هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    تعادل باهت بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا    ((نصر هلال قمة القمم العربية))    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحذاء
نشر في الراكوبة يوم 26 - 07 - 2017

القبطان ديمتري لم يكن سعيدا ، فلقد تنازل عن غرفته المريحة لصاحب المركب السيد فليبيدس . واضطر للسكن في كابينة مساعده الذي شارك المهندس العجوز السكن . والسيد فليبيدس كان يستاثر باهتمام الطباخ ومساعدة السوري والذي يعرف عالميا ب ,, قالي بوي ,, بالرغم من انه قد يصير متقدما في السن . ويعمل في السفينة اثنين من المصريين واثنين من السوريين . واضطر الطباخ للاستعانة بأحد البحارة عندما يكون مساعده مشفولا بصاحب المركب .
الكابتن لم يكن سعيدا بوجود اثنين من الصوماليين لا يؤدون اي عمل حسب فهمه . فلقد كان عليهم الاعتناء فقط بصغار الجمال التي كانت في طريقها من استراليا الى السعودية . وكان السيد فليبيدس يتفقدها وكأنها اطفاله . وكان الصوماليان يقدمان للجمال بعض الدواء وفي بعض الاحيان نوعا من الحليب في شكل مسحوق يخلط بالماء الدافي .وهذا يعطي مهمة جديدة للطباخ . وقد يصرخ الصوماليان في وجه الطباخ عندما يتلكأ في تلبية طلباتهم ، وقد يتعرض الطباخ للتهديد . ويصرون علي اكلهم الخاص وقد يرفضون الاكل اليوناني الذي يرحب به كل العالم .
الباخرة الصغيرة كانت ناقلة للماشية . ومن العادة ان تحول حاملات النبيذ عندما يتقدم بهم العمر الى ناقلات ماشية . فالماشية قد تعيش علي القليل من العلف ولكن الماء هو ما لا تستطيع الماشية العيش بدونه ، ويحتاجون الماء بكثرة بطريقة متواصلة . وتستخدم خزانات النبيذ القديمة في حفظ الماء . ولقد التفت العم كلاوسن الدنماركي كما يعرف ، لحاجة العالم لناقلات الماشية وكون اسطولا من اكبر الاساطيل في العالم لنقل الماشية . وكانت سفنه التي تتراوح حمولتها لحوالي الالف من الاطنان للواحدة مفيدة في المسافات القصيرة فقط ، وتحمل بعضها اسماء كريماته الثلاثة .وهو على عكس الدنماركيين كان له بعض الاولاد كذلك مما جعل عائلته كبيرة على غير عادة الاوربيين . الاولاد نجحوا في ادارة العمل بعد ان تقدم هير كلاوسن في العمر . وبالرغم من المال الوفير كان كلاوسن متواضعا يرتدي القبقاب الخشبي الذي كان حذاء الاسكندنافيين لمئات السنين مع البذلة الكاملة . ويجتمع مع اصدقاءة القدامي ويحتسي الجعة ويغني الاغاني القديمة . ولا يسمح لابناءه بالاستعاضة من ملابسهم المعقولة باحذية جميلة من جلد التمساح الامريكي والبدل من الخياط الخاص مثل الكثير من الاثرياء .
مع ارتفاع اسعار النفط بعد حرب العرب مع اسرائيل في 1973 صار العرب من الاغنياء . ومفهوم الفقراء عادة عندما يصيرون من الاغنياء هو الاكثار من الاكل . والاكل بالنسبة لهم يعني في المكان الاول اللحم واللحم ثم اللحم . واستراليا كانت مليئة بالخراف التي تستخدم في انتاج الصوف . وقد يفوق وزن بعضها الستين كيلوجراما . وتباع بسعر متدني بعد جزها واستخراج الصوف . وصنع الهير كلاوسن سفنا جديدة تستطيع ان تنقل 40 الف من الخراف الحليقة . وقام ببيع احدي بواخرة القديمة لليوناني السيد فليبيدس .
بسبب تقدم عمر السفينة و جشع صاحبها الذي اراد ان يسابق الزمن ويغطي ديون البنك بسرعة كان يدفع القبطان لمواصلة الرحلات . واهملت الصيانة بالرغم من اعتراض المهندس العجوز .والنتيجة كان انفجار المحرك . وواصلت الباخرة بصعوبة بمساعدة المحرك المساعد . وسبب هذا استهلاكا للمحرك الصغير . وتم اصلاح المحرك ولكن التأخير والصيانة تركت ثقبا في جيب السيد فليبيدس .
