قضينا زهاء العشر سنوات لنقنع العالم أننا لم نكن مع العراق فى غزو الكويت .. ولم نكن فى حاجة لكل تلك الخسائر لو أننا .. إتخذنا الموقف الصحيح فى الوقت الصحيح .. ثم قضينا ما يقارب ذات العدد من السنوات لإستعادة ما فقدناها من مكاسب .. وتعويض ما تكبدناها من خسائر .. جراء ذلك الموقف الملتبس .. وقبل أن يندمل جرح السنين الخوالى تأبى تقديراتنا الخاطئة .. أو قل غير الموفقة لتكاد تزج بنا فى مضيق جديد ..! ما أن برزت الأزمة السياسية المصرية الى السطح .. سارعت الدبلوماسية السودانية لتعلن بعبارات صريحة ومحددة أن السودان يعتبر ما يجرى فى مصر شأنا داخليا لا يرى السودان سببا للتدخل فيه .. كان موقفا كسب إحترام كل المراقبين .. ولقى ترحيبا من كثير من من عاشوا تجربة الكويت ومن من كانوا يتخوفون من إعادة إنتاج الأزمة القديمة .. خشية التداعيات التى يرون أن البلاد فى غنى عنها الآن ..بل ولا قبل لها بها .. وحمد الكثيرون لوزارة الخارجية صمودها أمام كل محاولات التأثير التى بدأت تنتاشها من هنا ومن هناك .. لجرها لهذا الموقف أو ذاك .. ! ولكن .. يبدو أن جهة ما .. أو بالأحرى جهات عدة .. لم يعجبها أن يعبر السودان هذا الإختبار السهل بنجاح وسلام .. فبدأت التحركات .. على مستوى الإعلام أولا .. وفى هذا لن نلوم الحكومة بالطبع ..سيما وأن الإعلام عندنا حر .. إلا من بعض التوجيهات المحدودة طبعا .. لضمان الأمن القومى السودانى ..! ثم بدأت مسيرات الإحتجاج الموالية للإخوان المسلمين .. ولا تلام الحكومة ايضا .. فحرية التعبير مكفولة فى البلاد .. وحرية تنظيم المسيرات .. خاصة إذا كانت سلمية أيضا ..ولا تتدخل السلطات إلا فى حالات محدودة .. وهى تلك التى تهدد الأمن القومى السودانى ..! ويبدو أن حرية التعبير هذه .. وحرية تنظيم المسيرات السلمية .. الطالعة فى البلد هذه الأيام .. قد أغرت وزارة الخارجية .. أو لنقل شجعتها .. على المجاهرة لحد ما بموقفها الحقيقى .. والحق يقال أن الخارجية فى هذا لم تنطق بحرف واحد يحسب عليها .. بل تصرفت تصرفا محدودا هو الآخر .. يعبر ولا يفسر .. فوزير الخارجية المصرى الذى غادر بلاده لأول مرة فى رحلة خارجية .. وأختار أن تكون الخرطوم اولى محطاته .. لم تجد وزارة خارجيتنا من يستقبله .. غير موظف عندها يعمل بالمشاهرة .. هذا لا يقدح فى كفاءة ذلك الموظف ولا فى وزنه الدبلوماسى .. ولكنه يقدح فى التفكير الرسمى لوزارتنا وهى تخطو تلك الخطوة .. غير الموفقة ..! ثم جاء مطلع الإسبوع .. بموقف جديد تماما .. سافر ومباشر .. فقد أدلت دبلوماسيتنا بتصريح .. كان التفسير الوحيد الصحيح له .. أنه حمل مباشرة عكس معناه تماما .. جاء فى تصريح الخارجية أن السودان يقف على الحياد فى الصراع الدائر فى مصر .. يا للهول .. بعد كل هذا الذى جرى .. وبعد إكتمال بناء نظام سياسى جديد .. بكل ما تحمل الكلمة من معنى .. يتحدثون عن وقوف على الحياد .. والسؤال .. تقف على الحياد بين من ومن .. فى هذه الحالة تكون الإجابة .. أن السودان يقف على الحياد بين الحكومة المصرية ومعارضيها .. فإستقبال الخرطوم لوزير الخارجية المصرى يعنى إعترافا به وبحكومته .. والحال كذلك فالإعلان عن حياد بعد هذا .. فيعنى حيادا بين الحكومة ومعرضيها .. وهو فى الواقع يعنى .. إنحيازا للمعارضة .. ,إعترافا بها وإسباقا للشرعية عليها .. فأى حكومة ترضى بهذا ..؟ والأسوأ من هذا ما فى الأعراف الدبلوماسية من قاعدة ذهبية تقول .. المعاملة بالمثل .. فتصور أن تقرر الحكومة المصرية أنها قررت الوقوف على الحياد بين الحكومة .. والجبهة الثورية .. مثلا .. لا حصرا .. فالخيارات متعددة أمام السيسى .. ترى من المستفيد .. ومن هذا الذى نصح دبلوماسيتنا بالقفز فى الظلام ..؟؟ [email protected]