جاء في الجزء الثالث من اتفاق ميشاكوس الإطاري في المادة 1-3 النص الأتي - فيما يخص جنوب السودان تنشأ حكومة جنوب السودان علي أساس الحدود القائمة بتاريخ (1-1-1956) ولكن وفد التفاوض الحكومة وافق علي خرق ما اتفق عليه وقبل فتح ملف التفاوض بإدخال موضوعات جديدة منها قضية أبيي ومنذ تلك اللحظة تزحف أبيي نحو الجنوب وفي كل جولات التفاوض كانت الحركة الشعبية بقيادة الدكتور جون قرنق تكسب نقاط جديدة ويخسر وفد المؤتمر الوطني ووصلت قضية أبيي قمة التعقيد والتشابك بالإستفتاء الأخير صحيح أنه إستفتاء من جانب والصحيح أيضاً أن الطرف الثاني غائب ورغم أن الاتحاد الافريقي رفض الإعتراف بالاستفتاء الأحادي الجانب إلا أن الخطوة تعد بمثابة موقف تكتيكي عميق الدلالات من حكومة جنوب السودان والحركة الشعبية ، وهي تعني أيضاً إستخدام العملية كورقة ضغط وتدريب عملي علي ماهو مقبل. ومنذ فترة ليست بالقصيرة كان الكثير من قيادات وأعيان المسيرية يقولون في السر والعلن أن مسيرة التفاوض في نيفاشا بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية تمضي بعيداً عن مصالح المسيرية وأن أبيي بدأت تزحف جنوباً ، و من قبل كتب عبد الرسول النور محذراً من مسيرة العملية التفاوضية في نيفاشا وقال النور " وكان المسيرية يتوحسون خيفة من مجريات الأحداث ويعيشون في توتر وشك مظلم ولم يكن للمسيرية دور أصيل في المفاوضات مثلما كان لرصفائهم دينكا نقوك ". وهنا تثور الكثير من الأسئلة حول دور أبناء المسيرية في المفاوضات وفي النتائج المترتبة عليها وهل صحيح أن المؤتمر الوطني قرر في قضية أبيي دون مشاركة المسيرية ، والوقائع تؤكد أن الكثير من قيادات وأعيان المسيرية شاركوا في المراحل المختلفة للتفاوض وقد تكون هناك ملاحظات حول حجم ودور المسيرية في وفد التفاوض الحكومي ، وفي مفوضية ترسيم حدود أبيي في العام 2005 م كان الجانب الحكومي السوداني يضم السفير الدرديري محمد أحمد واحمد صالح صلوحة وعبد الرسول النور ،و كان الوفد السوداني يقول دائماً " نملك أدلة وحجج وبراهين ومستندات ووثائق دامغة " ثم كانت المحصلة أن أبيي زحفت جنوباً ولاندري مصير وثائق الحكومة .في النهاية الحكومة رفضت قرار لجنة خبراء أبيي ثم رفضت بصورة أو بأخري قرار محكمة التحكيم الدولية في لاهاي وثم أخيراً رفضت الإستفتاء الأحادي الاجانب ، ونظرياً تبدو أبيي أقرب إلي الجنوب أكثر من الشمال ، ومن الجوانب الهامة في ملف أبيي أن قضية أبيي في دولة جنوب السودان أصبحت قضية رأي عام في حين ظلت أبيي في السودان مجرد قضية تخص المسيرية والحكومة وهذه من النقاط التي تستحق التوقف والفحص لمعرفة طرائق التفكيرفي إدارة الملف في السودان. كانت الحكومة السودانية تعتقد أن منطقة عموديات دينكا نقوك التي تم وضعها تحت إدارة كدرفان تقع جنوب بحر العرب في حين جاء تقرير الخبراء مخالفاً لما كانت تعتقده الحكومة السودانية والمسيرية وقالت لجنة الخبراء في أكثر من موضوع أن أن زعم الحكومة والمسيرية لايدعمه سند وثائقي أو بينة جوهرية ، صحيح موضوع تقرير لجنة الخبراء انتهي ولكن الصحيح أيضاً وبعيداً عن مايكن أن يقال عن إنحيار أعضاء لجنة الخبراء هناك أخطاء جوهرية وكبيرة وقع فيها وفد التفاوض الحكومي يدفع المسيرية الآن ثمن تلك الأخطاء ، وقال عبد الرسول النور في هذه النقطة " فتح التفاوض حول مناطق شمالية بأي ذريعة لم يكون مقبولاً إلا علي مضض ونتيجة للضغوط الدولية الهائلة علي الطرف الحكومي وتسليط سيف العقوبات علي الرقاب ". ومن كلمات النور ومن خلال الوقائع الكثيرة نجد أن الحكومة السودانية تساهلت في قضية أبيي وهي تحصد اليوم مازرعته بالأمس وتوقفت الحكومة في محطة التعايش السلمي بين المسيرية والدينكا ودخلت قضية أبيي طور أكثر تعقيداً وخرجت من الإطار الوطني والواقع الآن لايأبه كثيراً لما يقال عن إرث المنطقة والتعايش والتقاليد والأعراف المشتركة ، يري عدد قادة وأعيان المسيرية أنهم مثل ماكانوا وقوداً للحرب سيكونون كبش الفداء الذي تراق دماؤه لمصالح غير مصالح المسيرية. وتري كثير من الجهات أن قضية أبيي وصلت أعلي مراحل التعقيد وبدأ صبر المجتمع الدولي ينفذ تجاه سير حل القضية ويري بعض المراقبون أن موضوع التقسيم ربما أطل برأسه مجدداً بمعني أن يتم تقسيم المنطقة بين السودان وجنوب السودان و ينتقل المجتمع الدولي إلي بحث المراحل الأخري من عملية تطبيع العلاقة بين السودان وجنوب السودان ، التعقيد الذي يلازم القضية يأتي من ناحية مراكز القوي هنا وهناك ، في جنوب السودان ضغوط مكثفة تمارس بصورة يومية علي حكومة الجنوب وهنا تجد حكومة المؤتمر الوطني نفسها أمام واقع صعب لا مجال للفكاك منه إلا بثمن ضخم جداً لاتقوي علي دفعه الآن. تبقي ملاحظة أخيرة في دفتر أبيي ، الكثير من أبناء دينكا نقوك يعتبرون الحديث عن التعايش السلمي كنوع من لغو الحديث وأنه لامعني له الآن ويري الكثير منهم أن العلاقة مع المسيرية دائماً كانت متوترة وأن هناك دماء كثيرة سالت ولذلك لابديل غير ضم أبيي لجنوب السودان ، ومن جانب أخر تبدو القضية من خلال التطورات والتعقيدات الكثيرة التي لازمتها أكبر من أن تحل بترديد بعض الأقوال والكلمات المحفوظة. وتضرر المسيرية كثيراً من الربط بينهم وبين المؤتمر الوطني بينما ظل دينكا نقوك يسندون ظهرهم علي الأسرة الدولية والدول الأفريقية وخاصة في ظل أنهم لايميزون كثيراً بين المسيرية والمؤتمر والوطني. [email protected]