الحياة مسرح كبير، كلهم ممثلون وفي نفس الوقت متفرجون فالكل يأخذ حظه من التمثيل والفرجة فمنهم من يؤدي دوره باتقان ومنهم من يقوم بدور المهرج ومنهم من يقوم بدور الانتهازي كالذي نراه الآن على مسرح الحياة السودانية... فالحكومة تمثل على الشعب والشعب يمثل على بعضه البعض... فأساس الانسان في الحياة أنه قد خلق للعبادة والعبادة ليست مجرد صلاة وصوم وزكاة وحج وانما هي أشمل فالمزارع حين يلقي حبه على الأرض ويتوكل على الله فهو في حالة عبادة والأستاذ الذي يؤدي عمله باتقان أيضا في حالة عبادة وكذلك من يسبر في فضاء الكون الواسع للبحث عن اسرار الكون ومن يغوص في أعماق المحيطات بحثا عن غرائب الحيوانات المائية لدراسة نمط حياتها فهو في عبادة دائمة وقس على ذلك غريزة الجوع والعطش والأكل والارتواء والنوم واليقظة والصحة والمرض وهلمجرا... وعلى الانسان أثناء صيرورته نحو حياة أخروية أن يتزود بما يلزم ذلك مع عدم نسيان نصيبه من الدنيا (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا)... فهذه الآية تشير الى الميزان الدقيق الذي يجب أن يسير عليه الإنسان الكيس الفطن الذي يريد حياة أخرى أبدية غير هذه الفانية... ولكن ما جعل لهذا الميزان أن يختل في عالمنا وبالأخص في سودانا هو ما نشهده اليوم... فالكل يريد أن يأخذ أكثر مما يستحق وأكثر مما يقدم للآخرين... فاذا نظرنا للحكومة ووزاراتها ومصالحها المختلفة... فماذا تقدم هؤلاء للشعب في مقابل مرتباتها وامتيازاتها... هل مثلا وزارة الصحة تقدم شيئا للمرضى وما الاسهالات المائية (الكوليرا) ببعيد وهي تفتك بعامة الناس... ووزارة الزراعة ماذا قدمت للناس حتى صارت الخضروات والحبوب ليس في متناول الجميع ووزارة المالية ماذا تقدم من برامج للحد من ارتفاع الدولار الجنوني كل يوم وهذا على سبيل المثال وليس الحصر فكل الوزارات والمصالح الحكومية على هذه الشاكلة... إنهم يأخذون أكثر مما يستحقون... فكثيرون ممن مروا بهذه الحكومة قد أصبحوا مجرد أصفار كبيرة بعد تركهم للحياة العامة فكأن مبتغاهم من مجاهداتهم ومنافحاتهم الطويلة منذ أن كانوا طلابا بالمدارس الثانوية والجامعات أن يمتلكوا بيتا أنيقا في أرقى أحياء العاصمة وسيارة فارهة في نهاية المطاف ولم يقدموا شيئا إيجابيا واحدا للناس... ألم أقل في بدء كلامي أن الحياة مسرح كبير فأمثال هؤلاء يحملون آمال وتطلعات شعوبهم من طرف لسانهم للوصول الى مبتغاهم فما أن يرتاحوا في الكرسي الوثير حتى ينسوا كل ما كانوا يناضلون من أجله... فحتى الآن مثلا أهل دارفور البسطاء ينامون في العراء ويعيشون في فقر مدقع مع المرض والجهل والذين آلوا على أنفسهم النضال من اجلهم إما في الخارج ينعمون بمباهج الحياة أو في الداخل بترضيات سياسية في وزاراتهم ينعمون فربما هنالك شواذ عن القاعدة ولكن قليل هم..... فهل المعارضة سواء كانت داخلية أو خارجية بعيدون عن وباء الفساد؟ فالحكومة والمعارضة كوجهي العملة الواحدة فاذا تسنموا سدة الحكم سيسيرون على نفس المنوال فجل حظهم من السلطة أن ينالوا مبتغاهم أولا وأن يتكنزوا مثلما يكتنز الذين هم في السلطة الآن... وإن الذي يحز في النفس ان داء الفساد استشرى فاصبح ظاهرة متفشية بين عامة الشعب فاصحاب البصات والتجار والمزارعين والأساتذة وأصحاب العقارات والمستشفيات الخاصة وكل ذي مصلحة أصبح يغش الآن بحجة أن الدولار مرتفع والسودان في حصار وكلها أسباب واهية وإنما الضمير هو الذي أصبح في الثلاجة ويبدوا أن ليل السودان سيطول حتى يخرج من صلبه شباب مفعم بالأمل مقبل للحياة وعلى استعداد لنيل حقوقه فالحقوق لا تُمنح ولكن تُؤخذ....