✍ مما يدعو للأسف والحسرة على الحال الذي وصلت إليه مؤسساتنا الحكومية من تدهور وتخبط اداري هو الدور الضعيف لبعض الإدارات القانونية المسؤولة عن حماية هذه المؤسسات والحفاظ على مواردها ومقوماتها والعمل على تطويرها واذدهارها بتفعيل القوانين واللوائح بها. ✍ ولعلّ أشدّ ما يواجه هذه الإدارات القانونية من تحديات هو تعسف بعض وزاراء الوزارات أو مدراء الوحدات والمؤسسات في آرائهم التي غالبا ما تكون بعيدة جدا عن المنهجية القانونية للإدارة، فيتشدّدون في قراراتهم الخاطئة رغم آراء المستشاريين القانونين الواضحة المضمون، ولكنها للأسف مسلوبة القوة وضعيفة الإرادة وسرعان ما تنهار أمام إصرار أصحاب القرارات التعسفية مستسلمة لعنادهم وتصبح (مبلوعة الذمة). ✍ تأسفت جدا لحال أحد المستشاريين القانونين وهو يبتلع كل كلمات الحق التي كان ينادي بها منصفا الجهة التي وقع عليها الظلم، مطالبا بإرجاع المظالم الى أهلها، ومحذرا من مغبة هذا الأمر في حالة وصوله ساحات القضاء، لقد كان نعم الناصح والجهة المظلومة تتصل به شارحة له الأمر، ولكن بعد أن أصبح القضاء هو صاحب الكلمة وتراجعت باقي الحلول معلنة انهزامها أمام العناد، تبدل حال هذا المستشار وأصبح يدافع عن الباطل بإعتباره حقا، ضاربا بكل قيم المهنة الإنسانية التي ترتكز على العدالة عرض الحائط، متناسيا قوله تعالى (هاأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم الله يوم القيامة). ✍ عندما تتنازل القيم والأخلاق والعدالة والمبادئ السامية خاضعة مستسلمة لقوة السلطة، هذا يعني ضياع الحقوق وتفشي الظلم، فالمستشار القانوني ينبغي أن يكون ثابتا على مبدأ الحق وجرئياً بنطقه، لا يتابع هوى من يستشيره، بل يكون الناصح الأمين حتى لا يُورد المؤسسة موارد ضياع الهيبة والوقار. ✍ أيها المستشار ليس من العدالة محاسبة من يطالبون بحقوقهم وتجاهل من حامت التُهم حولهم بالفضائح الأخلاقية وعدم مطالبتهم برد المظالم، لا لشئ سوى لقربهم من الملك، أيها المستشار ليس من العدالة ظلم الأجيال بحرمانهم ممن يساعدونهم في تحسين وتوفيق أوضاعهم المستقبلية والعفو والترحيب والوداع بحنان لمن علم بمخالفته الأخلاقية القاصي والداني. ✍ ليت المستشار القانوني لأي مؤسسة حكومية يفهم أن وضعه الإداري كجهاز رقابة واستشارة للمؤسسة يجعله صاحب كلمة الحق التي يستحيل التراجع عنها، فيصمد بمواقفه القانونية ويدافع عنها محذرا من تجاهلها وفي حالة الرفض يرفع تقريره للجهات المسئولة بأن هنالك تجاوز للقوانين واللوائح من قبل هذا الوزير أو هذا المدير، فلا يطأطئ رأسه خجلا وانهزاما للأراء الخاطئة رهبةً وخوفا وخوفا من ابعاده وفقدان المخصصات المالية، فالأرزاق بيد الله، وما اعطاك الله له بسبب وقوفك في الباطل قادرٌ على سلبه منك في مرضٍ يصيبك في نفسك أو في أحد أبنائك. ✍ أحد الصيادين أثناء صيده رمى غزالة ببندقيته فلم يصبها، فأرسل وراءها كلبه المتدرب، وأثناء جري الكلب وراء الغزالة اعتقادا منه أنه سيتمكن منها ويأتي بها إلى سيده، التفتت إليه وقالت له لما اقترب منها دون أن ترتبك أو تخاف، وبكل يقين وثبات: لا حاجة لإتعاب نفسك، فإنك لن تقبض علي مهما بذلت من جهد، فقال لها الكلب متعجبا من كلامها ويقينها ومتسائلا: وكيف لا أستطيع وأنت قريبة مني؟! فأجابته، لأنني أنا أجري لنفسي، وأنت تجري لسيدك، وبالتالي فلن أتوقف عن الجري، أما أنت فبمجرد ما يصيبك التعب ترجع إلى سيدك معتذرا. ✍ ولكن الواقع السوداني يجعل المستشار القانوني يفكر في أتعاب الجلسات والمبالغ التي ربما يجنيها في هذه القضايا حتى لو كان مُوقنا بفشلها في قرارة نفسه، فبدلا من تجنيب المؤسسة الدخول في معترك قد يصيب سمعتها في مقتل ويجعل أموالها مهدرة دون أسباب تذكر، و كل هذا فقط لإرضاء مدير المؤسسة، وللأتعاب المالية التي قد يجنيها من هذه المعارك الإنصرافية. ✍ قول الحق أمام السلطان أصبح من عجائب القرن العشرين، وقد تم استبدال (لا نخشى في الحق لومة لائم)، ب (لا ضير من كسير التلج لتبريد وتلطيف الجو)، سبق للرئيس السيسى أن سأل الشيخ الطيب عن تحديد النسل بكياسة، قائلاً: هل لو طلبت أن تكتفى كل أسرة بطفلين أو ثلاثة على الأكثر حلال أم حرام يا فضيلة الإمام؟ ورد الشيخ.. حلال.. حلال. ✍ أخيرا... أظلم من الظالم من يساعد الظالم على ظلمه. علي بابا [email protected]