تقول دعاء (17 عاما) "أعمل خادمة منذ السابعة من عمري، ولم يسمح والدي باللعب مع الأطفال أو ان استكمل تعليمي، وأصارع منذ طفولتي مع أشقائي الخمسة الفقر والحرمان". ودعاء نموذج لكثير من الفتيات اللاتي تسعين للبحث عن حياة أفضل في المجتمع المصري من خلال العمل في منازل الأثرياء. وتضيف دعاء بنبرة حزينة "أنا واخوتي رأس مال الدي. يعتمد علينا بصورة أساسية في توفير مستلزمات الحياة، فكل شهر يقبض مرتباتنا. واختي الكبيرة استطاعت أن تزوج نفسها بدون أن تحمل والدي اي أعباء، وعلي أن أكون مثلها". وقالت دراسة قامت بها الجامعة الأميركية بالقاهرة بتمويل من السفارة السويسرية "إن عمل الأطفال ظاهرة تتزايد كل يوم في مصر، وتأخذ أشكال كثيرة من بينها عمل الفتيات منذ الصغر في المنازل بسبب الفقر الشديد". ووجدت الدراسة أن "2.5 مليون طفل يعملون في مصر كباعة متجولين في الشوارع أو في الزراعة أو البناء أوالمصانع والورش إلا أن عمالة الأطفال في المنازل تشكل أسوأ أشكال عمالة الأطفال، وتتجاهلها الدراسات والأبحاث الميدانية لسبب غير معلوم". وترى الدراسة "أن ظاهرة عمل الفتيات في المنازل المصرية تتزايد بشكل مخيف، ولا يوجد احصائيات موثقة عن عدد المتورطين في هذا القطاع، حيث لا تغطيها قوانين العمل الحالية أو المستقبلية، كما لا يوجد لهن أي حماية صحية أو اجتماعية مما يجعلهن أكثر الفئات ضعفا". وتسجل محاضر الشرطة العديد من الحوادث التي تتعرض لها الصغيرات أثناء عملهن في المنازل كانت أشهرها ما قضت به محكمة جنايات (شبين الكوم) ضد الممثلة وفاء مكي بالسجن لمدة عشر سنوات أشغال شاقة بسبب تعذيبها لخادمتها الطفلة مروة أحمد فكري. ويقول سمير نعيم الخبير الاجتماعي "إن الحكومة المصرية لا تستطيع طرح مشروع قانون لحماية الفتيات العاملات داخل المنازل رغم انها تعترف بمعانتهن ومشاكلهن". وأضاف "وجود قانون سيمثل فضيحة كبرى للحكومة لأنه اعتراف منها بعمالة الاطفال، وسيعطي لعملهن شرعية وهو ما يعد انتهاك فاضح لحقوق الطفل والاتفاقيات التي وقعت عليها مصر، كما لا تستطيع الحكومة تجريم أو منع عملهن في المنازل لأنه عمل غير مرئي إلى حد كبير ويحركه الفقر الشديد". وقال "ينبغي النظر لعمل الفتيات في المنازل على أنه مسألة أكبر من عمالة الأطفال، لأن عملهن هو انتهاك واضح لحقوق الانسان في مصر، مشيرا إلى عمل الأطفال في البناء والمشاريع السكنية في وضح النهار وأمام أعين الحكومة وينتهكون بعملهم قانون حماية الطفل". ويتهم نشطاء المسؤولين والسلطات الأمنية بتشجيع الفتيات الصغيرات على العمل في المنازل، حيث يقولون"إن المسؤولين يغضون البصر عن تزايد الظاهرة لأنهم مستفيدون من عمل الصغيرات في منازلهم، ويعتمدون عليهن بصورة مباشرة في تسيير منازلهم، ورعاية مصالحهم في مقابل حفنة من الجنيهات". ويضيفوا إن السلطات الأمنية تجند الصغيرات في أعمال التجسس داخل المنازل، خاصة عندما تعمل صغيرة في منزل معارض أو ناشط، وهو ما دفع المعارضون