لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بحوث: منطلقات اساسية لخطاب اسلامي معاصر
نشر في السودان الإسلامي يوم 02 - 12 - 2006

إن الخطاب الإسلامي المعاصر يبلي بلاء حسنا في الدعوة إلى الله و إخراج الناس من ظلمات الجهالة والمعصية إلى نور الإسلام والمعرفة ، غير أنه - كشأن كثير من أوجه العمل الإسلامي - تعتريه بعض السلبيات التي تقلل من فاعليته وتحد من أثره - في بعض الأحيان . وعليه فإن الخطاب الإسلامي المنشود لابد له أن ينطلق من ركائز جامعة .. تحيط بالمطلوب وتستوفي المنشود.
يتناول هذا البحث هذه القضية حسب المحاور التالية:
أولاً : واقعنا المعاصر
يتميز العصر الذي نعيشه - عصر العولمة - بسقوط الحدود الزمانية والمكانية ، وتلاشي المسافات؛ حيث تحول العالم إلى قرية صغيرة أصبحت فيها العلاقات البشرية أكثر تنظيمًا وسرعة ، الأمر الذي أدى إلى مزيد من التفاعل البشري والانفتاح الثقافي والتنازع الحضاري .
كما يتميز بالتطور الهائل في تكنولوجيا الانتقال و الاتصال ، حيث وصل الإنسان إلى القمر ، وأرسل أجهزة إلى المريخ جمعت صوراً لسطحه وعينات من تربته ، واخترعت أدوات جديدة للتواصل بين أعداد أكبر من الناس كما في شبكة الإنترنت ، والأقمار الصناعية والمحطات الفضائية ، التي أصبح الانسان قادراً عبرها على أن يرى ويسمع ما يدور في أرجاء العالم .
هذه الثورة التقنية العلمية الهائلة ، نسبة لميلادها وتطورها في كنف الحضارة الغربية أفرزت تحديات كبيرة - على كافة الأصعدة - أهمها :
ثانياً : أهمية الخطاب الإسلامي :
الخطاب الإسلامي ضرورة ملحة لأسباب عديدة أهمها أنه :
رسالة البلاغ المبين : ذلك لأن المسلمين في كل عصر مطالبون بتبليغ رسالة الله عبر خطاب إسلامي يقدم الإسلام عقيدة وشريعة وقيماً ، بمضمون صحيح كامل ..وأسلوب قشيب فاعل ..يبصر من العمي ،و يهدي من الضلالة ، ويرشد من الغي ، ويرد من التيه . يقرب البعيد ، ويروض العنيد ، يهدي الكافر ، ويؤلف النافر ، فيقيم ا لحجة على البشرية ، و ومتى خلا الزمان من هذا البلاغ - أو تقاصر البلاغ عن هذه الصفات - لحق التقصير بالمسلمين .
سبيل الانبياء والصالحين :
البلاغ والدعوة إلى الله هي سبيل الرسل عليهم الصلاة والسلام ، بل هي سبيل النجاة الوحيد لهم ولأتباعهم ، لقوله جل وعلا (( قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا ، إلا بلاغاً من الله ورسالاته .. الآية ))[1] ، لذلك فالخطاب الاسلامي هو دأب الصالحين و ورثة النبيين ، ونهج الخيِّرين (( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ))[2]
طريق الخلاص للعالم:
الواقع البئيس الذي يعيشه العالم اليوم يفرض على المسلمين أن ينشروا الخير العميم الذي عندهم والذي يقدم الحلول الناجعة لمشاكل العالم ؛ مستخدمين في ذلك أدوات العصر ولغته في مخاطبة الناس ، تحقيقاً للشهود الحضاري للأمة الإسلامية على الأمم الأخرى انطلاقا من قوله تعالى : (( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )) إلى قوله (( إن الله بالناس لرؤوف رحيم ))[3] فالشهود ليس في الآخرة فقط بل هناك شهود في الدنيا -كما يرى بعض المفسرين - قال عطاء : " إن أمة محمد شهداء على من ترك الحق حين جاءه بالإيمان والهدى من كان قبلنا ، ورسول الله شاهد على أمته وهم شهداء على الأمم " ، والشهود الذي تقوم به الأمة الإسلامية يقوم على :
والرحمة التي جعلها الله للناس كافة دون اعتبار لدين أو عرق أو حضارة ، الرحمة التي تشيع السماحة والود والتراحم بين بني البشر ، وتخلص العالم من التحاسد الفردي والتطاحن العنصري والتعصب الديني كما تمكنه من وقف نزيف الدم الذي احدثته الحروب الطاحنة التي تقوم على الرغبة في التوسع والاستغلال المادي والعظمة الكاذبة .
ثالثاً :عوائق على طريق النهوض :
إن أسباب عدم فاعلية الخطاب الاسلامي في كثير من الأحيان مردها للمعوقات التالية :
رابعاً : سلبيات الخطاب الاسلامي المعاصر :
إن الخطاب الإسلامي المعاصر يبلي بلاء حسنا في الدعوة إلى الله و إخراج الناس من ظلمات الجهالة والمعصية إلى نور الإسلام والمعرفة ، غير أنه - كشأن كثير من أوجه العمل الإسلامي - تعتريه بعض السلبيات التي تقلل من فاعليته وتحد من أثره - في بعض الأحيان - ، من هذه السلبيات :
1. التقوقع والانغلاق : ويتمثل هذا الاتجاه في النظر إلى الواقع المعاصر بعين السابقين واجترار مناقشة أفكارٍ انقرضت والاعتقاد أن الكتب القديمة قد حوت حلا لكل مستجدات عصرنا بل وما يليه من عصور إلى يوم الدين والتعامي عن هموم عصرنا و ما استجدت فيه من مشاكل وما برزت فيه من تحديات وما سادت فيه من مذاهب فكرية هدامة .
2. التعميم والإطلاق :ويتمثل هذا الاتجاه دعاة الإجمال وإطلاق المبالغات والتي - في كثير من الأحيان - يجرها الإكثار من استعمال (أفعل ) التفضيل ، وعبارات التعميم .فكثيرا ما نسمع عبارات معممة ليس لها من سند شرعي مثل :
الكفر ملة واحدة : هذه العبارة صحيحة في مآل الكفر فهو مله واحدة من حيث العاقبة ، لكن ذلك لا يعني أن كفر أهل الكتاب مثل كفر الوثنيين
هذه نماذج لبعض الألفاظ المعممة تكفي لإيضاح أن الإطلاق و التعميم داء عضال يعرض مصداقيتنا للزوال لذا يجب تداركه .
