كثيراً ما أسأل نفسي، ما الذي فعلته أحزاب المعارضة السودانية لمجاراة الانعطافات الشديدة في مواقف المؤتمر الوطني، والتي جعلته يقف إقليمياً ودولياً في مساحات غير التي كان يتموضع فيها لنحو ثلاثة عقود. وكثيراً ما كنت أسال نفسي عن الخطة أو البرنامج الذي رسمته المعارضة لنفسها، حتى تتفادى ما يترتب عليها من فواتير، ربما تكون قاسية، جراء التغيير الكبير في مواقف المؤتمر الوطني داخلياً وخارجياً. لكنني لم أجد أيّ تغيير في برنامج أو حتى خطاب المعارضة، مع أن قادتها - أنفسهم - تتملكهم قناعة راسخة بأن لعبة السياسة أشبه بقطعة شطرنج، تحتِّم عليك أن تُحرِّك أدواتك، متى تحرّك خصمك السياسي. حتى لا تتفاجأ بنقلة يمكن أن تنهي اللعبة لصالح من تلاعبه. فالناظر إلى مواقف أحزاب المعارضة، سيجدها هي ذاتها، لم يتغيّر منها، أو فيها شئ. مع أن المؤتمر الوطني - وهو من يفترض أنه خصمها السياسي - غيّر كل شئ.. كل شئ، بما في ذلك جلده الأيدلوجي، الأمر الذي أسبغ عليه الرضا الإقليمي كلياً، وجلعه يتأهب - الآن - لحيازة رضا الأسرة الدولية. المثير في أمر المعارضة، أنها لم تركب ركوب التعاطي الفعّال مع المتغيرات الآنية في المشهد السياسي، وفي علاقات السودان الخارجية، بحيث تُحصِّن نفسها من طوفان الرضا الذي أسبغته بعض الدول على الحكومة السودانية، بل أنها لا تزال متسمرة في مواضعها القديمة، وسجينة لبرامج السنوات الأولى للتجمُّع الوطني الديمقراطي، مع أن الإنقاذ التي تود إسقاطها أسقطت ديباجة التأسيس الأولى، وتحوّلت إلى مربع الموالاة مع المجتمع الدولي، لذلك ليس غريباً إذا قلنا أنه أُسقط في يد المعارضة، وهي تفشل في مواكبة حركة رمال المسرح السياسي السوداني..! الثابت أن أحزاب المعارضة لم تفكِّر يوماً في إقامة علاقات راسخة مع محور الخليج، ومع السعودية على وجه التحديد، وانصرفت كلياً لترسيخ علاقاتها مع الغرب، وهو ما جعلها تخسر كثيراً، بعدما قام المؤتمر الوطني بتطبيع علاقته مع السعودية، الأمر الذي منحه شهادة حُسن سير وسلوك – وفقاً لتقديرات السعودية – وهي الشهادة التي جعلته مرضياً عنه بدرجة كبيرة لدى المجتمع الدولي. وتبعاً لذلك ذهب قادة المؤتمر الوطني إلى بلاد اليانكي أصدقاءً لا أعداءً. بل أن التوادد بلغ مرحلة رفع العقوبات الأمريكية جزئياً، ويُرجح أنها ستُرفع كلياً، بحلول الثاني عشر من شهر أكتوبر المقبل. قناعتي أنه مطلوب من المعارضة تغيير طريقتها في تعاطي الشأن السياسي، فليس من الكياسة أن تظل جامداً، بينما كل الأشياء تتحرك من حولك. ويقيني أن زيارة الرئيس البشير إلى الإمارات ثم السعودية مؤخراً، مقروناً معها رغبة واشنطن في إنشاء محطة لوكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه" بالخرطوم، ليكون للسودان دور بارز، ضمن التحالف العالمي لمكافحة الإرهاب، تعني أن الإنقاذ تكتب لنفسها شهادة ميلاد جديدة، بينما تصر المعارضة على أن تحرر لنفسها شهادة وفاة..! عفواً، فأنا لا أملك - هنا - سوى أن أحيل القارئ إلى النصيحة التي همس بها المبعوث الأمريكي الأسبق للسودان بريسون ليمان في أذن المعارضة، حينما هداها إلى انتهاج طريقة فعّالة في تعاطي السياسة، بدلاً عن التهويم والأحلام وربما التهريج..! ثم عذراً، فأنا لا أطلب من المعارضة الاندغام في الحكومة، بل أدعوها لأن تنتهج سياسة تقليل الخسائر، لأن ما لا يُدرك كله لا يُترك جله. وأدعوها لأن تنزع عنها دثار الأمنيات المترفة، ليس أكثر. ذلك أن لها عند الكثيرين مودة منظورة، ولهم فيها رهان غير منكور. الصيحة