إلى الاعتماد على مكاتب العمالة في توفير الخادمات بصورة غير دورية الأمر الذي دفع الأمن لإخضاع أصحاب هذه المكاتب لسلطاتهم". ويقول صاحب مكتب خدمات رجال أعمال (مخدماتي) "الأمن يعتمد علينا في توفير المعلومات التي يريدها داخل بيوت المعارضين ورجال الأعمال والشخصيات العامة، ولا نستطيع رفض التعاون معه لأنه يعني وقف أعمالنا، خاصة أننا نعمل بالمخالفة لقانون العمل، ونتحايل على القانون لاستمرار أعمالنا وبالتالي ليس أمامنا طريق سوى التعامل مع الأمن والخضوع لطلباته". وأضاف "يضم مكتبي 50 فتاة صغيرة تتراوح أعمارهن ما بين 10 إلى 20 عاما، وغالبيتهن من القرى والمناطق الريفية وتعملن في المنازل بالنظام اليومي، حيث تتراوح أجرهن ما بين 50 إلى 100 جنيه (10 إلى 20 دولار) ولاستمرار عملهن عليهن ارضاء صاحب المنزل بأي وسيلة ولا نعرف في عملنا أي ممنوعات، كما على كل فتاة تنفيذ أي عمل يطلبه الأمن وإلا لن تعمل مرة أخرى". ووفقا لتقديرات الدراسة التي قامت بها مفوضية الاتحاد الافريقي في ثلاث محافظات بصعيد مصر فإن 53 ألف طفلة تعملن في محافظات الفيوم والمنيا وأسيوط من أصل 3 مليون و130 ألف أسرة تعيش في المحافظات الثلاثة تتراوح أعمارهن بين 9، 17 عام. وقالت الدراسة "أن الفتيات العاملات في المنازل تتعرضن للاعتداء الجنسي، والعنف، والإذلال، وأشكال أخرى من سوء المعاملة، وجميعهن حرمن من التعليم الأساسي واللعب والاستمتاع بطفولتهن". وأوضحت أن مرتبات الفتيات ضئيلة جدا تتراوح ما بين 100 إلى 300 جنيه (20 إلى 60 دولار) في الشهر، وغالبا ما يتم تسليم مرتباتهن إلى أسرهن في مقابل ساعات عمل تتراوح ما بين 5 إلى 8 ساعات في اليوم، في حين يطلب من بعضهن العمل لأكثر من 10 ساعات ، وهناك من يطلب منهن العمل على مدار الساعة. وأرجعت الدراسة سبب عمل الفتيات إلى الفقر الشديد الذي غالبا ما يصيب الأسر الريفية بصورة كبيرة، حيث قالت "أن الفقر والحرمان الذي انتشر في الأسر الريفية بصورة مخيفة يدفع الأباء إلى ارسال بناتهن للعمل في المنازل، وأن هناك كثير من الأسر تعتمد في حياتها على ما تجنيه من وراء عمل بناتهن". ويرى نعيم أن الاسرة التي تعتمد على عمل بناتها في توفير اساسيات الحياة تعاني من انتهاك حقوقها فليس لديها فرصة للعمل في وظائف لائقة أو اسكان جيد أو خدمات صحية وتعليمية، وغالبية الفتيات تعانين من نقص التغذية، ويفترسهن الجهل، وجميع حقوقهن الاجتماعية يتم انتهاكها بصورة يومية". وأضاف "أن عمل الفتيات في المنازل يعفي الآباء من تلبية احتياجاتهن، في الوقت نفسه يكون مصدر دخل لإعالة الأسرة، وبالنسبة لثقافة تلك الأسر فإن العمل المنزلي أفضل بكثير من العمل بالدعارة أو السياحة الجنسية". وتوصي الدراسة بضرورة حصر أعداد الفتيات العاملات في المنازل، ووجود تشريع للحفاظ على حقوقهن لتحقيق العدالة الاجتماعية والديموقراطية، خاصة أن الحكومة مسؤولة عن وضع سياسات اجتماعية جيدة تضمن حقوق الطفل وتقدم لهن الرعاية المناسبة