لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفكر التقدمي في الاسلام المعاصر
نشر في الراكوبة يوم 26 - 07 - 2017


الفكر التقدمي في الإسلام المعاصر
نظرة نقدية
بروفيسور كرستيان ترول Christian, Troll
مدير منبر المسيحية والاِسلام في الأكاديمية الكاثوليكية سابقاً.
(3 1) *
* عقدت مؤسسة فريدرش ايبرت الألمانية منذ فترة منصرمة في برلين سلسلة من الندوات بالعنوان اعلاه. المشاركون من السودان نذكر منهم: د. عبدالله النعيم، د. عطا البطحاني، الأستاذ الحاج وراق، د. عائشة الكارب، السيدة عفاف أحمد عبد الرحمن محمد، الأستاذ طه إبراهيم ومجموعة من الشباب وطلاب من جامعة الخرطوم.
أولاً : خلفية تمهيدية: التجديد الإسلامي
في البداية من المفيد أن نتبين الخلفية ونحدد الإطار الذي نريد من خلاله تقديم الفكر التقدمي في الإسلام المعاصر. إن الحركات والاتجاهات التي تشغل العالم الإسلامي المعاصر يمكن تحليلها في المساحة المتوترة بين مفهومي الأصالة والحداثة. إن مثل هذا المدخل يضع في اعتباره الإسلام المعاصر في المساحة المتوترة بين الأصالة فيما يتعلق بأمور الحياة والفقه الديني النابعة من الماضي، والحداثة التي تحيل إلى الحاضر و "المستقبل" الذي لم يعد يجد المسلمون أنفسهم فيه كمحرك قوة ولذلك ليس بمقدورهم التحكم في تطور الفكر.
1 القرآن : أزلي وغير قابل للتغيير
القرآن الكتاب المنزل من عند الله يعتبر جوهر العقيدة الإسلامية. وهذا الكتاب يعتبر كتاباً أزلياً وغير قابل للتغيير من حيث الشكل و المضمون. ويعتقد المؤمنون به أنه يصلح لكل مكان وزمان وأنه يحوي بين دفتيه الحقيقة الأزلية. وفي المقابل تتسم فكرة الحداثة بالنسبية فيما يتعلق بالحقيقة وبعامل تطورها المستمر. فبالنسبة للحداثة لا يوجد أي شيء سواء كان مكتوباً أو منطوقاً لا يحق ولا يمكن للإنسان إعادة صياغته وتطويره أو التشكيك في صحته. وهكذا يجد الإسلام نفسه بين طرفي الرحى: رحى الحقيقة الأزلية الثابتة الموجودة بين دفة القرآن من ناحية، ومن ناحية أخرى رحى الحداثة التي ترى أن جميع الأمور قابلة لإعادة الصياغة والتطور الدائم. وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: هل يوجد الحل في تحديث الإسلام أم في أسلمة الحداثة؟ ومن واجب المسلمين تقديم الإجابة عليه.
ومهما كان هذا المدخل مثيراً فمن ما يعيبه أنه يظل باقياً على السطح. هنا سوف تتم مواجهة بين الأصالة الإسلامية والحداثة التي تأتي من خارج الإسلام تماماً. وعلاوة على ذلك يقود هذا المدخل إلى سؤال الهوية المهددة من الخارج ويودي إلى خيارين إما الرضوخ وإما الانعزال. وكلا الأمرين يلقيان الرفض من أغلبية المسلمين. وإذا لزم إجراء مناقشة حول الاتجاهات الإسلامية المختلفة، فلا بد أن تنبع هذه المناقشة من عناصر من داخل العقيدة الإسلامية وليس من خارجها. ومن هنا يبدو انه من المناسب التطرق إلى المناقشة التي تدور بين الحرف والروح (العقل وبالألمانية - Geist) أي بين نزعة التأويل الحرفي للنصوص الدينية ونزعة التأويل الذي يستلهم روح النصوص. وهذا التحليل يتميز بأنه ينبع من داخل الإسلام ويتخذ موقعه هناك.
