حينما ينظر الواحد منا إلى الأمل الكبير الذي تعقده المنظمات المعنية بأمر الزراعة على السودان ليكون أحد مصادر الغذاء في العالم، يشعر بحسرة كبيرة جداً، على فشل الحكومات في تحقيق تلك التطلعات المعقولة. ويحس بوجع عظيم على هذا البلد العظيم الذي يوشك أن يتقازم بسبب السياسيات الخاطئة..! فمن يتذكر التصنيف الذي خلُص إليه المؤتمر العالمي للغذاء، بتسمية السودان، ضمن ثلاث دول تمتلك الموارد الكافية، لتوفير الغذاء للعالم، بجانب كندا وأستراليا، سوف يتملكه الأسى، ذلك أن الحكومة عاجزة عن تنزيل تلك الأحلام والرهانات إلى أرض الواقع، بما يقود إلى تأمين الغذاء إلى المحيط الإقليمي وربما الدولي. ويكفي أن التصنيف، برهن على أن العافية لا تزال تسري في جسد السودان الزراعي، وأنه لم يمت كما يسوِّق لذلك كثيرون، بينهم نافذون في الحكومة.. وأما الضجر الملفوف في ثنايا الصنيف، فلأنه كشف – مجدداً – عن حلقة جديدة في مسلسل فشل النخب السودانية..! نعم، فقد قام المؤتمر العالمي للغذاء، بتصنيف السودان ضمن أفضل ثلاث دول، تملك القدرة الكافية والمطلوبة لتوفير الغذاء للعالم. وهذا أمرٌ جيد، لا سيما أنه يأتي في ظل ظرف اقتصادي موجع تعيشه البلاد، وفي ظل التراجع الكبير لدور السودان، في ما يلي رفد السوق الإقليمي والعالمي بالمنتجات الزراعية. لكن ما ليس جيداً، ولا هو حسُناً، هو أن يصدر هذا التصنيف في العواصم البعيدة، بينما تتمدَّد أزمة الزراعة في السودان مع مرور الأيام، إلى أن بلغت مرحلة أن يترنَّح مشروع الجزيرة، عملاق المشاريع الزراعية في العالم، من فرط السياسيات الخاطئة. بل إنه يوشك أن يخرج عن دائرة الإنتاج تماماً، وكل ذلك بفضل العقول العجيبة التي تتولَّى إدارة الشأن الزراعي في السودان..! ظنِّي، أن هذا التصنيف وحده، يكفي لأن ننصب مقصلة المحاسبة لكل من تورّط في تراجع الإنتاج الزراعي السوداني بصورة عامة، وفي تدهور مشروع الجزيرة، وخصوصاً في الوقت الذي ينظر فيه العالم إلى السودان، على أساس أنه ضمن الحواضن الثلاث الرئيسة والمهمة والقادرة على توفير الغذاء، ليس للداخل، أو المحيط الإقليمي، وإنما للعالم كله..! وهذا الحديث يبرهن – بجلاء – على أن المشكلة ليست في الأرض، التي يروِّج البعض إلى أنها شاخت، ولا في الأيدي العاملة، التي يُشاع أنها هاجرت، أو هجرت الزراعة. وإنما في الخطط الرخوة، والبرامج الهشة التي يُدار بها أمر الزراعة في السودان، وفي مشروع الجزيرة على وجه الخصوص..! الثابت، أن مثل هذه الشهادات القادمة من منصّات عالمية متخصِّصة، تجعلنا نذرف الدمع على الواقع الإنتاجي البائس، الذي وصلنا إليه، لأن الحكومة تصرفت بصورة ممعنة في الخطأ، وذلك حينما أشاحت بوجهها عن القطاع الزراعي، بمجرَّد أن سالت قطرات من النفط في آبار محدودة بالبلاد..! يحدث هذا في حين أن الدول النفطية، تسعى عامدة إلى تطوير مشاريعها الزراعية، لأنها تُوقِن بأن أسعار المنتجات الزراعية، خارج لعبة الموازنات الدولية، على عكس ما يحدث في أسعار النفط، الذي يعيش أسوأ أيامه منذ سنوات طويلة. الصيحة