3. التبعية والانسياق : ويتمثل هذا الأتجاه في الدعاة إلى النظام العالمي الجديد .. لا في وسائله وتقنياته بل في أصوله ومحكماته . لم يبقوا من الاسلام إلا اسمه ومن الشرع إلا رسمه ، فرطوا في الأصول وضيعوا القطعيات ، و أصبح معيار الصواب عندهم مايمليه عليهم الغرب لا شرع الاسلام ، يبيعون دينهم بدنياهم ، تفرقوا ايدي سبأ بين يمين ليبرالي ويسار ماركسي واتفقوا في رفض أصول الإسلام . يقدمون الإسلام ضعيفا منهزما ، خال من دعوة للجهاد ، وقتال للمحاربين وإعداد .
4. الأفتخار بالمناقب و الأعراق : ويتمثل هذا الاتجاه في المتحدثين عن تاريخ الإسلام و حاضره حديث المدل المختال .. يسردون المحامد ويعددون المناقب ، ويغفلون عن النقائص والمثالب . لا يحاسبون ذواتهم ولا يقيمون تاريخهم بل يرددون " كنتم خير أمة أخرجت للناس " و يفهمونها على هواهم ، ولا يربطون الخيرية ب " تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " ، يخلطون الاوراق ولا يعترفون بخطأ أو قصور .
5. التبرير والإلحاق : ويتمثل هذا الاتجاه في محاولة نقل الحضارة الغربية بخيرها وشرها إلى عالمنا الإسلامي والتماس المسوغات المنطقية و تمحك المبررات الشرعية لإلحاق مقومات الحضارة الغربية بأصول الإسلام ، ومن ذلك تحليل الربا وتحريم القصاص وتعطيل الحدود ونزع الحجاب وشرب الخمر ونحو ذلك .
6. الاختصار والتجزئة : ويتمثل هذا الاتجاه في دعاة العلمانية الذين يريدون للإسلام أن يردد مقوله النصارى " دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله " ،و دعاة التجزئة والاختصار ،الذين يأخذون من الإسلام الأشكال والرسوم ، ويستبعدون الجوهر والمضمون .يريدون الإسلام دعوة بلا دوله ، عقيدة بلا شريعة ، سلام بلا قتال ، حق بلا قوة .
7. الرفض والعنف : ويتمثل هذا الاتجاه في محاولة بعضهم إظهار الإسلام مشتجراً مع الجميع ، محارباً للمسالمين ، مروعاً للأمنين ، طالباً للدم ، ساعياً للهدم ، باحثاً عن الزلات لنشرها ، طالباً للثغرات لهتكها ، لا يعرف "المؤلفة قلوبهم " ولا "أهل الذمة " و لا " الكفار غير المحاربين" ونحو ذلك مما حفل به تراث الإسلام في تصنيف غير المسلمين ، بل ولا يعرف المسلم العاصي أو غير الملتزم المذنب فالكل في نظره كفار ، بل وربما لا يعرف المسلم الملتزم المخالف له في الرأي ،إنه الاتجاة الذي لا يعرف تعدد الأراء ، ولا أختلاف الفقهاء ، لا يؤمن بالحوار ولا يسلم بالتعددية ، إنه الاتجاه الذي لا يشجع قليل الخير بغية إكثاره واثماره ، بل يهاجم كثير الخير لدرجة إزهاقه وإهداره . ، الأصل في العادات عنده الحرمة حتى يرد الدليل بالتحليل ، يعبد الله على حرف ولا يغضي عن المخالف الطرف . فأنى له أن يمثل الخطاب الاسلامي الحق .
خامساً : منطلقات الخطاب الاسلامي المعاصر :
الخطاب الإسلامي المنشود لابد له أن ينطلق من ركائز جامعة .. تحيط بالمطلوب وتستوفي المنشود ، وأهم هذه الركائز يتمثل في الآتي :
1. ربانية المصدر والغاية : فالخطاب الإسلامي يجب أن يكون ربانيّاًفي مبدأه ومصدره ،..من الله يصدر واليه ينتهي .. منبعه الوحيين .. ولا يملك مجتهد مهما سما قدره أو علا كعبه أن يحدث في هذا الدين ما ليس منه ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )[5] ،هذه الربانية عصمت الفكر الاسلامي من التناقض وبرأته من التحيز وحررته من الهوى وأضفت إليه قدسية لم تتأت لغيره .
كما يجب أن يكون ربانيّاً في غايته ووجهته ، يرمي إلى أن يعرف الإنسان لوجوده غاية ولمسيرته وجهة ولحياته رسالة ، فيجتمع شتيته ويأتلف شعثه ويتوحد همه ويطمئن قلبه .
2. عالمية الوجهة : فالخطاب الإسلامي عالمي المنزع والوجهة ، لا يحفل بجنس ولا يتحيز لعرق ولا يتكتل في لون ، ولا ينكفئ على صفوة من الناس مختارة بل هو خطاب للناس جميعاً على اختلاف مستوياتهم واجناسهم ، لذلك نجد أن مفردات القرآن حفلت بنداءات للناس جميعاً : يا أيها الناس ، يا بني آدم وتكررت فيه لفظة "العالمين" ، ولفظة "من" التي تفيد العموم والشمول لكل من يعقل ، وتحققت عالمية الخطاب في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم إذ وجه خطابه إلى ملوك ورؤساء العالم وقتها ، فكتب إلى كسرى عظيم الفرس ، وقيصر عظيم ا لروم ، والمقوقس عظيم القبط ، والنجاشي ملك الحبشة وهكذا
03 إنسانية المنطلق : فالنزعة الإنسانية هي لحمة الخطاب الإسلامي وسداته ، ويكفي للدلالة على ذلك أن لفظة "الإنسان" تكررت في القرآن (63) ثلاثاً وستين مرة ولفظة " بني آدم" تكررت (6) ست مرات وكلمة "الناس " تكررت (240) مائتين وأربعين[6] مرة ، وأول نداء في القرآن كان نداء للناس كافة (( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون[7] )) ، كما أن أول خمس آيات نزلت من القرآن (من سورة العلق ) ذكرت لفظة "الإنسان" في اثنتين منها (( اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم )[8] .
و الله سبحانه كرم الإنسان إذ خلقه بيده في أفضل صورة و أجمل منظر و أحسن تقويم ، ونفخ فيه من روحه ، و ميٍّزه بالعقل الذي يعي ويريد ويختار ، واسجد له ملائكته واحتفي به في الملأ الاعلى وسخر له الكون ، وأنزل إليه كتبه ، واختار منه رسلا ، يدعون إلى إلي الواحد الديان ، ويسمون بانسانية الانسان .