2 الإسلام الأصولي (الاِسلاموي) والاِسلام القائم على التأويل الجديد (الإسلام طبقاً لروح النص)
هناك ثلاثة اتجاهات تنتشر في العالم الإسلامي. فعلى خلفية الإسلام الثقافي يوجد إسلام متزمت بمعنى إسلام قائم على التفسير الحرفي للنص. وبخلاف ذلك يوجد إسلام ينبع من التأويل الجديد له وهو الإسلام الذي يعتمد على تفسير روح النص لا حرفيته. والإسلام الثقافي ويمكن هنا استخدام مصطلح الإسلام التقليدي ولا أحبذ هنا استخدام مصطلح الإسلام الشعبي يعني الإسلام الذي يتم الاعتقاد بمبادئه وممارسة شعائره في مجتمع معين. أن المسلم التركي (على سبيل المثال) يعتمد على التفاسير السنية في فهمه للقرآن وعلى المذهب الحنفي في ميدان الأحكام الشرعية. ولكن هذا لا يمنع من وجود اتجاهات وجماعات داخل الأمة التركية ترى أنها تملك مرجعيات فقهية شرعية خاصة بها، مثل الحركات الصوفية الشعبية وتقديس الأولياء وبعض الممارسات السحرية التي يقوم بها بعض رجال الدين غير المؤهلين علمياً وكذلك بعض الناس الذين يقعون تحت تأثيرهم الفكري، والتي تتبنى في كثير من الأحوال بعض الطقوس الجاهلية وبعض الأفكار النابعة إما من داخل البلاد وإما من الثقافات الخارجية المحيطة بهم. وكل هذه العوامل هي التي تمثل ما نطلق علية "الإسلام الثقافي". وهو وثيق الارتباط بالحضارة التي ينتمي إليها. وهو يُكون بذلك المجتمع الإسلامي ويساهم بقدر كبير في تشكيل شخصية الفرد المسلم وتحقيق توازنه النفسي وانسجامه مع محيطه، أي انه يمثل بالنسبة لكل مسلم المرجعية التي يعود إليها فيما يتعلق بالقيم والسلوك وبعبارة واحدة الثقافة الحقيقية للمجتمع الإسلامي. وطبقاً لمرجعية هذا الإسلام الثقافي بزغ ما نسميه "الإسلام القائم على التفسير الحرفي للنص" وهو ما يطلق عليه الآن أيضاً "الإسلامويه." ولكن أشكاله المتعددة تعود إلى زمن سحيق.
3 العلاقة الداخلية بين الإسلاموية والإسلام
يتحول هذا الإسلام إلى أنظمة شرعية وحركات منتظمة وذلك عندما يجد نفسه مضطراً إلى الدفاع عن نفسه ضد قوى غير إسلامية. ولذلك فهو لا يخلو من اتجاهات متطرفة. إن الأسباب التي تفسر عودة الإسلاموية إلى الظهور حالياً متعددة. وفي مقدمة هذه الأسباب بدون شك سيطرة قوة ما يسمى "بالغرب" وضعف الوضع السياسي والاقتصادي وانكسار أمة الإسلام أمامه. وهنا يقع يبدو أمامنا مباشرةً مشهد أزمة اقتصادية وسياسية وثقافية، أي بعبارة واحدة أزمة تطور. وهذه الأزمة تدفع بعض المجموعات لشحذ الهمم للبحث عن مخرج لها. ومن الخطأ الاعتقاد بان إنهاء أسباب هذا الإحباط يقود مباشرة إلى اختفاء حالة الإسلاموية ويؤدي إلى الاندماج في "الإسلام الثقافي". والسبب في ذلك أننا إذا تحركنا بين الإسلام الثقافي والإسلام السياسي فإننا نتبع حركة ديناميكية مستمرة. إن الأقوال والأوامر التي يعتقد أنه جاءت بناء على الوحي السماوي يتم تفسيرها حرفياً طبقاً للإسلام الأصولي ويبذل المؤمنون بذلك الجهود لمحاولة تطبيقها على أرض الواقع بصورة فعالة ، بما في ذلك استخدام القوة السياسية أو في حالات استثنائية بالأساليب الإرهابية.