السيد فليبيدس كان يعرف كيف يكون مرحا كريما ولطيف المعشر عندما يشتم رائحة المال وكان زبائنه من العرب يجدون ما يسعدهم عندما يحضرون لزيارته . ولكنه كان يعامل موظفيه في مكتبه في ميناء بيريوس خارج العاصمة اثينا بشدة . ويحاسبهم على كل مليم ولا يضيع فرصة في جعلهم يعملون فوق ساعات العمل بدون اجر ، وقد يتأخر المرتب لاكثر من اسبوع . فهو يحب المقامرة كالكثير من بني جلدته .
في احدي زيارات السيد فليبيدس شاهد سباق الهجن وجنون العرب بذلك السباق . وتذكر بانه شاهد سباقا للهجن الاسترالية . واستراليا كانت قد اتت بالجمال من الهند واستخدمتها في نقل المؤن والمعدات خاصة في فترة بناء السكك الحديدية . والكثير من هذه الجمال مثل الخيول في امريكا قد هربت وعاشت في حرية تامة . وتلاقحت وكانت النتيجة سلالات قوية . وكان الاستراليون يستخدمونها في سباقات طويلة تحتاج لجمال قوية . وطرح السيد فليبيدس فكرة استيراد الهجن من استراليا الي دول الخليج . السيد فليبيدس لا يفارقه ابدا الشعور بأنه يفوق الاخرين ذكاءا وظرفا ، ولكن الدنيا تعاكسه والا لصار من كبار الاثرياء بسبب ذكاءه وشخصيته .
طرح السيد فليبيدس الفكرة علي احد الشباب العرب من الاثرياء الجدد الذي كسب مالا سريعا من استيراد اللحوم والخراف . واتت فكرة استيرا اثنين من صغار الذكور واربعة من الاناث مع شحنة الخراف . واضطرت الباخرة للتأخر قليلا للحصول علي شهادات بيطرية واعطاء الجمال الصغيرة بعض التحصين وتهيئة المسحوق الذي سيخلط بالماء وبعض زجاجات ضخمة لارضاع الجمال مع بعض العلف الخاص . وبدأ السيد فليبيدس في ممارسة احلام اليقظة .
بدأ المولد الكهربائي في التمرد والعمل بمزاج عصرته السنين وشاركته مضخة الماء وأشاء صغيرة في التمرد . كان من الواجب التوقف لشراء قطع غيار ومعينات واقرب ميناء كان ما تتجنبه اغلب السفن . انه ميناء سينغافورة . حيث الاسعار علية واجر المرسى يماثل فنادق من سبعة نجوم . وقد يتعرض البحار للغرامة والجلد لالقاء اشياء في الطريق . او لقطع بعض الزهور او الاشجار . وبعض السفن قد القي القبض عليها او صودرت وتعرضت لغرامات عالية للتخلص من زيوت المحرك القديمة في مياة سنغافورة الاقليمية . ولكن لم يكن هنالك مجال للابحار بدون اصلاح المولد والمضخة والاشياء الصغيرة . وكان في الامكان التوقف بعيدا عن الميناء والوصول الي الورش والمتاجر عن طريق الزوارق الصغيرة . وهذا يوفر الكثير من المال . ولم ينس الكابتن ان يطلب احضار بحار اضافي لتقليل عبئ العمل عن الآخرين الذين بدأت عليهم بوادر الضيق . وكثيرا ما يجد الانسان بعض البحارة المتخلفين لاسباب عديدة ويقبلوت بالعمل بشروط مجحفة . والصوماليان لا يهتمان الا بالجمال .
واتت قطع الغيار ورجل اسود لا يبدو كبحار بالرغم من قوته البادية وقامته الممشوقة . ولكنه كان علي استعداد للعمل بمئتين من الدولارات في الشهر وسيقوم بكل الاعمال . وما حير الجميع هو انه كان يحمل مجموعة من الكتب التي يهتم بها .وتحدث العربية وبعض اليونانية ولم تكن انجليزيته مثل انجليزية البحارة . اما لغته الالمانية فقد كانت رائعة . وبدا في العمل بحماس وبدون تأفف والتصق بالصوماليين وتقبلاه ببساطة . وعرفوه بأسم بابكر السوداني .
