حذر مختصون في قضايا الأسرة وحقوقيون في السعودية من تنامي ظاهرة عضل أولياء الأمور لبناتهم، وطالبوا الجهات المختصة بمحاولة إيجاد حلول سريعة لهذه المشكلة قبل أن تتفاقم أكثر، وأكدوا في حديثهم ل"العربية.نت" أن الأمر لم يعد مجرد حالات فردية بعد وصول العشرات منها إلى أورقة القضاء، وأنه قد ينعكس بشكل سلبي على المجتمع بعد أن يدفع كثيراً من الفتيات المعضولات الى الانحراف. ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة حول هذا الأمر شأنه شأن الكثير من القضايا الاجتماعية السعودية إلا أن تقارير إعلامية تؤكد أن الأمر في ازدياد، وكشفت تقارير رسمية أن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تلقت أكثر من 50 شكوى من سعوديات رفض أولياء أمورهن تزويجهن خلال الخمسة أشهر الأخيرة فقط، ولم تكن قضايا سمر بدوي وغيرها حدثاً نادراً، فمصادر قضائية تؤكد أنه تم الفصل قي 213 قضية عضل في عام 2007 فقط، وتضاعف الرقم إلى أكثر من 480 قضية في العام الجاري فقط، وذلك حسب تقارير غير رسمية. وكان الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، مفتي عام السعودية رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، قد حذر أولياء الأمور من مغبة التحجير وعضل المرأة، وذلك بإرغامها على الزواج ممن لا توافق عليه، أو منعها من الزواج بمن رضيت، معتبراً ذلك أحد موروثات العادات الجاهلية التي أبطلها الإسلام. ويقول رئيس جمعية حقوق الإنسان السعودية د. مفلح القحطاني في حديثه ل"العربية.نت": "بغض النظر عن العدد فإن هذه الحالات تدخل ضمن تصنيف قضايا العنف الأسري، والعضل أمر منهي عنه شرعاً، لهذا نحن نعمل على توفيق الأمر بين الفتاة ووليها بما يمكنها من الزواح عبر إقناع وليها وإفهامه أن هذا الأمر يلحق ضرراً كبيراً بالفتاة، ولكن في بعض الحالات لا يكون هناك تجاوب من الولي فيتم تحويل الأمر الى القضاء عبر تقديم المشورة والنصح للفتاة بهذا الأمر للنظر في عضل وليها لها بشكل قضائي بما يمكنها من الحصول على حقها". وتابع: "الأمر لا يصل إلى ظاهرة في السعودية.. فهناك أسر كبيرة تسعى إلى تزويج بناتها ولكن لأن الأمر كبير فنحن نهتم به، خاصة أن هناك فتوى من مفتي عام السعودية بعدم جواز هذا الأمر من الولي، وبالتالي لابد أن يكون هناك تجاوب مع هذه الجهود لمنع هذه الحالات بشكل تام". ويعترف القحطاني بأن في بعض القضايا لا يكون الحكم في صالح الفتاة على الرغم من وضوح الدعوى. ويقول: "قد يكون هناك تباين في آراء القضاة، وقد يكون للقاضي وجهة نظر معينة، ولكن هناك درجات للتقاضي فإذا لم تنصف المحكمة الابتدائية الفتاة فقد تحصل على حقها في محكمة الاستئناف أو المحكمة العليا، وفي الغالب تحصل على حقها لأن هناك حالات تختلف على أرض الواقع، وقد يرى القاضي أن اتهام الفتاة لوليها بالعضل ليس قانونياً لرفضها بعض الخاطبين ورغبتها في آخر غير مناسب لعائلتها، وهذا يعد خلافاً أسرياً وليس عضلاً". وذكر أن مسألة "تحديد سن لعضل الفتيات أمر غير وارد في الوقت الحالي"، مشيراً إلى أن هناك فتاوى لهيئة الإفتاء السعودية تحرّم عضل المرأة، وتجيز لها اللجوء إلى القضاء للحصول على إذن القاضي لتزويجها عندما تقفل جميع الأبواب في وجهها. قضايا الهروبويحذر المتخصص في التنمية البشرة الدكتور مريد الكلاب من تأثير هذه القضية السلبي على المجتمع الذي قد يدفع الفتيات المحرومات من الزواج بأمر وليها إلى الانحراف أو حتى الهروب من المنزل. ويقول في حديثه ل"العربية.