هل يمكن شرح المنطق الذي يكمن وراء التفسير الحرفي الراديكالي للنصوص المقدسة بصورة أكثر دقة؟ الله هو الرب والخالق الذي يجب أن يسجد له الجميع. وقد بعث إلينا بكتابه الذي فرض علينا اتباعه. إن القرآن و السنة الصحيحة الأفعال والكلمات التي نقلت عن النبي محمد ويقتدى بها هي نصوص أساسية وتأسيسية وهي المرجع الأساسي للمسلم الذي ينبغي على أن يطبقه بحذافيره من دون الخروج عليه قيد أنملة. إن الدين يحتوي على إطار للسلوك لا ينبغي الخروج عليه مطلقاً. إن أمة الإسلام مطالبة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (كما ورد في القرآن، سورة 3/104)، وطبقاً لهذا الأمر، فالمسلمون مطالبون في كل مجالات الحياة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. على أن المعروف والمنكر يتوقف تحديدهما على القرآن والسنة وعلى هذا الأساس يتم الاستنباط العقلاني للشريعة وهذا يعني وجود رابطة داخلية بين الأصولية الإسلامية والإسلام وبالرغم من أنهما ليسا متطابقين ويجب التفريق الواضح بينهما، فالإسلام الأصولي على أي حال في نظر البعض وربما الكثير من المسلمين هو إسلام الاعتدال ولا يقود إلى الضلال وهو اقرب إلى الإسلام الشامل والكامل. فالإسلاموية بالنسبة لاتباعها ليس الإسلام المبطن (الباطن) وإنما الإسلام الصحيح الذي ينبغي على الجميع اتباعه.
4 إسلام التأويل الجديد
في الوقت نفسه نشاهد هذه الأيام بزوغ إسلام يقوم على تفسير جديد نابع من الإسلام الثقافي أو كرد فعل للتجارب القاسية التي نجمت عن الإسلام الأيدليوجي الأصولي المعاصر ونحن نطلق عليه تسمية "إسلام التأويل الجديد" لأنه يحاول فتح باب الاجتهاد مرة أخرى (بمعنى السعي الشخصي إلى إيجاد أفكار تفسيرية جديدة للنصوص المقدسة الأساسية). وكان هذا الباب، كما يعتقد، قد أغلق تماماً في منتصف القرن العاشر. وإسلام التأويل الجديد يحتوي أيضاَ مثل الإسلام الأصولي على تيارات مختلفة واتجاهات عديدة حيث أن محاولة تصنيفها أو ترتيبها يؤدي فقط إلى اضطراب وبلبلة. وأهمية هذا الاجتهاد تكمن في شجاعة البعض على إعادة التفكير في الأحكام الفقهية والشرعية القديمة وصياغتها من جديد. وهذه الأحكام تعود إلى حوالي ألف سنة مضت وأعتقد الناس بصحتها طوال هذا الوقت وانتهاء أمر النظر فيها قطعياً. وهذه المحاولات الجديدة تتميز أهميتها بمعالجاتها للنصوص التأسيسية للإسلام وبمحاولة إيجاد تفسير جديد ليس طبقاً لحرفية النص، وأصحاب هذه المحاولات يأخذون في الاعتبار المخاطرة والمغامرة التي لا يمكن تحاشيها عندما يتصدون لذلك. وهذا الإسلام القائم على روح النص لا يقف الآن في مقدمة المشهد الاجتماعي السياسي والاجتماعي الديني، فهذه الصدارة يحتلها على أي حال تيار الحركات الإسلاموية، ولكنه يتمتع بميزة التوافق مع الأهداف والأفكار التي تتبناها أغلبية الناس. وبطبيعة الحال لا يتطرق الإسلام القائم على تفسير النصوص طبقاً لروح النص وليس حرفيته إلى جميع المسائل ويترك بعضها غامضاً مخافة التعرض للهجمات العدوانية من قبل الإسلامويين وكذلك من قبل الحكام المستبدين الذين يستخدمون الإسلام الثقافي لترسيخ الوضع القائم وتثبيته كما هو عليه الحال الآن. ولكن هذا التفسير طبقاً لروح النص يمكن أن يحمل في طياته بذور الأمل في مستقبل أفضل، حيث أنه يواجه بمرونة تحديات الحداثة بدون إنكار بعض الأحكام الإسلامية التي توصل إليها القدماء.
