فن الممكن مع الدبلوماسية وضد المجاملات..! بعد فترة طويله من المشاحنات والتجاذبات السياسيه بين القاهرةوالخرطوم تبدا اليوم الخميس جوله جديده من المباحثات الثنائيه بين الجانبان المصري والسوداني برئاسة وزيري خارجية البلدين . المتابع لسير العلاقه المصريه السودانيه خلال الفتره الماضيه يلحظ شيئا غريبا للغايه وهو ان الخرطوم تحاول بقدر الامكان ان تتواصل مع مصر لخلق علاقه متميزه من اجل مصلحة الشعبين ولا تربط ذلك بقرارات ومواقف اتخذها السودان في قضايا دوليه واقليميه ،في الوقت الذي ظلت فيه القاهره تقوم دائما بخلط الاوراق ولاتفرق مابين ماهو الخاص وماهو عام ولابين ماهو سيادي ممنوع التدخل فيه وماهو عادي يمكن الاخذ والرد فيه . منذ استقلال السودان في العام 1956 كانت مصر تنظر للسودان با اعتباره جزء منها وتابع لها وبالتالي فان هذه النفسيه ظلت وستظل حاضره في التعامل بين الدولتين بحيث لايقبل المصريون با استقلالية القرار السوداني مهما كان ،ويحاولون بشتى السبل الضغط على أي حكومه سودانيه لارغامها على اتخاذ قرارات تتمتاشى مع السياسه المصريه . من ضمن الملفات التي سيناقشها اجتماع (شكري غندور ) صباح اليوم هو كيفية التنسيق المشترك في المحافل الدوليه والاقليميه ،هذا امر جيد طبعا في حالة ان تخلت مصر عن اسلوب الوصايا الذي تنتهجه في علاقتها بالسودان ..لان هناك قضايا كثيره يكون فيها البلدان على خلاف جوهري وبالتالي يصعب التنسيق فيها الا اذا كان المصريون يريدون تبني السودانيون لارائهم غصبا عنهم ولذلك لا ارى ان هناك داعي لمناقشة مثل هذا (الجند) حتى تكون هناك حريه واستقلاليه لكل طرف في ان يتصرف وفق مايتصوره في التعامل مع الملفات الدوليه والمحليه . المشكله ليست في مصر(الدوله) ولا المصريون (الشعب) وانما المشكله هي في النظام السياسي الذي يحكم مصر والذي لديه فهم مسبق ورؤيه قبليه للنظام في السودان وهنا (المحك)..الحقيقي ..حيث ان نظام عبدالفتاح السيسي يسعى الى تفكيك أي نظام له علاقة بالاخوان المسلمين ويعتبر قادة الحركات الاسلاميه ارهابيون وشواطين يجب قتلهم وسحلهم في الوقت الذي ترى الحكومه السودانيه غير ذلك بل وان قادتها غالبيتهم ينتمون الى هذا التيار ممايعني ان هناك خلاف جوهري بين حكومتا البلدان الشي الذي سينعكس على أي اتفاق او اي علاقه مستقبليه. يعد قرار الحكومه السودانيه بمنع دخول المنتجات المصريه الى السوق السودانيه هو من اكثر القرارات التي تاثرت بها مصر حكومة وشعبا ،حيث تعتبر السودان اكبر سوق في العالم للمنتجات المصريه ..ولذلك كان هذا القرار موجعا للتجار المصريون ..وهو السبب الحقيقي في مجئ وزير الخارجيه المصريه سامح شكري لاجراء مباحثاته التشاوريه مع الحكومه السودانيه لفك حظر هذه المنتجات التي تعود للخزينه المصري با اموال طائله وبعملات صعبه ..وهذه الزياره هي نتاج ضغوط كثيفه مارستها الشركات المصريه المصدره لتلك المنتجات والسلع على الحكومه المصريه ونظام عبدالفتاح السيسي لان هذا الحظر تسبب في كساد السوق المصريه وانعكست نتائجه على الاقتصاد المصري بصوره واضحه جدا بل وان عدد كبير من رجال الاعمال المصريون في طريقهم للافلاس ،هذا غير ان عددا كبيرا من الشباب المصري الذين لهم علاقه بالعمل في هذه الشركات اصبحوا بلا عمل والامر الذي يعني ان شكري جاء للسودان (صاغرا) ورغم انفه . الحكومه السودانيه كانت قد اعلنت لمواطنيها بان المنتجات المصريه (مسرطنه) وغير صحيه هذا طبعا بعد ان قامت بالكشف عليها ..ولذلك عندما اتخذت قرار المنع وشددت عليه، قبل المواطنون حجتها ووقفوا معها بل وان أي مواطن سوداني عندما يذهب الى السوق يدقق بشده في المنتج او السلعه التي يريد شرائها وعندما يجدها مصريه يرفضها وحتى تلك التي تدخل البلاد خلسة (تبور) وهذا ماجعل التجارالسودانيون يتحاشون شراء السلع المصريه لان خسارتهم ستكون( بجلاجل) ،ولذلك أي تراجع من الحكومه عقب لقاءها مع وزير الخارجيه المصري فانه سيكبد الحكومه السودانيه خسائر فادحه .. اولا ستفقد ثقة الشعب وثانيا ستصبح حكومه (كاذبه) ومخادعه وانها فعلت فعلتها السيئه هذه من اجل تحقيق اهدافها السياسيه وليس من اجل مصلحة الشعب والخوف عليه ،وهذا يعني ان موضوع منع دخول المنتجات المصريه اذا كان فعلا مضرا بصحة الانسان السوداني ا يجب ان لاتجامل فيه الحكومه ابدا مهما بلغت تكلفة خسارة الشركات المصريه ،فالموضوع اصبح اخلاقي اكثر من كونه سياسي ولذلك ممنوع أي مساومه حوله . الذي تابع الاعلام المصري خلال الايام الماضيه سيعرف ان اكثر موضوع يزعج المصريون كما ذكرت انفا هو منع دخول المنتجات المصريه الى السودان وسيتاكد ايضا من ان هذا الاجتماع التشاوري قصدت منه الحكومه المصريه حسم هذا الملف باسرع مايمكن وبالتالي فان ليس امام وزير الخارجيه المصري أي طريق غير ا ن ياتي منتصرا لشركاته ورفع حظر السلع المصريه ،وهذا مايجعلنا نتخوف من ان تكون صحة المواطن السوداني مجالا للترضيات والمجاملات السياسيه ،نعم هناك قضايا يمكن التشاور حولها دبلوماسيا ولكن عندما تصل بعض الامور الى مرحلة ان تكون مصيريه فانها يجب ان لا توضع اصلا في طاولة أي مفاوضات او مشاورات ونعم مره ثانيه لعلاقات دبلوماسية متميزه مع مصر ولكن ليس على حساب صحة وحياة المواطن السوداني. مجاهد عبدالله الاهرام اليوم -الخميس 3 اغسطس 2017