إننا كشعب سوداني يجب ان نعترف صراحة بافتقارنا لرواد فكر أو ما يطلق عليهم ب"النخبة" وهم من يساهمون في رفع وعي الشعوب والعمل على تقدمها ورقيها. ويمثلون حلقة وصل رئيسية بين الشعب والنظام الذي يحكمهم. ليس بالضرورة ان يكونوا منطوين تحت لواء النظام الحاكم، لكن العبرة بما يؤدونه من أدوار ومهمات أهمها بالتأكيد توصيل مطالب الشعب إلى النظام والربط بينهما. وهذا الدور تقوم به النخبة أيا كان شكل النظام ديمقراطي أم استبدادي . هذا الافتقار الذي نعانيه أثر بلا شك على المجتمع السوداني ككل، حيث أصبح الجهل وانحطاط الاخلاق والقيم من أبرز سماته. وعندما يغيب دور المجتمع فانه لابد ان يتسلق الفاسدون إلى سدة الحكم، مستغلين جهل المجتمع وضعفه. فيعملوا على زيادة تجهيله بمزيد من الاجراءات ليضمنوا أطول فترة حكم، ولا يكتفون بذلك بل يقومون باستقطاب المستنيرين واستمالتهم إلى جانبهم ليقضوا على أي دور لهم. فيظهر الفشل في إدارة مؤسسات الدولة والانهيار الكامل في كل شيء، الصحة، التعليم، الخدمات ... الخ. وهذا ما يحدث في السودان الان حيث نرى التراجع في كل شيء دون اي تقدم يذكر. لا احد ينكر ان الحكومات المتعاقبة، كان وما يزال لها دور كبير في هذه الازمة، لكنها لم تكن لتستفحل الى هذه الدرجة من التدني لولا انعدام وعي الشعب وتغيب دوره. وقد ادرك أبو القاسم الشابي باكراً تأثير الشعب ودوره وانه صاحب الكلمة الاولى والاخيرة .حين كتب قصيدته التي اصبحت رمزاً لثورات الشعوب ضد الانظمة القمعية. (اذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر). وارادة الحياة بالضرورة تتطلب معرفة الشعب بحقوقه والقيام بالواجبات وهذا لا يتأتى إلا في ظل مجتمع واعٍ متعلم. او على اقل تقدير وجود نخبة تعمل على منع الحكومات من تجاوز الخطوط. (اشخاص يعمل لهم النظام الف حساب). قبل أيام دخلت بالصدفة في نقاش مع بعض الأشخاص في موضوع يتعلق بحقوق المرأة والمساواة والحرية والعدالة وما شابههم من مفاهيم، طال النقاش لكني لم اخرج بشيء من المتناقشين. فهم/ن رغم ما يحملونه من مؤهلات دراسية وشهادات، الا انهم كانوا يفتقدون إلى الحجة والمنطق في ارائهم. إذ مالت جلها على تبني أفكار احسب انها متوارثة تلقوها عن طريق السماع دون ان يطرحونها ويتسألوا عنها ليعرفوا صحتها من العدم. فالمفاهيم تبدو مقدسة لديهم تماماً ككلام منزل. هذا الوضع افقدهم فرصة طرح ومناقشة المواضيع محل الجدل وتلك التي تثور فيها أسئلة ... وحرمهم كذلك فرصة تبادل الأفكار واكتساب معارف جديدة تساعد في الترقي وتنشيط ورفع مستوى اداء العقل . وهذا مدخل لاكتساب كثير من المزايا كمهارة التحليل على سبيل المثال، وثقافة التجادل بمنطق ومقارعة الحجة بالحجة. وما خلصته منهم اقلقني صراحة فهناك تدنى في المستوى العام للشباب. فالامر تخطى مرحلة الخطر فأصبح خطر جداً واذا ما استمر بذات المنوال فاننا "بلا شك" موعودون بالزحف اكثر واكثر نحو الهاوية، وحينها سوف لن يستطيع أحد انتشالنا منها. لا تقولوا لي باننا نحتاج لثورة تقتلع هذه الحكومة بل في الحقيقة نحتاج لثورة مفاهيمية وتعليمية تقتلع هذه الأمة من جهلها وسباتها إلى رحاب النور والعالم المتقدم. خرطوم 29/7/2017