5 مناقشة حول الإسلام من داخله
تدور حالياً في كل مكان مناقشة حول الإسلام من داخله، فالمسلم حالياً يجد نفسه موزعاً بين ممارسات الأفكار التقليدية النابعة من الإسلام الثقافي من ناحية، والتطورات والإغراءات التي يحملها الإسلام السياسي الأصولي وكذا التفسير الجديد من ناحية أخرى. ولا يمكن للمسلم المؤمن والمثقف في هذه الحالة إلا أن يسٍأل نفسه عن الإسلام الذي يرضاه ديناً لأطفاله. ويبدو أن الكثير من المسلمين يجدون أنفسهم في مواجهة طرح جديد للدين يحوز على رضاهم ومسؤوليتهم الشخصية وعدم التسليم بالأحكام التي تصلهم من الوسط المحيط بهم.
ثانياً : هدف الدراسة وحدودها: تدقيق المفاهيم
لا شك في توجد ظاهرة الفكر الإسلامي الجديد الآن. ولكن السؤال هو أين الجديد فيها؟ الجديد هو النمط من الفكر الإسلامي المعاصر لدى البعض الذي يرى ضرورة إخضاع الأحكام التي نصفها بالإسلامية للتدقيق في ضوء التحولات المستجدة على أرض الواقع. ولا بد من التنويه هنا إلى أن هذا النمط من الفكر الجديد ليس مرتبطاً تماماً بأيدولوجية تقدمية. إنه فكر يعترف بإمكانية الوقوع في الأخطاء وعدم ديمومة الأحكام وإمكانية إعادة النظر فيها ولا يستثني نفسه من ذلك. ولذلك يطالب بضرورة نقد الذات بصفة دائمة. إنه يطالب بإعادة صياغة أحكام الماضي (وليس بإلغائها أو القضاء عليها نهائياً) وضرورة إتاحة الفرصة أمام كل مسلم وكل إنسان صادق للتوصل إلى حقيقة الرسالة الإسلامية عن طريق المعرفة العميقة لخلفيات النصوص بدون التعرض للتشويه الأيدليوجي المتعمد (راجع بن زينه، 2004، ص 13) وعلى ذلك ينظر المفكرون المعاصرون "إلى الحداثة" بطريقة أخرى عن نظرة الإصلاحيين السابقين (من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين) ويختلفون معهم اختلافاً جوهرياً، فهم لا يكتفون باستخدام الفكر كمعيار شامل وبديهي فحسب وإنما ينظرون إليه على أنه مكون اجتماعي يوجد داخل الممارسات العديدة والخطابات النظرية المختلفة. وبعبارة أخرى يرعى دعاة التفكير التقدمي الجديد ضرورة اتخاذ موقف نقدي من الحداثة وضرورة تعميق شعور المفكر بالمسؤولية الذاتية عند ممارسة حريته الكاملة في التفكير.
كتب نصر حامد أبو زيد في جريدة الأهرام عام 2002 ما يلي:
"نحن في حاجة إلى حرية البحث في تراثنا الديني. وهذا الأمر هو الشرط الأساسي للتجديد الديني. لا بد لنا من رفع الحظر عن حرية التفكير. إن مجال التجديد لا حدود له. في عملية التجديد الديني لا يوجد ما يسمى المرافئ الآمنة التي يمكن أن تستثنى من عملية البحث العلمي الحر، لأن ذلك لو حدث فسوف يخلق نوعاً من الرقابة الفكرية التي لا مكان لها في تاريخ الفكر الإسلامي".
