٭ الكتابة في الموضوعات الاقتصادية بالمنهجية العلمية أصبحت عملية شاقة لأنها تحتاج لمعلومات بالارقام ومقدرة على تحليلها بالمهنية المكتسبة من التحصيل الاكاديمي في علم الاقتصاد والخبرة المهنية الفعلية لسنوات طويلة في مجالات الموضوعات المالية والنقدية والاستثمارية، لأنه بخلاف ذلك تكون الكتابات مجرد انطباعات عاطفية حسب حجم جيب كل كاتب. وفي يوم الثلاثاء 17 أغسطس 2013م حزنت كثيراً لما وصلت اليه بلادنا في فنون الإجرام والتزوير في كافة المجالات خاصة التزوير سواء ان كان للعملات والوثائق الثبوتية أو الشهادات الاكاديمية الجامعية، حيث نشرت معظم صحفنا المحلية خبر قبض أحد الاشخاص العاملين باحدى وزارات المالية الولائية يعمل بشهادة جامعية في الاقتصاد مزورة.. وقبل ذلك تابعت العديد من أمثلة تزوير الشهادات الجامعية بدرجة بكالريوس وماجستير ودكتوراة، وحزنت كثيراً عندما حسمت أحد هذه الامثلة بأن طلب من حامل درجة دكتوراة ان يقدم فقط استقالته تعاطفاً معه، لأن زواج إحدى كريماته كان في نفس شهر القبض عليه مزوراً بعد أن استفاد بالعمل بها لسنوات عديدة بالجودية السودانية المعروفة (بالواسطات)؟! ٭ خلال الأشهر الثلاثة الاخيرة زادت ايقاعات المناداة بزيادة أسعار المحروقات والسكر والكهرباء والمياه بحجة ومبرر رفع الدعم، وتعجبت كثيراً جداً لانضمام أحد وزراء المالية السابقين مرتين خلال ربع القرن الاخير لجوقة المناديب برفع الأسعار بحجة رفع الدعم، مع العلم أن هذا الشخص زاد هذه الأسعار عدة مرات بل وزاد قيمة العملة الأجنبية مقابل الجنيه (الدولار الجمركي) عدة مرات، بل باع معظم المرافق العامة من مصانع ومشروعات زراعية ومؤسسات نقل وفنادق بحجة الاستفادة من عائداتها في التقليل من عجز الموازنات العامة، الأمر الذي للاسف لم يحدث، والذي يريد أن يعرف تفاصيل عمليات بيع المرافق العامة في عهده عليه أن يطلع على التقرير المحاسبي المهني الراقي والممتاز الذي قدمه ديوان المراجع العام في يونيو 1994م للمجلس الوطني الانتقالي، وتعرض بالأرقام لعمليات الخصخصة وبيع المرافق العامة خلال السنوات الأربع الاولى من عمر الإنقاذ. ٭ الذين ينادون ويؤيدون زيادة الأسعار بحجة ومبرر رفع الدعم لم يقدموا لأهل السودان دليلاً واحداً بالأرقام الفعلية عن حجم ذلك الدعم لكل سلعة وخدمة، وفي نفس الوقت ينسون أو يتناسون أن زيادة أسعار السلع الأساسية تؤدي لمزيد من الفقر في السودان المعلن رسمياً بأن معدلات الفقر فيه (47%) وسبعة واربعون في المائة، يعني نصف سكانه فقراء لكنهم مستورو الحال، وأغلبهم يعانون في الحصول على (طقه أو وجبة) واحدة في اليوم بسبب فشل السياسات الاقتصادية والمالية والاستثمارية لبعض وزراء هذه القطاعات السابقين والديناصورات الحاليين الذي مازالوا حتى اليوم ورغم كل الفشل والإخفاقات ينادون بدون خجل بزيادة الأسعار بحجة رفع الدعم المزعوم بدون إثبات وبيع مصانع السكر العامة التي شيدت بفكر وتخطيط ومتابعة بعض أبناء السودان الذين عملوا لسنوات طويلة، وحتى تركهم للخدمة بعد عشرات السنين لم يصل إجمالي مرتباتهم واستبدال معاشاتهم لمرتب وبدلات والامتيازات التي يتقاضاها أى