الأزمة يا سيد غازي صلاح الدين ليست بأي حال أزمة فكرية. بل هي أزمة الحكم السائدة فيه والمنفذة لكل سياسااتها هي شريحة الرأسمالية الطفيلية المتآسلمة سليمان حامد الحاج نتفق مع الدكتور غازي صلاح الدين في حديثه القائل بأن مبادرات حزب المؤتمر الوطني الحاكم الدائرة الآن ضعيفة ولن تؤدي إلى الإصلاح السياسي المطلوب في السودان. ونضيف أنها أكثر من ذلك تفاقم منه وتعيد انتاجه. إلا أننا نختلف معه اختلافاً جذرياً فيما قاله أمام شباب سائحون بالقضارف عن أن أزمة السودان فكرية في المقام الأول. فأزمة الوطن الشاملة هي أزمة حكم منذ أن سطا حزب المؤتمر الوطني على الحكومة بقوة السلاح في انقلاب عسكري في يونيو 1989م. ونفذ برنامجه الذي يعتبر خلاصة فكره السياسي وأسماه المشروع الحضاري. وتمخض هذا المشروع منذ أيامه الأولى وحتى ربع قرن من الحكم عن ممارسة لا تمت للحضارة بصلة. فأمام مستجدات العصر من فكر سياسي يقنن الحريات والديمقراطية والتبادل الديمقارطي للسلطة، صادر المؤتمر الوطني كل المؤسسات البرلمانية والنقابية والحزبية والتعاونية وكافة الاتحادات والتنظيمات التي بناها شعب السودان عبر نضال وتضحيات شاقة منذ العهد الاستعماري وحتى الديمقراطية الثالثة التي اعقبها انقلاب الجبهة الإسلامية. وشرد ونكل وبطش وعذب وقتل فردياً وجماعياً وسام شعب السودان كل أنواع العذاب وصنوف الاضطهاد. وأشعل الحروب في مختلف مناطق الوطن وزرع الصراعات والفتن بين قبائل السودان المختلفة. كل ذلك ليمرر برنامجه الاقتصادي القائم على افكار تفنن استقطاب الثروة في يد فئة صغيرة من طبقة الرأسمالية الطفيلية المتدثرة بالاسلام الذي وضعت له اسماً هو (المشروع الحضاري). هذا المشروع قائم في توجهه الفكري الاقتصادي على تحرير الاقتصاد وحرية السوق والخصخصة ونهب أموال الدولة والثراء الفاحش وتجنيب الأموال والفساد وغيرها من الممارسات التي تجسد فكر الرأسمالية الطفيلية بكل أبعاده. وبما أن الفكر هو انعكاس للواقع، والواقع في جدل مستمر معه، فإن أزمة الحكم هي انعكاس لهذا الواقع وليس العكس. فطالما بقى نظام الحكم يمثل هذا الواقع المذري فإنه لن يفرز فكراً علمياً وموضوعياً يجدد من هذا الواقع وإلا فأننا نطلب من هذا الواقع التعيس ما ليس فيه من أفكار تسهم في إصلاح وتجديد الواقع وتغيره إلى الأحسن والأفضل. هذه الأفكار لن يجدها السيد غازي صلاح الدين في برنامج المشروع الحضاري بأبعاده ورؤاه المعلومة والتي برهنت طوال ربع قرن من الزمان على فشلها. فأقم من مثل هذا البرنامج –رغم أنه للتضليل والخداع، ما قاله د. غازي صلاح الدين عن أن عدداً من القيادات اضحوا يتشبثون بالسلطة دون أية رؤية سياسية. لأن الإصلاح السياسي يجب أن يقوم على افكار للخروج من الأزمة الدائرة الآن بدلاً من الصفقات السياسية المبنية على الأفراد. السؤال الذي نطرحه على د. غازي صلاح الدين هو: هل أفكار الرأسمالية الطفيلية المتأسلمة القابضة على كل مفاصل السلطة قادرعلى إجراء مثل هذا التغيير؟ ربع قرن من الزمان في الحكم والممارسة العملية للسلطة في كل جوانبها يجب ب لا. لهذا نقول لدكتور غازي صلاح الدين أن المشكلة تكمن في نظام الحكم القائم الذي دمر الواقع المعاش وجلس على انقاضه دون أن يجري أي اصلاح للأفضل فيه، بل رسخ وفنن دماره وجعل حياة الشعب جحيماً لا يطاق. هذا النظام هو عدو لأي فكر تقدمي يعمل على اصلاح الواقع الراهن ومستعد لتزييف الإسلام نفسه من أجل أهدافه الطبقية، ولن يسمح للرأي الآخر المعادي لممارسته الطفيلية بأن يصل إلى الشعب. ولهذا فهو لا يسمح بإقامة الندوات السياسية في الميادين العامة لمخاطبة الجماهير وتوعيتها وكشفها لممارساته، وإغلاق الصحف التي تفضح فكره وسياساته. فالأزمة يا سيد غازي صلاح الدين ليست بأي حال أزمة فكرية. بل هي أزمة الحكم السائدة فيه والمنفذة لكل سياسااتها هي شريحة الرأسمالية الطفيلية المتآسلمة. وكل من يقول أن لا فكر لها يناقض طبيعة الأشياء وقوانين الصراع الطبقي. هذه الشريحة لها فكر وبرنامج تعمل على تنفيذه منذ أول يوم سطت فيه على السلطة وهو مشحون بكل أفكارها حتى عن المعاملة الوحشية للمرأة وكيف تلبس وتسير في الطريق العام الخ... السيد غازي صلاح الدين، يعتبر أحد المنظرين لهذا الفكر، وكل قارئ لما كتبه في المؤتمر العام الذي سبق المفاصلة يجد أنه من الذين شاركوا وربما أسسوا لمذكرة العشرة وما طرحته من أفكار للإصلاح لم تخرج جميعها من الممارسات السائدة حتى الآن في المؤتمر الوطني الحاكم. صحيح، هنالك متغيرات قد حدثت بعد المفاصلة وصراعات لازالت مستمرة في قيادته وقاعدته ولكنها لم تمس جوهر فكر وبرنامج حزب الرأسمالية الطفيلية ومصالحها الطبقية، ولم تشر من بعيد أو قريب إلى اسقاط هذا البرنامج والاخطار الواردة فيه. لأن ذلك يعني تقويض نظام الرأسمالية الطفيلية من اساسه. وهذا ما يتفادونه جميعاً دون استثناء. كل الصراعات تدور حول كراسي الحكم والمغانم وتقسيم الغنائم، والدين هو الستار المشترك لتغطية أهداف المتصارعين جميعاً. ولهذا فإن جميع المتصارعين يتحدثون عن اصلاح النظام وإجراء تغييرات فيه ولا يطرقون كلمة اسقاطه وقيام نظام بديل أفضل على انقاضه. نحن في الحزب الشيوعي السوداني نقول أن الأزمة ليست أزمة فكرية، بل هي أزمة حكم نظام الرأسمالية الطفيلية المتدثرة بالاسلام والذي يريد أن يبقى في السلطة لأطول فترة ممكنة مستعملاً كل أساليب الخداع والفتن بين معارضيه واصطياد من يستطيع اصطياده منهم سواء في الأحزاب السياسية التي تدعوا للتغير أو الإصلاح أو في الحركات المسلحة التي ولد عشرات منها من رحمه. أننا نؤكد أن شيئاً من كل هذا الواقع المأساوي لن يتغير إلا باسقاط هذا النظام. وقيام دولة وطنية تنفذ البرنامج الوطني الديمقراطي البديل الذي توافقت عليه قوى الاجماع الوطني، وهذا ما سيحدث أن عاجلاً أو آجلاً، وهذه هي حتمية التاريخ التي لا رد لقوانينها الموضوعية.