( أنظر نصر حامد أبو زيد، الأهرام ويكلي 2002)
وهذا النداء يطالب بالحرية بصفة عامة وبخلق النظام الاجتماعي الذي يسمح لمثل هذا الفكر الحر ولا يؤدي إلى مصادرته بالقوة. وهو أيضاً لوم وعتاب ضمني للحكومات التي تستخدم الدين بلا انقطاع لتحقيق الأغراض السياسية وهذا الأمر يشبه ما تفعله الجماعات الإسلامية الأصولية بالدين.
إن النقد العلمي العلني "للظاهرة الدينية وللخطاب الديني" هو أمر جديد بالنسبة للمجتمعات الإسلامية. ولذلك يتم وصم دعاة الفكر الجديد دائماً بالمرتدين. فهم ومفاهيمهم لا تروق للمؤسسة السياسية الحاكمة لأنهم، إضافة إلى بحث المسائل الدينية يتطرقون إلى الخوض في المشاكل الحالية والتي هي وثيقة الصلة بقضية العلاقة بين الدين والدولة وأيضاً بين الشريعة والقانون (وخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وتحرير المرأة). وكذلك الأمر بالنسبة للقضايا الاجتماعية مثل الرؤية الإسلامية للعلاقة بين الدين والعدالة الاجتماعية أو مسألة ما إذا كان الدين الإسلامي يحمل في طياته نظامه الاجتماعي والسياسي الخاص به. ومن الخطأ الجسيم أن يقوم أعداء هذا التيار الفكري الجديد باتهام أصحاب هذا التيار بأنهم ارتموا في أحضان الفكر الغربي وقبلوا القيم الفكرية الغربية بدون نقد أو تمحيص. وفي الحقيقة فالتحديث بالنسبة لأصحاب هذا التيار لا يعني أبداً الحداثة الغربية.
إن التحديث يعني عندهم الضوء الذي نتج عن المعلومات الحديثة والتي يتمكن الباحث من خلاله على ممارسة النقد الموضوعي. ولذلك يؤيد أصحاب تيار التفكير الحر عند دراستهم وتفسيرهم للنصوص استخدام أدوات المعرفة الحديثة التي تشملها العلوم الاجتماعية الحديثة (مثل علم اللغويات والسيميوطيقا، علم العلامات، وعلم دراسات الأديان المقارنة وعلم الاجتماع).
إن أصحاب الفكر التقدمي لا يكونون مدرسة فكرية ولا تشغلهم جمعياً نفس القضايا. ومع ذلك يمكننا أن نوافق على ما قاله رشيد بن زينه:
"إن الذي يجمع هؤلاء هو البحث عن معرفة محايدة عن طريق دراسة القرآن والسنة والإسلام بصورة عامة دراسة أكاديمية تحترم المناهج العلمية الجامعية وتلتزم بوسائلها".
(راجع بن زينه، 2004، ص 18)
ونذكر هنا من أصحاب ذلك التيار على سبيل المثال: محمد أركون (فرنسا/الجزائر)، ليلة بابيس (الجزائر/فرنسا) عبد الكريم سوروش (إيران)، نصر حامد أبو زيد (مصر/هولندا)، عبده الفيلالي الأنصاري (المغرب)، عبد المجيد شرفى (تونس)، فريد أسحق (جنوب أفريقيا/الولايات المتحدة الأمريكية)، إبراهيم موسى (الولايات المتحدة الأمريكية)، أصغر على أنجنيير (الهند)، عبد الله النعيم (السودان/الولايات المتحدة الأمريكية)، أمينة ودود (الولايات المتحدة الأمريكية)، فاطمة المرنيسي (المغرب)، خالد أبو الفضل (الولايات المتحدة الأمريكية)، نورشوليش مجيد (إندونيسيا)، فارش نور (ماليزيا)، عمر أوزوسوى (تركيا)....الخ.
ترجمة د. حامد فضل الله برلين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.