قبل ابحار السفينة اتي احد الزوارق التي تنقل البحارة وغير البحارة الي السفينة وكان يبدو انهم قد تعبوا في العثور علي السفينة في الميناء الكبير . ولم يكن هنالك سوي رجل كبير السن وفتاه المانية بشعر اشقر كانت تسأل عن السوداني . الذي رفض مقابلتها . وتدخل السيد فليبيدس وحاول فهم سبب اهتمام حسناء بالاسود الذي التحق بطاقم مركبه . وشعر ببعض الارتياح عندما عرف ان الامر لا يتعلق بجريمة . والشابة كانت تعتذر لانها قد مزقت بطاقة الطائرة وفلوس صديقها بسبب غيرتها من سائحة امريكية في الفندق وانها تعتذر ولقد اتصلت باهلها وسيرسلون بطاقة طائرة جديدة ولديها الفلوس ويمكن ان يعودا سويا لالمانيا . ولدهشةالسيد فليبيدس الذي يعتبر نفسه ساحر النساء . ولكنه كان يحلم بفتاة المانية شقراء . لم يتراجع الرجل الاسود ولم يهتم لدموع الفتاة التي رفضت الذهاب بالرغم من تضايق قائد الزورق ومرافقها . واخيرا ذهبت . ولكنها كررت حضورها في يوم الرحيل ووقفت ملوحة .
سارت الرحلة وبابكر يقوم بكل عمل يكلف به وفي وقت فراغه كان يتفرغ لقراة كتبه . والسيد فليبيدس يتحرق لمعرفة سر الرجل الاسود . خاصة وانه كان يفهم اليونانية . ولكن لم يكن يريد ان يتنازل لادارة حوار مع من هو في آخر السلم في مركبه . وعن طريق مساعد الكابتن الشاب , عرف ان اليونانيين كانوا في كل ركن في السودان لدرجة ان شاهرات المرور كانت في العاصمة الخرطوم مكتوبة بالانجليزية واليونانية . ولقد سكن منذ طفولته في حي في السودان ملئ باليونانيين . وتعلم اليونانية البسيطة كالكثير من اهل الحي . وهو يعيش في المانيا منذ فترة ليست بالقصيرة وقد اكمل دراسته الجامعية والفتاة هي صديقته الا انها تعاني من غيرة لا يمكن السيطرة عليها لانها كما يبدو تكن له كل الحب ولا بد انها قد تعبت لتعرف اسم المركب الذي سيستقله صديقها والرجل المتقدم في السن الذي رافقها لابد ان يكون دبلومسيا او احد الالمان المستقرين في سنغافورة . وكل ما يريدة السوداني هو ان يصل الى اوربا بدون مساعدة اى شخص . ويفضل ان يترك لحاله وكتبه . وقد بدا في قراءة كتب مساعد القبطان عن البحرية والسفن والابحار ، والتي هي بالانجليزية . وكثر تواجده مع مساعد القبطان وبدأت بيتهما صداقة واهتمام . وكان يتعلم كل يوم كلمات يونانية جديدة . وبعد بعض الشرح صار يستطيع تمييز المنارات بحسب ذبذبات وانقطاع الاضاءة وعودتها كما يظهر في الخرط البحرية . ويستعمل البرجل والمثلثات لتحديد خط السير والمسافات . وعندما سأله السيد فليبيدس لماذا يضيع وقته في تلك الدراسة ؟ قال الرجل الاسود بكل ثقة سيكون لي يخت خاص في يوم من الايام . وكاد اليوناني ان يموت غيظا .
السيد فليبيدس كان متعودا على تحية الصوماليين بابتسامة كبيرة ويردد جملة .... ياسو كترانس .... مرحبا بالقطران . ويضحك الجميع حتى العرب لانهم يفهمون المعنى الذي يجهلة الصوماليان .
وفي اول مرة سمع السوداني تلك الجملة جعلت السيد يواجه نظرات نارية لم يعهدها من طاقمة . وتوقف من ترديد تلك التحية . ولكن ذلك ترك عنده بعض المرارة . فهو قد تعود على الخضوع . ولكن الرجل الذي لا يستجيب لدموع تلك الحسناء ويرضى بظروفه الحالية الصعبة ،لا يستهان به . انه نوع من الرجال لم يعهده . ولكنه لايحب ان يهزم .
