اتسع نطاق الاحتجاجات في السودان على قرار حكومة الرئيس عمر البشير رفع أسعار المحروقات, ودخلت منعطفاً خطراً بسقوط عشرات القتلى والجرحى خلال مصادمات بين المحتجين والأمن في حاضرة الخرطوم بمدنها الثلاث,وامتدت الاحتجاجات إلى كل مدن السودان من بور سودان شرقاً ومدن إقليم دارفور غرباً, حيث أحرقت ونهبت مؤسسات أمنية ومكاتب لحزب "المؤتمر الوطني" الحاكم, ولجأت السلطات إلى قطع خدمات شبكة الإنترنت في محاولة لمنع النشطاء من تبادل الدعوات للتظاهر والتنسيق للاحتجاجات, كما قررت إغلاق المدارس والجامعات إلى أجل غير مسمى. ولي أن اسوق الملاحظات الآتية: اولا: رد الحزب الحاكم الهلامي واقطاب السلطة المتداعية على الاحتجاجات السلمية كان عبر استخدام المزيد من العنف المفرط والقاء الاتهامات على الجميع وتوزيعها يمنة ويسرة في تخبط مزر, فاتهموا الجبهة الثورية (المظلة التي تجمع متمردي دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان) بالوقوف وراء هذه الاحتجاجات واعلنوا تحدي الشعب السوداني, وانهم ماضون في اذلاله مراهنين على شرطتهم وبعض قوات جيشهم في ازدراء للارادة الشعبية العامة, حيث اعلن "الاخواني" علي عثمان طه النائب الأول للرئيس السوداني أن الاحتجاجات لن تخيف الحكومة, وسيتم التعامل معها بموجب القانون (لا ندري عن اي قانون يتحدث الا اذا اعتبر ان القتل بالرصاص من اعمال القانون). ثانيا: ان الاحتجاجات يقودها الشباب السوداني الذي اعيته ممارسات البشير وحكومته من قمع للحريات ممتزجة بسياسات شعارها المزيد والمزيد من افقار الشعب السوداني, واهدار لثرواته عبر مغامرات يقودها ضد شعبه, فالحزب الهلامي اعلن الجهاد المقدس على شعبه, فليس صحيحا ان الاحتجاجات هي بسسبب ارتفاع الدعم عن المحروقات يقينا هي عود الثقاب الذي اشعل الفتيل لكن الاحتجاجات هي طلب للحرية والكرامة واستعادة الشخصية السودانية والهوية السودانية التي شوهها نظام "الاخوان" السوداني. فالحكم في السودان ليس حكما سلطويا فقط, بل هو في العمق حكم فاش على رقاب البلاد والعباد تحت ستار الدين, فمن المضحكات المبكيات ان يكون الاسلام وفق هؤلاء الفاشيين هو عنوان الظلم, واهدار الحقوق والاعتداء على الحريات واتساع الفساد في البر والبحر- فالفساد في السودان بلغ مبلغا لا يمكن تحمله او احتماله ولو كانوا راشدين لقللوا من الفساد ووفروا اضعاف ما يصرفونه على دعم الطاقة, كل تلك المظالم ترتكب باسم الاسلام . ثالثا: نتساءل أين الاحزاب السياسية اذ لا تجد لها اثرا, فهي احزاب أصبحت متأخرة عن ركب الثورات, احزاب نشأت تتعايش مع الظلم وتتكيف مع الظالمين, احزاب لا تجيد سوى التفاهمات والصفقات علناً وسراً, وقادة لا يعرفون سوى المؤتمرات الصحافية والبيانات النارية, احزاب انتهى عمرها الافتراضي كالنظام الذي انتهى عمره الافتراضي, كلهما منظومة عفنة من الفساد والخضوع والخنوع, والا كيف نفسر انه كانت قد ازمعت على الاجتماع لبحث الانتفاضة الكبرى ومنعتها الحكومة من اي نوع من المعارضة تلك, واين قواعدها الجماهيرية?! لا تجدهم في المواقف الكبرى, ولا في الملمات الوطنية, ولعلها تسقط مع النظام . رابعاً: رغم القتل بالرصاص الحي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان اين صوت الراعى الاميركي, ولماذا لم نسمع ولو انتقاداً واحداً للحكومة الفاشية "الاخوانية" هي وتابعها الأوروبي, وسبق ان اكدنا علاقات تبعية هذا النظام الذي فرط في الثوابت, ومزق المواطن, واضاع نصف السودان, وفي طريقه للتفريط في ابيي وهو متماه مع المصالح الاميركية بدليل ان واشنطن تعين منذ سنوات طوال مندوبا لها في السودان لمساعدة الحكومة المتداعية على تنفيذ الاجندة الأميركية في التمزيق والتجزيء والبتر. وما حكاية اصرار البشير على الحصول على تأشيرة من سفارة اميركا في الخرطوم الا من نوادر الزمان لرئيس مطلوب في المحكمة الجنائية الدولية ويريد الطيران ساعات فوق اجواء دول منضمة للمحكمة, ويستلزم عليها القاء القبض عليه الا اذا كان مطمئنا لوعود اميركية مقابل التنازل عن ابيي وبعدها دارفور وهلم جرا والحبل على الجرار . نقولها إن الشعب السوداني الأبي لن يرهبه الرصاص فقد اجتاز شبابه الخوف والهلع وتركهما لاقطاب النظام الحاكم, ومعارضته المستأنسة الخانعة وجميعهم في السياق السياسي الاقتصادي ساقطون بحكم الضرورة والتاريخ. خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية [email protected]