشر والترحاب والتفاؤل ، وأخشى ما نخشاه أن نردد مثله .. عيد بأي حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد.. الى آخر القصيدة .. الصحافة