لم تسر الامور بالطريقة التي كان يحلم بها السيد فليبيدس . فوالد شريكه العربي لم يوافق على مخاطرة الاستمرار في احضار الجمال الصغيرة من استراليا . ؟ ولقد سن قانونا يمنع اشتراك جمال في السباق من خارج البلاد . والسبب ان بعض الجمال المستوردة من السودان قد فازت باغلب الجوائز . والمركب من المفروض ان يعود الى اوربا للفحص الذي يحدث كل خمسة سنوات .
ظهرت فرصة ذهبية رفعت من روح السيد فليبيدس . كان في امكانه ان يعود الي اوربا بحمولة تجعل سفينته تشابه سفينة نوح . صار في امكانهم نقل النعام وبعض حمير الوحش والغزلان الي اوربا . فلقد صارت لحوم النعام تقدم في مطاعم فاخرة او في متاجر الاطعمة الشهية لانها صحية ولا تحتوي على قدر كبير من الكلوسترول . وانتشرت مزارع النعام في العالم . ويمكن صنع احذية غالية الثمن وقفازات و حقائب للسيدات او لرجال الاعمال باثمان خرافية من جلودها . وبعض دول اوربا صار لها ما يعرف بحدائق السفاري و تمتلئ بالقرود والحيوانات الافريقية .فبدلا من الذهاب الي افريقيا احضرت افريقيا لاوربا . والمال يشتري كل شي .
بابكر السوداني لم يرفض الدخول في تلك التجربة وكان سعيدا بالتعرف بعالم البحر وزيارة جنوب افر يقيا وناميبيا التي ستنأتي منها الحيوانات. وصداقته بمساعد القبطان صارت حميمية جدا . ولغته اليونانية في تطور غير مصدق .
رجال الجمارك والسلطة البيضاء في جنوب افريقيا كانوا يعاملون الجميع بعنجهية واضحة . وكانت لهم قائمة طويلة بالمحرمات والممنعوعات التي قد تلقي بالمخالف في السجن . اهمها كان الالتزام بنظام التفرقة . وعدم دخول اماكن البيض لغير البيض . وكان بابكر الذي صار ينادونه ببابي وبوب في بعض الاحيان يعرف المتوقع منه . ولكن كانت صدمة المصريين كبيرة . عندما عرفا بانهما مصنفان ك ,, كافر ,, وتعني افريقي او اسود . والسوريان من البيض . وكرد على احتجاج المصريين بأنهم عرب مثل السوريين . كان الرد حاسما ,, كافر .... كافر ,, وحسب احد المصريين ان القصد من الكلمة هي من لا يؤمن بالله سبحانه وتعالي . فبدأ في الاحتجاج بصوت عال. وكانت صفعة قوية دفعت القبطان للتدخل والاعتذار . وبدلا من ان يترك السيد فلبيدس الامر يمر بسلام ، كان يستمتع بالسخرية من المصريين . ويدعو السوريين لمشاركته المائدة في بعض الاحيان بعد ان يكون قد شرب قليلا ، واصفا لهم بالبيض والآخرين .... بكافر . ثم يضحك ملئ شدقيه . مستمتعا . وبدأ السوريان في الاستخفاف بالمصريين اللذان كانا يسيطرا علي المركب ويتوددا للجميع . ولكن كان يتضايق عندما تتردد الرسائل الملحاحة من الفتاة الالمانية للسفينة عن طريق جهاز الاتصال بالرغم من ان الرجل الاسود كان يرفض استلامها . وتكون عند السيد فليبيدس نوع من الحقد علي الافريقي المتغطرس .
سارت الامور بطريقة معقولة في سفينة نوح وكان الطبيب البيطري واثنين من معاونيه يؤدون عملهم ويتواصلون مع الجميع باحترام ولا يتدخلون فيما لا يخصهم . بابكر يلتصق بهم ولا تتوقف النقاشات السياسية . وترتفع ضحكاتهم .