نت": "لهذه المشكلة سلبيات كبيرة قد تصل إلى انحراف الفتيات.. وهو سبب رئيس لانحراف الكثير منهن لأن الله سبحانه وتعالى أوجد احتياجاً إنسانياً والنافذة الطبيعية لتحقيقه.. وعندما نمنعها كبشر من هذه النافذة فنحن ندفعها الى نوافذ غير صحيحة.. وقد تؤدي هذه المعاناة إلى الانحراف المباشر أو غير المباشر من خلال المعاكسات واللبس غير المحتشم، وربما يصل الى هروب الفتاة من بيت أهلها، ولا يجب علينا أن نغض الطرف عن هذا الأمر بل أن نعترف به بشجاعة". وشدد الكلاب على أن القضية ليست وليدة اليوم بل هي قديمة ولكن لم يكن في السابق من المسموح التطرق لها. ويضيف: "هي مشكلة كبيرة وموجودة منذ سنوات ولكنها بدأت تظهر بشكل كبير أخيراً لارتفاع الوعي لدى الفتاة السعودية الذي أوصلها للتحدث عن مشكلتها، وهي نتيجة إيجابية آمل أن تؤثر على المسار العام الذي هو نتاج ثقافة حجر الأب على مستقبل ابنته لدرجة أن يمنعها من الزواج للاستحواذ على دخلها المادي.. وهذا أمر فيه ظلم شديد على الفتاة". ويتابع: "نحن في اتجاه جيد بعد أن بدأ الإعلام في التحدث حول الأمر وتسليط الضوء عليه.. ويفترض على كل منابر الطرح الهادئ أن ترفع صوتها لرفع ثقافة الآباء وأيضاً الفتيات لكي لا يستسلمن لهذه المأساة خوفاً من رفع صوتها.. فالفتاة التي ترفع صوتها وتعبر عن نفسها هي الإيجابية والمحقة ويفترض أن القاضي يسأل وليها عن سبب ظلمه لها ومنعها من حقها الشرعي بالزواج". فتاوى تحرّمورغم صدور الكثير من الفتاوى الرسمية من هيئة كبار العلماء تحرم عضل الأب لابنته من أجل الاستيلاء على راتبها إلا أن هذا الأمر مازال مستمراً، وقال عضو هيئة كبار العلماء الشيخ قيس آل مبارك في معرض تعليق له على شكوى إحدى الفتيات: "إن الأب الذي يعضل ابنته ويمنعها من الزواج يترتب عليه ذنب كبير، وليس من العقوق أن تلجأ البنت إلى القضاء لترفع ولاية والدها عنها إن عضلها ومنعها من الزواج". وأضاف الشيخ آل مبارك: "العضل ليس أمراً سهلاً، وهذا خطأ كبير من الأب، ولذلك أبيح لها أن تشتكيه عند القاضي، على أن تشتكيه بكل أدب ولطف، وهنا على القاضي أن يستدعي الأب شرعاً وأن يسأله لماذا لم تزوجها الرجل، فإن كان فيه عيب، كأن يشرب المنكر أو لا يصلي، وإذا لم يكن فيه عيب يقول له القاضي أنت مخيّر بين أمرين: إما أن تزوجها أنت أو أن أزوجها أنا (أي القاضي)، أو أن يعين لها عمها أو خالها ليكون لها ولياً في التزويج". وما يضاعف من المشكلة هو أن الأب يستطيع الرد على قضية العضل بقضية عقوق ويكون القاضي في جانبه ويحكم لصالحه، كما فعلوا في قضية سمر بدوي وقضية طبيبة الأسنان والعشرات غيرهن.