كذلك كانت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم تأكيدا لهذه الإنسانية ، إذ أنه _ صلى الله عليه وسلم _ الرحمة المهداة للعالمين (و ما أرسلناك الا رحمة للعالمين ))[9] ،وكانت أفعاله وأقواله -صلى الله عليه وسلم - تأكيداً لمبدأ الاخوة الإنسانية ( أنا شهيد أن العباد كلهم أِخوة)[10] ، والمساواة الانسانية ( كلكم لآدم وآدم من تراب )[11] ، وأهمية الأعمال الإنسانية ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا بلى يا رسول الله ، قال : إصلاح ذات البين ، فإن فساد ا لبين هي الحالقة )[12] ، ( أحب الإعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم : تكشف عنه كربه ، أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا ، ومن كظم غضبه ولو شاء ان يمضيه أمضاه -ملأ الله قلبه رخاء يوم القيامة ، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم ينعقد الأقدام )[13]
04 وسطية المنهج : الخطاب الإسلامي يراعي التوازن بين العقل والوحي ، وبين المادة والروح ، بين الحقوق والواجبات ، بين الفردية والجماعية بين الإلهام والالتزام بين النص والاجتهاد بين الواقع والمثال ، بين الثابت والمتحول. بين الارتباط بالأصل والاتصال بالعصر ، لذلك تجده لا ينظر للحضارة الغربية بازدراء واحتقار ، كما لا يراها بعين الإعجاب والإنبهار ، بل يتعامل معها بميزان العدل والانصاف .
05أخلاقية المحتوى : فالأخلاق لها مكان رحيب و منزلة سامية في الخطاب الإسلامي يبينها قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )[14] .فهي ثمرة الإيمان الصادق والتعبد الخالص . وليس ثمة انفصال في الإسلام بين الأخلاق والعلم ، أو الأخلاق والاقتصاد ، أو الأخلاق والسياسة ، أو الأخلاق والحرب .
06إيجابية البناء : وهي نقيض السلبية التي لا ترى الدين أكثر من عقيدة في الصدور ، وعلم في السطور ، وتمائم في النحور ، وعظماء في القبور ، وتقصيه عن أن يكون منهج حياة ، ودافع بقاء ، وباعث عمارة ، ومنشئ حضارة .
والاسلام إيجابي في خطابه إذ أن :
o العبادات ليست مجرد طقوس شكليه بل لكلٍّ منها دوره في تزكية الفرد والمجتمع وترقيتهما .
o الايمان باليوم الآخر زاجر عن الظلم والإفساد في الأرض ، ودافع إلى فعل الخيرات وعمل الصالحات
o والإيمان بالقدر يوفر الأمن النفسي والاطمئنان القلبي والرضا الداخلي الذي ينقلنا من دائرة القلق والانفعال والعجز والقعود إلى دائرة العمل والتأثير لتغيير الواقع ؛حملاً للمسؤولية و أخذاً بالاسباب وتوكلاً على الله .
أن إيجابية البناء في الخطاب الإسلامي تتبدى في عدم اكتفائه بترديد أن الإسلام هو الحل بل تتعدى ذلك إلى النفاذ إلى تفاصيل هذا الحل وإيجاد البدائل الناجعة والحلول الشافية للمشكلات المعاصرة المتمثلة في :
تحقيق التنمية المستدامة : والتي يُقصد بها التنمية التي تفي باحتياجات الجيل الحالي دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على الوفاء باحتياجاتهم.‏ فمن المعلوم أن التنمية في كثير من الدول تعمل على إهلاك الموارد الأقتصادية ، الأمر الذي سيلقي تبعاته الثقيلة على الأجيال القادمة ، لذلك لا بد أن يوجه الخطاب الاسلامي المعاصر اهتماهه لهذه القضية ليتوافق مع مبدأ العدل و النظرة المستقبلية ، ويمكن أن يتم ذلك عبر :
1. وضع أهداف للتطوير الأداء التنموي وقياسه.
2. تطبيق أطر إدارة التنمية المتوازنه على جميع العمليات التشغيلية.‏
3. العمل على إيجاد بدائل مجدية للوقود حفظا للغابات و النفط .
4. تشجيع القطاعات الصناعية والاستهلاكية لإدارة أعمالهم بما يتماشى مع هذه السياسة.
تحقيق العدالة الاجتماعية : إن الخطاب الاسلامي يكون قاصراً إن تجاهل " العدالة الاجتماعية" التي تحدث عنها القرآن في بحر آياته العديدة وأرسى قواعدها، ووضح أسسها ، و رمي إلى تكوين المجتمع العادل... فالعدل أساس في البناء السياسي والقضائي والاقتصادي، وأساس في تثبيت الحقوق والواجبات واصول التّعامل والعلاقات بين الناس.
القضاء على البطالة :
إن الناظر لزيادة معدلات البطالة في العالم يدرك لا شك عمق المشكلة التي تواجه المجتمعات التي تنشد الرفاهية المعيشية وتطمح إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية و تطبيق التنمية المستدامة . كما يدرك عظم المشاكل الاجتماعية الناجمة عنها والتي تتمثل في :
تهيئة بيئة صالحة لنمو معدلات الجريمة والعنف ، وهدر طاقات بشرية هائلة تعبت الدول والحكومات في إنشائها ولم تفلح في توظيفها ، إن من أساسيات الخطاب الاسلامي أن يساهم في العمل على إخراج الشباب من هم البطالة وذلك ب :
1. العمل على تحقيق الاستقرار السياسي الذي يسمح بمعالجة التخلف الذي تعاني منه البلدان الإسلامية وإقامة النهضة الشاملة على أنقاضه.
2. الدعوة لتسريع عملية زيادة معدلات النمو بشكل متوازن مع النهضة الحديثة.
3. العمل بنظام التكافل والضمان الاجتماعي للحد من هذه الظاهرة.
4. دعم القطاع الخاص والارتفاع به إلى مستوى القطاع الخاص في الدول الصناعية مالياً وقانونياً لتمكين من استيعاب أكثر عدد ممكن من العمالة.