بعد عبور جبل طارق صار المحرك يتمرد . اجبر القبطان على الاستعانة بالمحرك المساعد . والسيد فلبيدس صار غير محتمل يكثر الشتائم والصراح ويكثر من الشراب . وتصدر منه عبارات عنصرية . ويقول ان افريقيا واهلها وحيواناتها فال سئ ولهذا عاقب الله افريقيا واصابها بالتخلف والامراض والجهل . وبعد التخلص من الشحنة المتعبة ، اراد بابي ترك المركب واخذ مرتبه ولكن السيد فليبيدس بدا في المماطله وطلب الانتظار الي الوصول الى ميناء بيريوس في اليونان . ولم يعد مستعدا لمناقشة الامر .
تم اصلاح المحرك . ولكن كان من المطلوب تنظيف سقف غرفة المحرك من الزيت التي التصق بالسقف . وبدلا من الاستعانة بمعدات وشخص متمرس احضرت مجموعة من حاملات نقل البضائع الخشبية ورصت بطريقة بدائية وتردد الجميع في المخاطرة . وقام بابي على القفذ عليها وببعض الخرق والمواد المزيلة تمت نظافة السقف . لأن أي انسان له خبرة ويفكر في الشراء للمركب سيقوم بالنظر الى السقف لكي يتأكد من ان المحرك لم يتعرض لانفجار الخ .
عملية الفحص الدوري علي المركب تمت بسرعة فالمهندس فليبيدس مسؤول منظمة لويدز البريطانية التي قد تم تسجيل المركب في سجلاتها ، كان يعرف المهندس جوانيدس وتربطهم صداقة . ولم يبقي الا الدخول الى الحوض الجاف ونظافة السفينة من المحار والطحالب وكل ما تعلق بالجزء الاسفل من السفينة من مخلوفات البحار ، تأهبا للقيام بطلاء غاطس المركب . . وهنالك مشتري للمركب في طرقه للمعاينة . ولقد تمت المناقشة علي ضوء السعرالطلوب والذي ظهر في كل اعلانات السفن العالمية وهو مليون ومئة الف دولار امريكي . والجميع في انتظار مرتباتهم .
ويظهر رجلان في الحوض الجاف كان واضحا من طريقة مشيتهم وخوفهم الواضح على السلالم علي انهما غير متعودين على التعامل مع السفن وركوب البحر . سأل الغريبان عن السيد فليبيدس . الذي لم يكن موجودا . وكان العامل الذي من المفروض ان يقوم بكحت الطلاء القديم مشغولا بأكل المحار الذي كان ملتصقا بقعر المركب . ولم يستطع ان يرد علي اسئلتهم بالانجليزية . وترك احدهم بطاقة الزيارة ورقم الفندق في اثينا ورقم الغرفة . و طلب العامل من الرجل الاسود الذي كان في داخل المركب اعطاء السيد فليبيدس او الكابتن الرسالة . والعامل يظن ان الزيارة بغرض شراء المركب . وتركا الرقم للاتصال بهما . ودقق
الرجل الاسود علي الاسم ، رقم التلفون والغرفة باهتمام .
في المساء كان هنالك رجل في استقبال الهوتيل الفاخر في ميدان امونيا في وسط العاصمة اثينا . وطلب منه موظف الاستقبال الاتجاه لكابينة التلفون والاتصال بالنزيل عبد المجيد محمد عبد المجيد . وبعد دقائق كان عبد المجيد يحتضن الزائر بفرح غير مصدق . عبد المجيد كان مع شريكه العربي . وقد وجدا تمويلا من احد البنوك لشراء ناقلة ماشية . وكانت تنقصهم الخبرة ولكن لهما كمية كبيرة من الشجاعة وقوة الارادة . وبدا وكانما السماء قد ارسلت لهم بابكر جار عبد المجيد عبر الحائط في السودان وصديق شقيقه الصغير الحميم .
الشريكان كانا متسرعين لشراء المركب بسرعة يدفعهما حاجة السوق الملحة وحلم تعويض ثمن المركب في سنتين . وكان كل طموحهم هو تخفيض السعر من مليون ومئة الف الى مليون دولار فقط . وعندما قال بابكر او بابي انه من الممكن شراء المركب ب 700 الف او اكثر قليلا لم يكن في الامكان تصديقه . وبعد شرح الظروف التي وضعت بابكر على ظهر المركب وحديث الذكريات . بدا الدرس .