واحد من قيادات الطبقة الحاكمة أو الوزراء في ثلاثة شهور كحد أقصى. ٭ إن المناداة بزيادة أسعار المحروقات والسكر والكهرباء والماء وضريبة القيمة المضافة والجمارك ورسوم الإنتاج مع زيادة قيمة الدولار الجمركي بمعدلات عالية تصل الى 91%، معناها للجميع ان تصبح قيمة الجنيه تسعة قروش، وبالتالي فإن الذي كان مرتبه مليون جنيه قبل أبريل2012م العام الماضي صار مرتبه الفعلي والحقيقي تسعين جنيهاً..؟!! وبالرغم من ذلك نشرت العديد من الصحف هذا الأسبوع ان نفس التوجه موجود حالياً بشدة لدى عقليات تغول الجباية، وهذا معناه الاصرار على زيادة معاناة أهل السودان، واذا ما فعلها أصحاب هذه العقليات فإننا بعد أشهر سوف نسمع أن كيلو اللحم البقري أصبح فوق المائة الف جنيه، وأيضاً سعر كيلو الطماطم والجبنة، وان حلة الملاح الشعبية سوف تكلف أكثر من الحد الادنى للأجور الذي حدد مطلع هذا العام ب(425) جنيهاً في الشهر، وترفض الإدارة الاقتصادية تنفيذه رغم انتهاء العام المالي الحالي الذي اعلنت خلاله. ٭ إن الموازنة العامة كما هو معلوم لكل مواطن بسيط تتكون مثل (دفتر الاستاذ من منه وله)، وللاسف الشديد فإن كافة قيادات الادارات الاقتصادية التي مرت علينا خلال عهد الانقاذ الحالي أهتمت وركزت فقط على شق واحد فقط لا غير وهو جانب الايرادات بأى شكل ومهما كانت آثاره المدمرة على باقي المؤشرات الاقتصادية العديدة، ونحن رغم كل الزخم نهتم فقط بواحد منها وهو مؤشر عجز الموازنة العامة وتحقيق الربط، لأن ذلك يحقق توفير الأموال للصرف على القطاع السيادي المتضخم لدرجة المبالغة المفرطة، وأيضاً يحقق صرف الحوافز والمكافآت الضخمة لكل العاملين بقطاعي جباية الضرائب المباشرة وغير المباشرة. ٭ المطلوب في هذه المرحلة بالتحديد والتي تمزق فيها السودان وانفصل جنوبه وزادت معدلات الانفلاتات الأمنية في غربه بدارفور وكردفان وبالنيل الازرق بل وحتى بالنيل الابيض بتكرار حوادث من نوع جديد في منطقة (جودة)، المطلوب الابتعاد كلياً من اتخاذ أية قرارات تؤدي لزيادة المعاناة مثل المناداة بزيادة أسعار البنزين والمحروقات والكهرباء والخبز والسكر والماء بحجة واهية وهى رفع الدعم بدون مبررات وأرقام حقيقية مقنعة فعلياً، والتوجه نحو تخفيض الإنفاق العام السيادي كالآتي: ٭ أولاً تخفيض عددية وهياكل الحكم الاتحادي الحالية للثلث وتسريح الثلثين بحيث تكون لدينا كأقصى حد «15» وزارة اتحادية وإلغاء ثلاثة أرباع المرافق العامة المعروفة رسمياً (بالمستقلة) وتتبع مباشرة للوزراء مثل الهيئات والمؤسسات العامة، وأخيراً ظهرت السلطات جمع (سُلطة) والمجالس القومية العديدة وأيضاً المجالس العليا العديدة والتي يقدر عددها بحوالى «177» مرفقاً عاماً، وحصرها في حوالي «40» مرفقاً عاماً داخل وزارات الحكومة الاتحادية، وبنفس القدر والنسبة تخفيض عددية وزراء الدولة ومن منهم في درجة الوزير ووزير الدولة والخبراء الوطنيين. وحقيقة لقد اندهشت ومعي كثيرون عندما نشرت الصحف المحلية في العام الماضي قرار مجلس الوزراء رقم «213» لسنة 2012م الذي شمل إعفاء «54» من الخبراء والمتعاقدين لأن هنالك عددية كبيرة بينهم معروفون بأنهم يشغلون