إصحاح البيئة :
إن الخطاب الإسلامي لا يغفل مشاكل البيئة التي أدت إليها الثورة الصناعية المعاصرة فأحدثت خللا كبيراً في البيئة ، فالمصانع التي تنفث مداخنها مواداً مضرة بالبيئة أدت إلى حدوث الأمطار الحمضية التي أضرت بالغطاء النباتي و عوادم السيارات التي زادت من نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو أدت إلى زيادة درجة حرارة الغلاف الجوي فيما يعرف باثر البيت الزجاجي و هددت حياة كثير من الكائنات ، كما أن رحلات المركبات الفضائية ساهمت في إنقاص نسبة غاز الأزون مما يهدد بنفاذ الأشعة فوق البنفسجية التي لها أضرار عديدة .
07 مرحلية التدرج : غاية الخطاب الإسلامي الوصول إلى المثل الأعلى والوجه الأسنى لتطبيق الدين في واقع الناس ، لكن ذلك لا يدعونا إلى أن نغمض أعيننا عن الواقع الذي نعيشه وأن نفكر في مرحلية التدرج به من حاله التي هو عليها إلى الحالة المثلى والغاية القصوى .
المرحلية تتطلب منا أن نعرف أولوياتنا و نرتب أسبقياتنا حتى لا يكون خطابنا بعيداً عن الواقع ، عديم التأثير ، صادا عن سبيل الله ، بعيداً عن روح الإسلام وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ،فالصلاة والصيام والزكاة كلها مرت في فرضها بمراحل حتى استقرت على الوضع الذي هي عليه ، وتحريم الخمر و استئصال الرق كل ذلك روعي فيه التدرج والمرحلية ، ومما قرره العلماء أن التطبيق العملي للشريعة الإسلامية يجب أن يراعي فيه التدرج بخلاف الفكرة التي يطلب فيها الشمول والإحاطة .
08 شمول الفكرة بلا اجتزاء : فرسالة الاسلام هي " الرسالة التي امتدت طولاً حتى شملت آباد الزمن ، وامتدت عرضاً حتى انتظمت آفاق الأمم ، وأمتدت عمقاً حتى استوعبت شؤون الدنيا والآخرة ".
و الاسلام لا ينحصر- كما يرى العلمانيون - في العقيدة والعبادة فقط ، بل يمتد ليشمل الحياة كلها ، وينبغي أن يواكب خطابنا هذا الشمول ويبرز أن الإسلام رسالة لإصلاح المجتمع ،وسياسة الدولة ، وبناء الأمة ، ونهضة الشعوب ، وتجديد الحياة ، تماماً مثلما أنه عقيدة وشريعة، ودعوة ودولة ، وسلام وجهاد ، وحق وقوة، وعبادة ومعاملة ، ودين ودنيا .
09 إرتباط بالاصل واتصال بالعصر : فالخطاب الاسلامي يبرز خصوصية الأمة وتفردها ويرتبط بأصوله ، لذلك فهو ليس مبتوتاً عن تالد ماضي المسلمين ، وناصع سيرة الصالحين ، بيد أنه ليس رهيناً لذلك الماضي ، حبيساً لنتاج أولئك العظماء الميامين ، بل يدرك كم ترك الأول للآخر ، فالزمان غير الزمان و البيئة غير البيئة والمشكلات غير المشكلات ، لذلك تجده ويأخذ من الحضارات الأخرى ما لا يتعارض مع قيم الأمة الأخلاقية وأصولها العقدية ومفاهيمها الفكرية ومناهجها التربوية وتوجهاتها التشريعية .
010 واقعية بلا تسيب : والواقعية هي نقيض المثالية الخيالية التي لا تتحقق في عالم الواقع ، والخطاب الاسلامي خطاب واقعي لان مصدره هو الله خالق الموجودات والعالِم بالممكن والمحال والمستطاع وغير المستطاع ، هذه الواقعية تبدت في :
o تحقيق التوازن بين الجانب المادي والروحي في الإنسان إذ أن الانسان مكون من طين ، ونفخة روحية و لكل منهما متطلباته ، والشريعة الاسلامية راعت هذه التوازن على أكمل وجه
o إيجاد القدوة التي يمكن إحتذاء نهجها وذلك بجعل الرسل بشراً يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، فلو كانو ملائكة لتعذر الاقتداء بهم .
o مراعاة الفطرة : ومن ذلك قبول التوبة فالانسان خطاء ولو لم تكن توبة العصاة مقبوله لما نجا أحد ولعم الفساد
o شمول العبادة في الاسلام وتنوعها : فالشعائر التعبدية لا تستغرق سوى الجزء اليسير من وقت الانسان ، وكسب الرزق وممارسة جميع ألوان النشاط الإنساني يمكن أن تدخل في مفهوم العبادة إن صحت النية .
o لا تكليف في الشرع إلا بمقدور: وذلك لقوله سبحان وتعالى : " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها[15] "، و " ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج[16] " ، و " ما جعل عليكم في الدين من حرج "[17] .
o المرونه ومراعاة المتغيرات : ومن ذلك عدم تحديد الأوعية والوسائل التي يتم تطبيق الثوابت عليها مثلاً لم يحدد الإسلام الشكل الذي يقوم عليه الحكم ( ملكي ، رئاسي ،برلماني ، ...) ولكن حدد القيم التي يجب أن يقوم عليها : العدالة الشورى كفالة الحقوق ... ونحو ذلك
o إباحة الطيبات والترويح عن النفس والتمتع بمباهج الحياة في حدود الشرع والفضيلة .
011 تنوع بلا تضاد : بما أن الخطاب الاسلامي خطاب عام للعالمين ، والعالمون مختلفون في ميولهم النفسية واستعداداتهم الفطرية وطاقاتهم الذاتية ، لذلك لا بد للخطاب الاسلامي أن يكون متنوعاً يروي ظمأ الروحانيين.. ويشفي غلة المفكرين .. ويستوعب طاقة الرياضيين ..يسد حاجة الفقراء .. ويرضي تطلعات الاغنياء ، يخاطب الروح والعقل والجوارح ...يبين الحق في قالب جميل ، يجتذب الشعراء والأدباء والتشكيليين بالتركيز على إظهار القيم الجمالية في الاسلام وربطها بالعقيدة ، وتبيان مظاهر الجمال والزينة في كل أرجاء الكون .. من سماء ذات أبراج ( بنيناها وزيناها) [18] ، (وزيناها للناظرين)[19] .. وأرض ذات فجاج (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها)[20] ..و حيوانات ذات جمال (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون)[21] ... ونباتات ذات بهجة (وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج)[22] ، (حدائق ذات بهجة)[23] .. إذ أن خالق الكون جميل يحب الجمال.. خلق فاحسن .. وصور فابدع .. وقدر فهدى .كما لا يغفل الخطاب الاسلامي العلماء والاكاديمين والمشاكل المعاصرة .. فيهتم بإصحاح البيئة .. من نبات وحيوان ومصادر مائية وتربة وغلاف جوي ونحوه .. ويعرِّف بالانسان ودوره في الاخلال بالتوازن الطبيعي .. ويعمل على نشر الوعي البيئي ويتلمس سبل المحافظة على البيئة ، والقضاء على الآثار الضارة لبعض الصناعات النووية والتجارب الفضائية .
