* لا شك أنه من البرامج السودانية القليلة التي تفيد الناس (فقراء أغنياء مرضى)؛ وذلك لو تمت مقارنته بقائمة طويلة من اسماء برامج تقدمها شاشاتنا؛ يترواح وزنها بين الخفة والسخافة؛ وبرامج أخرى تعكس بؤس العهد السياسي الحالي..! هذه الشاشات التي لا ينقطع (هجِيجها) في أحلك لحظات الشعب السوداني؛ ظل برنامج بنك الثواب علامة بيضاء في وجودها المخيِّب للآمال (غالباً)..! * انتقل البرنامج المُهِم من قناة قوون بعد 4 سنوات قضاها في خدمة المرضى؛ واستقر بتلفزيون الخرطوم قبل أن يتم الإعلان عن إيقافه مطلع هذا الأسبوع..! فقد وصلتني الرسالة التالية من مقدمه المتميز عبدالله محمد الحسن؛ مرفق معها الوثيقة التي قال إنها السبب في منعه.. مصدر الوثيقة مستشفى أحمد قاسم..! يقول عبدالله: (الأحبة في الخير والثواب.. لكم ما تشاؤون من المحبة والسلام.. أفيدكم أننا تلقينا إتصالاً من إدارة البرامج بقناة الخرطوم الفضائية بإيقاف البرنامج حسب توجيهات وزير الثقافة والإعلام بولاية لحين إشعار آخر). * ولتبديد علامات التعجُّب حول الإيقاف الفجائي للبرنامج؛ أنقل هذه الإفادة الخاصة بصاحبه: يقول عبدالله: السلام عليكم جميعاً أهل الخير. أمْلَى علىَّ ضميري وأخلاقي ومهنتي أن أعرض الفاتورة أعلاه بكل الشفافية والوضوح أمام الله والمشاهدين.. وتعجَّبتُ أن فاتورةً لطفلة والدتها معلمة ووالدها كفيف، تصدر من مشفى حكومي بتكلفتين.. الأولى 36,000 جنيه؛ وعلى المريضة انتظار دورها الذي ربما يأتي عام 2019 م!! والثانية 71,000 جنيه؛ وتُجرى العملية خلال أسبوعين!! ولأول مرة لم أُعلِّق؛ إنما رفعت الأمر لله أولاً ثم للمشاهدين!! و أُدرك أن هذا هو السبب المباشر لإيقاف برنامج بنك الثواب !! ونحن نعدّ الآن لانتقال البرنامج لقناة الهلال حيث لن تكون له صلة لا بالهلال ولا المريخ ولا أي منشط رياضي.. إنما ستكون القناة بأجهزتها الحديثة منبراً للوقوف بجانب هؤلاء البسطاء الفقراء من أمة محمد صلى الله عليه و سلم.. وبوقوفكم وإرشاداتكم سيمضي البرنامج نحو رسالته السامية بإذن الله. (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ؛ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ؛ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ). عبدالله محمد الحسن مقدِّم برنامج بنك الثواب. * حسب بيان أصدرته هيئة تلفزيون وإذاعة الخرطوم وردت الجملة (البلاستيكية!) التالية: (إن طلب تعليق البرنامج جاء في إطار التشاور حول الموجهات التي يجب أخذها في الإعتبار بعد خروج البرنامج عن أهدافه). * الجملة أعلاه توحي بأن البرنامج خرج عن أهدافه عدة مرات؛ وهذا تضليل مفتعل.. كان على مصدري البيان أن يكونوا أكثر شفافية وشجاعة؛ فيذكروا بالحرف أن البرنامج مُنِعَ لأنه سلخ قناع المستشفى المذكور؛ فاستبانت البشاعة.. والجملة ذاتها تؤشر بوضوح إلى واقعة الفاتورة التي كشف أمرها مقدِّم البرنامج.. وبهذا الكشف سيكسب ثواباً يُضاف لثوابه بالوقوف مع المرضى وعلاجهم. * مستشفى أحمد قاسم أخرج للمريضة (آية محمدأحمد) ذات السبعة أشهر تكلفة علاج (مزدوجة) في باطنها وظاهرها (عدم الرحمة)..! تعاني آية من ثقب بين البطينين.. الطفلة البريئة إما أن تدفع ضعف مبلغ العملية (71) ألف جنيه لتتعالج بسرعة؛ وإما تنتظر مع المرض لزمان طويل.. مقابل هذا يكتفي (غول المستشفى) بمبلغ 36 ألف جنيه (أي نصف المبلغ السالف المعمول بانتهازية)..! الفاتورة المعنية تؤكد هذه الخلاصة بالضبط: (إذا اجتمع عليك الفقر والمرض في السودان فلا سبيل يقودك إلى رحمة المستشفيات سوى المال؛ أو تموت مجاناً جزاء فقرك).. بمعنى آخر فإن العناية بك تتم (حسب تمام قروشك)..! * وبدلاً من تحفيز عبدالله على فضحه للأسلوب اللا إنساني للمستشفى؛ عوقِب بحجة (الخروج عن الموجهات)..! يبدو أن الموجهات المرتجفة الهدف منها التستر على القبائح؛ فلا تتسلل للعلن؛ رغم الحاضر الذي لا يُخفى فيه شيء..! خروج: * في عهد الفساد الماثل فإن كشف مواضِع الخلل أمر لا ترغبه السلطات.. وقول الحق ثمنه الغضب على قائله؛ لأن الباطل صار رمزاً للسيادة.. والأقذار يُرفع من شأنهم سلطوياً وإدارياً لأنهم يشبهون (طبيعة النظام الحاكم)..! * ماذا كان يتوقع عبدالله وسط هذا الطقس الملوث (من فوق لِتحت)؟! إن الجشع والانتهازية واسترخاص الإنسان في المشافي؛ حوَّلها إلى أمكنة كئيبة بالمعاناة والذل..! أعوذ بالله عثمان شبونة الجريدة