النقطة الاولى كانت حضورهم في ملابس جميلة وربطات عنق ، وحقائب وكانهم داخل مصرف ليست مناسبة . ويجب الاتفاق مع مهندس سفن ليقوم بالكشف على المركب . فالكشق الدوري لم يكن جيدا . فلم يقم المفتش بانزال زوارق النجاة ورفعها مرة اخري للتأكد من صلاحية الرافعات . والرافعات لا تزال تحمل الطلاء القديم واذا كان قد تم استعمالها لانكسر الطلاء القديم . ولم تتم عملية رش زوارق النجاة بخراطيم الماء للتأكد من عدم وجود تسرب . وبعد ارتفاع اسعار البترول الجنوني بعد حرب الشرق الاوسط في 1973 صار من غير المجدي استعمال البواخر القديمة . والكثير منها مربوط مع بعض في ميناء بيريوس كحزم الفجل ولا تجد المشتري . وبعضها قد يجد طريقه لباكستان او احد الدول لكي يتحول الى اسياخ تسليح الخ وشركات التأميم صارت ترفض تامين البواخر القديمة . ولكن اليونانيون يتحايلون . والماكينة قد تم اصلاحها بعجل ولكن هذا ليس بمذكور في سجلات السفينة حيث يسجل كل شئ في ما يعرف ب,, لوق بوك ,, . وهذه جريمة . والمحرك المساعد يجعل الماكينة ترتجف لأن العمود الطويل الذي يدير مروحة الدفع يحتاج لعملية خرط ، وهذا قد يكلف ما بين 3 الى 5 آلاف من الدولارات . السيد فليبيدس ليس عنده مشتري كما يزعم . وهو في حاجة ضاغطة للمال والا سينتزع البنك المركب ولن يجد اي تعويض ، وهو لم يدفع مرتبات الكابتن والجميع وله ديون مقامرة وديون شخصية . وسيقبل ب700 الف دولار . بالرغم من انه يتظاهر بانه غير محتاج للمال وان امورة على مايرام .
استمرت عمليات التدريس . والشريكان مندهشان . ويعرفان ان السفن مثل السيارات تتعرض للفحص كل خمسة سنوات وهنالك خمسة منظمات في العالم تتكفل بهذا وهي اميركان بيرو اوف شيبينق الامريكية . ونورشكا فيريتاس النرويجية وفيرتاس الفرنسية ، ولويدز البريطانية ولويدز الالمانية . وللدول الشيوعية منظمتها الخاصةلأن سفنهم لا تؤمن في الغرب . وبدون شهادة الفحص لا يمكن تأميبن المراكب الخ . وعلى الشريكان ان يحضرا بثقة وبدون الحقائب وبملابس عملية . وفي الحوض الجاف عليهم الكشف على قعر المركب للتأكد من انه لم يتعرض لاصطدام بصخور القاع . والنظر يحدث بوضع الرأس بين الافخاذ والنظر الي الخلف لان تلك هي الطريقة الاسلم للكشف . واحتج الشريك العربي عن عدم مقدرته في تنفيذ تلك العملية بسبب امتلاء جسمه . ولكنه عرف انها مناورة فقط لاعطاء البائع انهم على دراية بعالم السفن . وعند الدخول لغرفة المحرك عليهم النظر للسقف والتوقف والاشارة للبقعة التي تبدو انظف من بقية السقف . والنظر لوجه البائع بطريقة وكأنهم يتهمونه بشئ.
الشئ الوحيد الذي توقف عنده الشريكان هو ان هنالك شخص يزوده بادق المعلومات ويجب ان يتم تعويضه . وقد يكشف عن الشخص فيما بعد . وان عليهما ممارسة البرود الشديد واعطاء موقف صلب .
بعد الكثير من التردد والمناورات وحضور اشخاص في نفس الوقت الذي يحضر فيه الشريكان لمناقشة السعر وتظاهرهم بأنهم مشترون جاهزون . كان بابكر يخبرهم مقدما بأن الحضور الذين سيحضرون سيكونون مرتدين ملابس يصفها لهم واوصافهم الخ وانهم من اصدقاء السيد فليبيدس ومن الاجانب ولا دخل لهم بالسفن . واخيرا . يقبل السيد فليبيدس ب 750 الفا من الدولارات . بالرغم من بابكر كان متأكدا من انه كان سيقبل بخمسين دولارا اقل . وتم التعاقد مع الكابتن ومساعد الكابتن والمهندس العجوز . وكانوا جد سعيدين بالمالك الجديد والميناء ملئ بكل انواع البحارة خاصة الافارقة الذين طال عملهم في السفن ويعملون باخلاص .