012 علمية بلا تهريج : فالخطاب الإسلامي خطاب عملي يراعي اختلاف الظرف والمكان ويجمع بين الأصالة والمعاصرة ،ويفرق بين الثابت والمتغير والمبدئي والمرحلي ،ويعمل على حشد طاقات الأمة و تعبئتها ، لا على إضعافها وتبديدها ، لا يغتر لنجاح ولا ييئس لفشل ، لا يثنيه واقع الاستضعاف عن العمل للتمكين ، و لا طارئ الغربة عن السعي للظهور ، ولا فقه الأزمة عن مستلزمات العافية ، و لا الممكن الموجود عن الأمثل المنشود ..
013 حكمة بلا تهور : والحكمة هي إنزال الشئ في أليق مواضعه ، و هي شأن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه ، وو جهه إلى أفضل أساليب الخطاب فقال عز وجل : (( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ))[24] ، والخطاب من بعده لامته صلى الله عليه وسلم ، ومن الحكمة في الدعوة أن :
§ نقدم القدوة قبل الدعوة وذلك بأن يكون الداعية مصباح دجى وإمام هدى وحليف تقى قبل أن يكون خطيباً مفوها متحدثاً بارعا
§ نعمل على تأليف القلوب قبل تعريف العقول .. تهيئة لخطاب الحق ..وتحبيباً في تصديقه .. وتشويقاً لتطبيقه ، وذلك بأن يكون خطابنا مفعماً بالرحمة وحب الخير للآخرين والحرص عليهم ونحوه
§ نعمل على التعريف قبل التكليف وذلك بتوضيح أهمية الفهم ، ومنزلة العلم في خطابنا
§ نراعي التدرج في التكاليف ، ولا نبدأ خطابنا من حيث انتهى فهمنا بل نخاطب الناس على قدر عقولهم ونرتقي بهم في مدارج الفلاح .
§ نفرق بين فقه الأصل وفقه الاستثناء : فالخطاب في حالة التمكين ليس كالخطاب في حال الاستضعاف ، والأصل في المعاملة ليس كالاستثناء فيها ،ومن ذلك أن الأصل في معاملة أهل الكتاب هوالاخوة الانسانية والتعارف والبر والقسط والمجادلة بالحسنى والاستثناء هو اضطرارهم لأضيق الطريق وجعل الاستثناء في مقام الاصل مخالفة للفهم الصحيح .
§ نيسر ولا نعسر ، نبسط ولا نعقد ، نبشر ولا ننفر ، نرغب قبل أن نرهيب
نراعي الأصول قبل الفروع ، والكليات قبل الجزئيات والإجمال قبل التفصيل .
14-صدع بالحق بلا انهزام : الخطاب الإسلامي يجهر بفكرته في وضوح و قوة ولا يطلب رضا المخالفين بإعتذار أو تبرير لأحكامه ، بل ينطلق إلى إبراز الحقائق وبيان اختلال معايير الغرب ، وشقائه لبعده عن الاسلام ، فالحجاب والحدود الشرعية و تعدد الزوجات وتحريم الربا والجهاد كلها قضايا يقف الخطاب الاسلامي فيها موقف واضحاً يؤمن بها ويدعو لها ولاتحمله الهجمة الغربية الشرسة على التنكر لها أو التنصل منها أو محاولة تبريرها .
الخطاب الاسلامي كذلك لا ينسى دوره في حفظ الهوية الثقافية للأمة والتي تتعرض لمحاولات مسخ منتظمة تستهدف :
الجانب التشريعي : والذي تتمثل أظهر محاولات مسخه في مجهودات الأمم المتحدة لإقرار قونين غربية تتنافى و مبادئ الإسلام ومن ذلك حرية الردة عن الدين التي أقرها الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، وتساوي المؤمن والكافر في الحقوق الذي نادى به ذات الاعلان ، إضافة لإتفاقية القضاء على كافة أنواع التمييز ضد المرأة "سيداو" وما حفلت به من مخالفات لمبادئ الاسلام ، ثم إدخال مصلحات حرية التوجه الجنسي و حرية الإجهاض ثم مصلح الجندر - الذي روج مؤتمر بكين - والذي عرفته منظمة "الصحة العالمية" بأنه : "المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية ، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية " .. بمعنى أن كونك ذكراً أو أنثى عضوياً ليس له علاقة باختيارك لأي نشاط جنسي قد تمارسه فالمرأة ليست إمرأة إلا لأن المجتمع أعطاها ذلك الدور ، ويمكن حسب هذا التعريف أن يكون الرجل امرأة .. وأن تكون المرأة زوجاً تتزوج امرأة من نفس جنسها وبهذا تكون قد غيرت صفاتها الاجتماعية وهذا الأمر ينطبق على الرجل أيضاً .
الجانب القيمي : والذي لا ينفك عن الجانب التشريعي ذلك لأن التشريع إنما جاء لحراسة القيم ، و الغرب في سعيه المحموم لعولمة قيمه وفرضها على الناس يسعى لإقرار حرية البالغين في ممارسة الزنا وجميع انواع الشذوذ الجنسي ما دام أنها تتم دون إكراه .
الخطاب الإسلامي ينادي بقيمه السمحة ومبادئه العادلة ويطرحها بديلاً للعالم كله في وجه محاولات طمس الهوية التي يمارسها النظام العالمي الجديد
سادساً : الخطاب الإسلامي لأمة الدعوة :
الإسلام دين أُنزل للبشرية جمعاء ، تبدت عالميته في قدرته على التعايش مع كل الجماعات البشرية غير المحاربة -من نصارى ويهود .. ملوك وفقراء .. سود وبيض ..الخ ، وفق الأسس والضوابط التالية :
1- الاعتراف أن الاختلاف بين بني البشر في الدين واقع بمشيئة الله تعالى ، فقد منح الله البشر الحرية والاختيار في أن يفعل ويدع ، أن يؤمن أو يكفر : { فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر }[25] .