مناصب أخرى في الدولة، مثل مديرو الجامعات وشركات ومؤسسات عامة، فهل كانوا يتقاضون المرتبات والبدلات والمخصصات والعربات مرتين؟! ٭ ثانياً تخفيض عددية المناصب الدستورية بالسلطات الإقليمية والولايات والمحليات للثلث وتسريح الثلثين، بحيث تكون لديها خمسة وظائف دستورية بالسلطات الاقليمية، وبكل ولاية من الولايات الثماني عشرة الحالية ودمج المحليات الحالية على الأقل بحيث تكون كل محليتين محلية واحدة، والتوقف نهائياً عن سياسيات الإرضاءات الجهوية ولأحزاب ورود الزينة لاقل عدد ممكن بدلاً من الانبهال الحالي، حيث لدينا اليوم حوالى «1500» دستوري تنفيذي في درجات سيادية ووزارية بالحكومة الاتحادي والولايات والمحليات، ولدينا حوالى «2500» تشريعي بالهيئة التشريعية القومية والاقليمية والولائية.. ولدينا صرف مالي كبير جداً في أسطولات عرباتهم ووقودها وتسييرها، حيث أن للقيادات في كافة السلطات الثلاثة في المتوسط حوالى ثلاث عربات خلاف العربات المخصصة لمكاتبهم التنفيذية والسكرتارية والحراس والمتابعة والموبايلات ونثريات المكاتب، وبالتالي فإن الحديث عن أن تخفيض عددية القيادات المختلفة بأنه لا يوفر الكثير حديث مردود وغير مقبول أبداً. ٭ ثالثاً: إن المطلوب بشدة وقوة في هذه المرحلة عدم إحداث أية زيادات في أسعار المحروقات وكافة السلع والضرائب المرشحة للزيادة بما فيها وأخطرها الدولار الجمركي، والمطلوب التوجه بقوة نحو تخفيض الصرف العام وخاصة السيادي منه. ٭ أقول ذلك لأنني متأكد جداً من عدم جدوى الزيادات المقترحة، خاصة أن الذين ينادون بها وسوف يقررون زيادتها لم يقفوا أمام طلمبة بنزين منذ يوليو 1989م عندما كان سعر الجالون اربعة جنيهات ونصف الجنيه وزادوه حتى بلغ اثني عشر ألفاً ونصف من الجنيهات، وزادوا جالون الجازولين خلال نفس الفترة من جنيهين ليصبح اليوم ثمانية آلاف جنيه، وزادوا رطل السكر من جنيه وربع ليصبح اليوم ثلاثة آلاف جنيه (بالقديم)، ولم يتوقف عجز الموازنة العامة.. واترك للقراء الكرام إحضار آلاتهم الحاسبة لمعرفة نسبة الزيادات المئوية. لذا يجب التوقف عن هذه الزيادات غير المبررة بحجة رفع الدعم، لأن تخفيض الدولار الجمركي يعني زيادة قيمة الجنيه السوداني، والعكس فإن رفع سعر الدولار الجمركي يعني تخفيض قيمة الجنيه السوداني رسمياً، وفي أبريل من العام الماضي خفضناها بنسبة91%، وهذا من جانب آخر يعني تخفيض متوسط دخل الفرد السوداني الذي كان أصلاً مقدراً بحوالي «500» دولار قبل ذلك التخفيض الكبير، وهذه المرة إذا ما خفض حسب ما نشرت بعض الصحف فهذا سوف يكون خطيراً ومخجلاً. ٭ خاصة أن معظم أهل السودان صاروا يعرفون جيداً أن الذين يقررون زيادة الأسعار لهم يتمتعون بمرتبات ضخمة وامتيازات عديدة خلال الخدمة وبعدها، وبعضهم يتملك عربات تبلغ قيمتها مليارات الجنيهات بوقودها مجاناً، وبعد الممات ربما تستمر بعض هذه الامتيازات لأسرهم. ٭ وخاصة أن الصرف العام قد ابتعد عن التعليم الأساس الذي صار ثلثه فقط من المحليات بدعم شعبي، أما العلاج فقد أصبح كله محرراً، والذي يود المغالطة عليه قراءة الاستغاثات اليومية بالصحف المحلية. «نواصل ان شاء الله». الصحافة