ذهب بابكر لاستلام جوازة ومرتبه من مكتب السيد فليبيدس . وكان فليبيدس يماطل كل الوقت ويقول انه لايستطيع ايجاد الجواز . واخيرا ينفجر في وجه بابكر ويقول له ان عليه ان يتنازل من مرتبه للحصول على جوازه ويكفي انه قد اوصله لاوربا ولقد اذداد شحما بالاكل والنوم في مركبه . واذا لم يعجبه الحال سيجد نفسه في السجن ولا بد ان التقاطة في سنغافورة هو الفأل السئ الذي لازمه . وصب لعنته على كل الافارقة . وان جنوب افريقيا على حق في اهانتهم ووضعهم في المكان المناسب . ولدهشته لم يزد بابي على الابتسام .
ذهب السيد فليبيدس لشقته الخاصة حيث تسكن سكرتيرته . ولدهشته وجد ان المفتاح موجود داخل القفل في الجانب الآخر وليس هنالك ردا على طرقه. وخوفا من اثارة زوبعة كبيرة في منتصف الليل قرر التحدث معها في الصباح عندما تحضر للمكتب . ولكن السكرتيرة لم تحضر للعمل . وهرع الي الشقة من جديد ولكن السكرتيرة تحدثت معه عبر فتحة الباب بدون رفع السلسلة الغليظة . وكانت حقائبها بالقرب من الباب . وتطالبه بدفع مرتبها الذي لم تستلمه لشهور . وتقوا انها تريد ان تذهب الى لوالدتها المريضة في تسالونيكي وهو يماطلها كل الوقت . ولا يعاملها باحترام ويحرم عليها الكلام مع اي رجل مما يعطيها الشعور بانها من ممتلكاته .
من فتحة الباب ظهر حذاء اسود لامع من جلد التمساح الامريكي الا انه كان من الحجم الكبير . وثار السيد فليبيدس وبدأ في وصفها بكل انواع الشتائم ولم يعد يهتم بما سيقوله الجيران . وعندما بدا في التهديد بالقتل . يقفل الباب ثم يقتح مرة اخرى بعد رفع السلسلة .ويظهر امامه رجل اسود حليق اللحية ويرتدي ملابسا فاخرة تناسب الحذاء الجميل . ويبدو مستعدا لكل شرور العالم مما اخاف السيد فليبيدس . وبينما السيد فليبيدس يجمع اطراف لغته الانجليزية يسمع . ... ياسو كترانس ... وبلغة يوناية معقولة يقول الرجل الاسود الا تعرفني ؟ وكاد السيد فليبيدس ان يموت من الغيظ . وبدأ في الصراخ بجنون ...بأن بابي لن يشاهد مليما واحدا وسيمزق جوازه ، وسيذهب الى السجن . وان العاهرة بجانبه لن تجد مليما ولن تستطيع ان تجد عملا في اثينا بعدها لانه يعرف الجميع وسيجعل حياتها جحيما . ولدهشته يخرج بابي جوازة من جيب البذلة الرائعة وهو ممتلئ ثقة . ويطلب منه افساح الطريق لان مساعد الكابتن كوستا سيأخذهم بعربته الى المحطة .
بتولا السكرتيرة التي كانت ترتدي فستانا رائعا وتحمل حقيبة سيدات تماثل الحذاء ، بدت كفتاة جميلة . وطلبت منه الاحتفاظ بمرتبها لانها تمتلك خمسة عشر دولارا امريكيبا . ويمكنها ان تشتري شقة معقولة في مسقط رأسها ومتجرا او مقهى تشاركها فيه والدتها .
لم يخبرني بابي ابدا كم تحصل عليه من تلك الصدفة الغير مصدقة . ولقد قابلته مرات عديدة في مدن المانيا مثل برلين ، ميونخ ، هامبورق وفرانكفورت . وكان له تواجد ملموس في الامارات . وكان يقول ان مبلغ السيد فليبيدس قد ساعدة في التحرك والاحتفاظ بمظهر جميل . ويضيف ... ان الناس لا يريدون ان يعطوا مالهم الا الى الشخص الذي يبدوا وكانه يمتلك ثروة . اظن ان بابكر قد اخبرني بيخته الصغير .
رقعة
هذه قصة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.