والمسلم يوقن ان مشيئة الله لا راد لها ولا معقب . كما أنه لا يشاء إلا ما فيه الخير والحكمة علم الناس ذلك أو جهلوه . ولهذا ينحصر دوره في مهمة البلاغ المبين قولاً وعملاً دون إجبارٍ أو إكراه { ولو شآء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً ، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين }[26] .
2- وحدة الأصل الإنساني و الكرامة الآدمية : انطلاقاً من قوله سبحانه وتعالى { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم }[27] ، وقوله { ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطيّبات }[28] . فالناس أكرمهم عند الله اتقاهم ، أبوهم واحد ، والرابطة الانسانية بينهم قائمة شاءوا أم أبوا ، هذه الرابطة تترتب عليها واجبات شرعية كالقيام للجنازة أياً كانت عقيدة صاحبها .. روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام فقيل له إنها جنازة يهودي فقال أليست نفسا[29]
3- التعارف : لقوله سبحانه وتعالى { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا ، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم }[30] وكما ورد في الحديث (وأشهد أن العباد -كلهم - اخوة )[31] , فالتعارف أساس دعا إليه القرآن ، وضرورة أملتها ظروف المشاركة في الدار أو الوطن بالتعبير العصري ، وإعمال لروح الأخوة الإنسانية بدلاً من إهمالها ،.
والروابط الاجتماعية بين البشر كثيرة ، عبرت عنها الآية ( قل إن كان آباؤكم و أبناؤكم و إخوانكم و أزواجكم وعشيرتكم و أموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبييله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين )[32] إذ حوت : الرابطة العائلية ،والرابطة القومية، ورابطة الإقامة ( الوطن) ، ورابطة المصلحة ، والرابطة الاسلامية
4- التعايش : إذ أن حياة المتشاركين لا تقوم بغير تعايش سمح : بيعاً وشراء ..قضاء واقتضاء ..ظعناً وإقامة ..، وتاريخ المسلمين حافل بصور التعامل الراقي مع غير المسلمين . وقد حدّد الله سبحانه وتعالى أساس هذا التعايش بقوله { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحب المقسطين }[33].
إن غير المسلم إذا لم يبدأ بحرب ، ولم يظاهر على إخراج ، فما من سبيل معه غير التعايش الجميل الملتزم بالبرّ وهو جماع حسن الخلق ، والقسط هو العدل والفضل والاحسان.
5- التعاون : كثير من القضايا العامة تشكل قاسماً مشتركاً بين المسلمين و غيرهم ، ويمكن التعاون فيها ، كما أن الأخطار التي تتهددهم معاً ليست قليلة ، ويمكن أن تشكل هذه القواسم المشتركة منطلقاً للتعايش والتعاون ، وأهم هذه القواسم المشتركة ما يلي :
الإعلاء من شأن القيم الإنسانية و الأخلاق الأساسية فالعدل والحرية والمساواة والصدق والعفة كلها قيم حضارية تشترك فيها الأديان والحضارات وترسيخها في المجتمعات هدف مشترك يمكن التعاون عليه.
مناصرة المستضعفين في الأرض وقضايا العدل والحرية ومحاربة الظلم ومن ذلك اضطهاد السود والملونين في أميركا واضطهاد الأقليات الدينية و سائر الشعوب المقهورة في فلسطين و كوسوفا والشيشان ونحوه ، فالاسلام يناصر المظلومين من أي جنس ودين . والرسول صلى الله عليه وسلم قد قال عن " حلف الفضول " الذي تم في الجاهلية :( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحبّ أنّ لي به حُمر النّعم ، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت )[34].
التعاون لمواجهة دعاة المادية الذين ينكرون الغيب ودعاة الإلحاد الذين يجحدون وجود الله ودعاة الإباحية الذين يروجون للعري والتحلل الجنسي والشذوذ والإجهاض
موجهات الخطاب الاسلامي للحضارة الغربية :
الخطاب الاسلامي للحضارة الغربية ينطلق من الموجهات التالية :
1/ يؤمن بالتعددية الحضارية الثقافية التشريعية والسياسية والاجتماعية { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً }[35] ، { ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم }[36]
2/يعمل على تنمية آفاق التواصل الحضاري ومن ذلك الإفادة من الحضارة الغربية في المنهج العلمي في الكونيات والنظم الإدارية المتقدمة و تجديد الإحساس بقيمة الوقت وقيمة العدل في ظل مناخ كريم والدعوة الى قيام شراكة إنسانية صحيحة وقويمة - التبادل العادل للمصالح - والسعي الجاد لخفض أصوات الغلاة من الطرفين .
3/ يهتم بالكتابات التي تقدم لغير المسلمين ويركز فيها على الحجة العقلية لا النصوص الشرعية.
4/ يدعو إلى تأسيس فقه الأقليات المسلمة في مجتمع غير المسلمين على قاعدة ( لا تكليف الا بمقدور ) أي على قدر الوسع و الطاقة بما يحقق للمسلمين الحفاظ على هويتهم دون انكفاء و تفاعلهم دون ذوبان.
5/ يركز على المنظومة القيمية في علاقاتنا مع الغرب والقائمة على وحدة الأصل الانساني ومنطلق التكريم الإلهي للإنسان { و لقد كرّمنا بني آدم }[37] ، و إحياء مبدأ التعارف { لتعارفوا }[38] ، وتعميق الأخوة الانسانية ( و أشهد أن العباد كلهم أخوة ) ، والتعامل بالبر والعدل مع المسالمين { أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم }[39] .
6/ يعمل على إيجاد القواسم المشتركة و الاعلاء من شأن الانساق المتفقة فالحضارات تتقاسم أقداراً من القيم مثل العدل و المساواة و الحرية .. الخ و أهل الحكمة من كل ملة يستحقون الشكر و العرفان .
7/ لا يرى الغرب كتلة واحدة بل يتعامل معه على أساس أنه دائرة واسعة الأرجاء ، متعددة المنافذ، يمكن مخاطبتها بموضوعية لرعاية المصالح والمنافع المتبادلة دون حيف أو ظلم لتحقيق الأمن والسلام العالميين .
8/ يؤكد الالتزام الواضح بالحرية وحقوق الإنسان ومشروعية الخلاف الفكري والتعدد الديني والثقافي والتداول السلمي للسلطة ويدافع عنها بوصفها أساساً من مبادئ الإسلام ، وينبذ العنف في العمل السياسي ولا يخلطه بالجهاد .
9/ يدعو إلى إحياء مبدأ التساكن الحضاري واستكمال التوازن المفقود في الحضارة الغربية بالأساس الأخلاقي عبر قدوة ومصداقية يتطابق فيها المثال و الواقع و يكون بدلالة الحال أبلغ من دلالة المقال .
