لن يكون قولنا شططاً إذا جزمنا، بأنّ أحزاب المعارضة، ظلت تخسر معركة الظهور الحسُن، منذ رفع العقوبات الأمريكية جزئياً. ولن يكون حديثنا محتشداً بالتطفيف إذا أشرنا إلى أن المعارضة تعيش الآن وضعاً سيئاً للغاية، وخاصة بعدما تمكنت الحكومة من تقديم نفسها كحليف راسخ للأسرة الدولية في منطقة القرن الأفريقي وشمال أفريقيا، بينما فشلت المعارضة المدنية والمسلحة في تغيير خطابها بحيث تحبس الحكومة السودانية في محابس العزلة المفروضة عليها منذ سنوات باكرة..! بل إن المعارضة فرّطت في الحفاظ على ما حققته من علاقات مع الأسرة الدولية؛ وهو أمر يمكن أن يستشفه المراقبون من خلال التقارب الحالي بين الخرطوم والغرب. صحيح أن المؤتمر الوطني قدّم تنازلات منظورة، تأذى منها الوطن، ومسّت سيادته في بعض المرات، كعربون لتسوية خلافاته مع المجتمع الدولي، وصحيح أنه تخلى عن ثوابته الفكرية بصورة يندى لها جبين مناصريه، لكن المحصلة النهائية، جاءت وفقاً لاشتهاءاته على الأقل في علانية الممارسة وظاهر الفعل السياسي. وهو ما جعله يقف الآن في منطقة دافئة، جعلته يسارع إلى تقديم نفسه كظهير للمجتمع الدولي، في ما يلي الحرب على الإرهاب ومكافحة الهجرات غير الشرعية إلى أوروبا، بل جعلته يسبق المعارضة المدنية والحركات المسلحة بخطوات، وذلك بعدما عمد إلى تحرير شيك على بياض مسحوب على بنك العتبة التي وضعتها الإدارة الأمريكية، والمحددة بستة أشهر لاختبار صدقية وجدية الحكومة السودانية، قبل الوصول الى محطة الرفع الكلي للعقوبات. وظني أن ذلك كفيل بأن يجعل المؤتمر الوطني في وضع يبدو أفضل من المعارضة بشقيها المدني والمسلح. وخاصة الحركة الشعبية التي يبدو أنها ستحتاج إلى وقت كبير، حتى تستعيد عافيتها المهدرة بفعل الخلافات التي ضربتها مؤخراً. أضف إلى ذلك أن الحركة الآن تقدِّم نفسها بأطروحة ربما تكون أكثر تشدداً، وخاصة بالنسبة لنقل المساعدات إلى منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، عن طريق المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. أعود وأقول إن المعارضة فقدت كثيراً من ثباتها خلال الشهور الماضية؛ خاصة أن الشروط التي وضعتها أمريكا لتحسين علاقتها مع الخرطوم لم تتطرق مطلقاً للحديث عن التحول الديمقراطي؛ بل إن أمريكا تخلت عن الدعوة إلى إعلاء شأن الحريات، كمطلب قديم ظلّت تدعو له على الدوام. وظنّي أن ذلك كان بمثابة صدمة للمعارضة التي هيأت نفسها لمرحلة جديدة من خلال انتقال ديمقراطي حقيقي، مسنود بالضغط الأمريكي على حكومة الخرطوم، وهو ما يبدو بعيد المنال وفقاً لما يتبدّى حالياً. الثابت أن تضعضُع ثقة أمريكا والمجتمع الدولي في المعارضة، لم تكن وليدة العام الحالي، ولم تكن متزامنة مع قرار رفع العقوبات، فالناظر إلى مواقف المجتمع الدولي من أحزاب المعارضة، يجد أنها أخذت في الاهتزاز منذ أن نصح المبعوث الأمريكي السابق للسودان بريستون ليمان المعارضة بالالتحاق بالحوار بدلاً من ترديد شعارات وبرامج غير منتجة، وخاصة في ما يلي إسقاط النظام. وهو الموقف الذي تبعه حديث مكرر عن ضعف المعارضة من قبل بعض الدوائر الأمريكية، وهو ما لم تفطن له أحزاب المعارضة، لذلك دفعت ثمن سوء تقديراتها غالياً، لدرجة أنَّ التوادد بين المؤتمر الوطني والأسرة الدولية يوشك أن يصل إلى مرحلة الوثاق الكلاسيكي، ولدرجة أن المعارضة أصبحت تستعطف الأسرة الدولية بعدما كانت تجد منها الثقة الكلية. الصيحة