10/ يدعو إلى مخاطبة الرأي العام الغربي من منطلق إنساني تجاه مآسي المسلمين - بإعلام قوي - و الإفادة من ذلك في دفع عجلة الحوار و التفاهم .
11/ تشجيع فكرة المواطنة للجاليات الاسلامية في الغرب مع رعاية مستلزماتها .
12/ يتعين على الأقلية المسلمة أن تراعي المواثيق لدار العهد التزاماً بالقوانين وانضباطاً بأحكامها {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً }[40] .
13/ يعمل على الإسهام في علاج مشكلات المجتمع الغربي و إفرازات الحضارة .. من انحلال أسري وتفكك اجتماعي وانهيار أخلاقي وانحراف جنسي وتعصب عرقي ، والعمل على إبراز تلك الإسهامات مثل :
أ) الموالاة والمحآدة
إن القرآن الكريم يزخر بنصوص تنهى عن موالاة غير المسلمين ، وتقرر أن الولاء عندما يقع النزاع إنما يكون لله و لرسوله ، غير أن هذا الأصل محاط بضوابط تحول دون تحوله إلى عداوة دينية أو بغضاء محتدمة أو فتنة طائفية مثل :
ب ) أهل الذمة :
الذمة في اللغة تعني العهد والأمان والضمان ، وفي الشرع تعني عقد مؤبد يتضمن إقرار غير المسلمين على دينهم وتمتعهم بأمان الجماعة الإسلامية وضمانها بشرط بذلهم الجزية وقبولهم أحكام دار الإسلام في غير شؤونهم الدينية ، وهذا العقد يوجب لكل طرف حقوقاً ويفرض عليه واجبات ،وليست عبارة أهل الذمة عبارة تنقيص أو ذم ، بل هي عبارة توحي بوجوب الرعاية والوفاء تديناً وامتثالاً للشرع ، وإن كان بعضهم يتأذى منها فيمكن تغيره لأن الله لم يتعبدنا به وقد غير سيدنا عمر لفظ الجزية الذي ورد في القرآن استجابة لعرب بني تغلب من النصارى الذين أنفوا من الاسم وطلبوا أن يؤخذ منهم ما يؤخذ باسم الصدقة وإن كان مضاعفاً فوافقهم عمر وقال : هؤلاء قوم حمقى رضوا المعنى وأبوا الاسم
ومما يجب ادراكه عن الذمة ما يلي :
و هي ضريبة سنوية على الرؤوس تتمثل في مقدار زهيد من المال يُفرض على الرجال البالغين القادرين ، على حسب ثرواتهم ، والجزية لم تكن ملازمة لعقد الذمة في كل حال كما يظن بعضهم ، بل استفاضت أقوال الفقهاء في تعليلها وقالوا إنها بدل عن اشتراك غير المسلمين في الدفاع عن دار الإسلام ، لذلك أسقطها الصحابة و التابعون عمن قبل منهم الاشتراك في الدفاع عنها ، فعل ذلك سراقة بن عمرو مع أهل أرمينية سنة 22 ه وحبيب بن مسلمة الفهري مع أهل انطاكية ، ووقع مثل ذلك مع الجراجمة - وهم أهل مدينة تركية - في عهد عمر رضي الله عنه وابرم الصلح مندوب أبي عبيدة بن الجراح وأقره أبو عبيدة فيمن معه من الصحابة ، وصالح المسلمون أهل النوبة على عهد الصحابي عبد الله بن أبي السرح على غير جزية بل على هدايا تتبادل في كل عام ، وصالحوا أهل قبرص في زمن معاوية على خراج وحياد بين المسلمين والروم .
غير المسلمين من المواطنين الذين يؤدون واجب الجندية ، ويسهمون في حماية دار الإسلام لا تجب عليهم الجزية .و الصغار الوارد في آية التوبة يقصد به خضوعهم لحكم القانون وسلطان الدولة .
سابعاً : الخطاب الاسلامي لامة الإجابة :
إن الخطاب الاسامي ينبغي -سعيا لاستعادة الريادة الحضارية والسيادة العالمية لأمة الاسلام - ان يقوم بدور رائد في المصالحة الشاملة بين فعاليات الأمة ، والتعاون التام بين دوائر النفوذ فيها ، ويشمل ذلك :
أولاً : المصالحة بين جماعات العمل الإسلامي :
يمكن لجماعات العمل الاسلامي أن تعمل على توحيد الكلمة وفق الموجهات التالية :
1. الإجماع على أمر واحد في فروع الدين مطلب مستحيل بل هو يتنافى مع طبيعة هذا الدين . و الاختلاف ضرورة واقعة تتطلب منا :
2- إن لم تتضح الحجة عند الاختلاف عذر كل أخاه و وكل سريرته الى الله عز وجل و داوم على اخوته . فنعمل فيما اتفقنا عليه من الأصول والكليات والقطعيات والمحكمات ، ويعذر بعضنا بعضاً في الفروع مما للاجتهاد فيه نصيب وللنظر فيه مسرح وللرأي فيه متسع - أي بضابط إمكان الاجتهاد- في مثل هذا القدر من الخلاف الذي يسمح به المنهاج .
3- القبول بمبدأ التعددية الحركية وأن تسعى كل جماعة لما وهبت نفسها له .
4- إبقاء الإلفة والأخوة و رعاية الحقوق و صون الحرمات .
5- الوقوف في خندق واحد إزاء قضايا الأمة الكبرى وهمومها المصيرية .
6- تجنب ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة في فهم النصوص وتنزيلها على الواقع .
7- إحياء فقه الاجتهاد الجماعي المركب من فقه النصوص ومقاصدها وفقه الوقائع و مآلاتها
يمكن لجماعات العمل الاسلامي والتيارات الوطنية والقومية أن تجتمع علىالآتي :-
1/ المحافظة على الهوية والثوابت : خاصة وأنه في ظل العولمة الثقافية والفكرية تسعى دوائر كثيرة لتمييع ثوابتنا وابعاد أجيالنا عن هويتها الحقيقية .
2/ تأمين الأمن والاستقرار : ذلك أن عدم وجود الأمن في ربوع أوطاننا يؤدي الى تضييع الطاقات وتهجير الكوادر وخروج رؤوس الأموال وتعطيل التنمية .
3/ إرساء قواعد الحوار وممارسته : وذلك لأهمية الحوار وممارسته حيث أنه توجد قواسم مشتركة ومن ثم فان الأمة تحتاج مزيداً من الحوار وممارسته سواء بين مكونات المجتمع المدني أو بين الهيئات الرسمية.
4/ تفعيل العمل الشعبي : إن أهم قوة لدينا كتيارين هو الالتفاف الشعبي بمشروع الأمة الذي نحمله ، ولذلك كان لزاماً علينا أن نفعل العمل الشعبي في أطره المختلفة سواء فيما يتعلق بالهوية والثوابت أو في التصدي للمشروع الصهيوني والمشروع التغريبي أو فيما يتعلق بوحدة الأمة وبعث الأمل .
5/ بعث التنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية : إن الأمة تحتاج وفي كل الأوطان الى بعث التنمية في جوانبها المختلفة خاصة وأن الهوة بيننا وبين غيرنا عميق والبون شاسع لذا يتعين بذل الاهتمام لتفعيل قدرات الأمة التنموية والارتقاء بها ، وتقليل الفوارق الاجتماعية بين الطبقات .
إن خطابنا الإسلامي يكون قاصراً ان تجاهل - بَلْه استعدى - المؤسسات الرسمية التي تؤثر باصداراتها ونشاطاتها في عدد كبير من أفراد الشعب بل وربما تؤثر على الحكومات وقراراتها .. لذلك ينبغي أن يبذل - لها - من التقدير والاحترام ما يليق بمكانتها العلمية ، وأن يدأب على نقاشها ومحاورتها استهداء بشعار " نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه " الذي يشمل كل المسلمين ولا شك أنِّه يجمع بين المؤسسات الشعبية والرسمية .
رابعاً : المصالحة بين الشعوب والأنظمة :
تختلف الحكومات في قربها وبعدها من الإسلام بقدر ما تطبقه من شريعة الله ، وتختلف كذلك في أسباب عدم تطبيقها لشرع الله كاملاً ، ومهما يكن من أمر فإن المواجهة بين جماعات العمل الإسلامي والحكومات لا تثمر الا في زيادة في تمزق الأمة ، و فتحاً للباب للتدخل الأجنبي . لذلك لا بد من أيجاد مصالحة بين الشعوب والأنظمة للأسباب الآتية :
خاتمة :
على الأمة أن تجتهد وتستفرغ وسعها في تبليغ هذه الرسالة بخطاب إسلامي معاصر فاعل يدعو إلى الله علي بصيرة مستخدماً : الأسوة الحسنة والنموذج العملي أولا ، ثم الكلمة المقروءة ،والكلمة المسموعة ، والكلمة المشاهدة ،واللغات المختلفة ، حتى تقوم على الناس الحجة وتبرأ الذمة .
ولنا من الإذاعات الموجهة ، ومن القنوات الفضائية ، ومن شبكة (الإنترنت) ما يوصل كلمتنا إلى أنحاء الأرض ، ويحقق عالمية الإسلام بالفعل .
وقد سميت الدعوة إلى الاسلام عن طريق الانترنت جهاد العصر ، فهو يغنينا عن تجييش الجيوش ، لإيصال دعوة الاسلام إلى البلدان والشعوب البعيدة .
وبهذا نستطيع برسالتنا الحضارية- إذا أحسنا عرضها بلغة عصرنا - أن نفتح لها آفاقا وأقطارا ، فتحا سلميا ، لا تراق فيه قطرة دم ، فلا نشهر سيفا ، ولا نطلق مدفعا ، ولا نعلن حربا .
إنه ( الفتح السلمي ) الذي أصّله الاسلام ، في (صلح الحديبية ) المعروف ، والذي عقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش ،لإقامة هدنة بين الطرفين ، يكف كل منهما يده عن الآخر ، فسمّى القرآن ذلك (فتحا مبينا ) ونزلت في شأنه (سورة الفتح) .. وسأل بعض الصحابة الرسول الكريم : أو فتح هو يا رسول الله ؟ قال : ( إي والذي نفس محمد بيده إنه لفتح )[42] . وانتشر الاسلام في هذه الفترة كما لم ينتشر في أي فترة مضت .
وعلى ضوء هذا ، فسر الدكتور القرضاوي ما بشر به الحديث النبوي الشريف من( فتح رومية) بعد فتح (القسطنطينية) أنه فتح الدعوة والفكر ، لا فتح السيف والمدفع . وفتح رومية يعني عودة الاسلام إلى أوربا بعد أن خرج منها مرتين ،وهذا هو فتح القرن الحادي والعشرين، فتح العقول بالمعرفة ، والقلوب بالإيمان ، والحياة كلها بتعاليم الاسلام .{ ويومئذ يفرح المؤمنون . بنصر الله}[43] ، ويتحقق وعده تعالى { سنريهم ءاياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق }[44] .
[1] سورة الجن آية 22
[2] آل عمران 110
[3] البقرة آية 143
[4] سورة يونس آية 58
[5] صحيح ابن حبان ، ج 1 ، ص 207
[6] انظر الخصائص العامة الدين الاسلام ، د. يوسف القرضاوي ، ص 62
[7] البقرة آية 21
[8] سورة العلق أية 1-5
[9] الانبياء 107
[10] سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 83
[11] مسند الربيع ، ج1 ، ص 170
[12] جامع العلوم والحكم ، ج 1 ، ص 329
[13] مجمع الزوائد ، ج8 ، ص 191
[14] مجمع الزوائد ، ج 9 ، ص 15
[15] البقرة 286
[16] النور 61
[17] الحج 78
[18] ق 6
[19] الحجر 16
[20] الكهف 7
[21] النحل 6
[22] ق 7-7
[23] النمل 60
[24] النحل 125
[25] هود :118.
[26] يونس 99
[27] الحجرات 13
[28] الاسراء 70
[29] البخاري كتاب الجنائز باب من قام لجنازة يهودي ح رقم 1229
[30] الحجرات 13
[31] سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 83
[32] التوبة 24
[33] الممتحنة 8
[34] سيرة ابن هشام ، والكلام عن هذا الحلف ذكر في البداية لابن كثير باسناد صحيح ، وفي دلائل البيهقي ورواه الحميدي ، وابن سعد عن طريق الواقدي .
[35] المائدة 48
[36] المائدة 48 .
[37] الاسراء 70 .
[38] الحجرات 13
[39] الممتحنة 8 .
[40] الاسراء 34 .
[41] الممتحنة 1
[42] رواه احمد عن مجمع بن حارثة الانصاري تفسير ابن كثير لأول سروة الفتح 4/183 طبعة حلبي .
[43] الروم : 4-5 .
[44] فصلت : 53 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.