توقع مختصون سعوديون فى الشأن الاقتصادى أن تنخفض عمليات التحويلات المالية إلى خارج السعودية خلال الفترة المقبلة، بسبب حملات تصحيح أوضاع العمالة الوافدة في البلاد التى بدأ تطبيقها بداية الشهر الجارى. وأشار الاقتصاديون السعوديون إلى أن الانخفاض فى التحويلات المالية سيصل إلى 60′ نظرا لسفر الكثير من العمال المخالفين الى بلدانهم وخروجهم عن المشهد الاقتصادي. وقال الدكتور حامد المطيري، من جامعة أم القرى والباحث في الاقتصاد الخفي والأنشطة غير المشروعة، لوكالة الاناضول للانباء إن عملية التصحيح ستسهم في كبح جماح التحويلات النقدية الى خارج السعودية، وان من المتوقع أن تنخفض قيمة المبالغ النقدية المحولة الى الخارج بأكثر من 60′. وقالت مجلة (إيكونوميست) الاقتصادية البريطانية واسعة الانتشار فى عددها للأسبوع الجارى إن السلطات السعودية ستقوم بترحيل حوالي 10′ من إجمالي العمالة الوافدة البالغة حوالي 9 ملايين شخص خلال عام، اي ما يعادل 900 ألف عامل. وأضاف المطيري ‘أن مكةالمكرمة تعد من المناطق ذات النسبة الاكبر من حيث تواجد العمالة الاجنبية، بالإضافة الى أنها منطقة جذب للملايين من المسلمين القادمين بهدف أداء العمرة والحج، وهي كمثيلتها من المناطق الاخرى يتواجد فيها أعداد ضخمة من العمالة والمقيمين المخالفين، والذين كانوا يصدرون أموالا طائلة منذ عقود طويلة من السنوات، مما أثر سلبا على مردود الاقتصاد الوطني، حيث أن الغالبية الاكبر من الاموال في تلك الفترة كانت تذهب الى الخارج بعيدا عن القنوات المشروعة'. وأوضح الباحث أن السعودية لوحدها كانت مصدرا لحوالي 50′ من التحويلات النقدية للعمالة الاجنبية الموجودة في الخليج. وأشار الباحث إلى دراسة نشرها البنك الدولي في وقت سابق تناولت قياس حجم الاقتصاد الخفي، حيث احتلت السعودية المرتبة ال24 في هذا المجال من بين 151 دولة، وهي مرتبة متقدمة مقارنة بالعدد الكلي. وقال محسن السروري، الخبير الاقتصادي والمقيم في مكةالمكرمة، إن انعكاسات وآثار تصحيح أوضاع العمالة المخالفة ستكون إيجابية، وستصب في مصلحة الاقتصاد السعودي والمواطن والمقيم النظامي، إلا أن ‘آثار تلك العملية التصحيحية ستتفاوت بحسب تصنيفات العمالة المخالفة نفسها وبمدى تركزها في مكونات وأنشطة الاقتصاد الخفي. ومع ذلك أبدى السروري قلقه من احتمال نشوء فجوة كبيرة في عملية البيع والشراء نظرا لاستغلال ‘اصحاب النفوس الضعيفة اغلاق الكثير من المحال التجارية، ليعمدوا الى ضرب المستهلك في رفع اسعار سلعهم، وخصوصا اسعار مواد البناء، نظرا لان مكةالمكرمة تعد من اكبر المناطق في السعودية نموا في تنفيذ المشاريع التنموية'. ويقول رجال اعمال محليون ان الحركة الاقتصادية في مكةالمكرمة بدأت تشهد ركودا، جراء عملية الاغلاق التي تشهدها محالها التجارية، التي لم تستطع انهاء اجراءات تصحيح عمالتها. وأقدمت بعض المحال التي تقع داخل أحياء العاصمة المقدسة على فتح ابوابها ليلا بعيدا عن أعين لجان متابعة العمالة المخالفة، حيث تتواجد تلك الاسواق العشوائية في أحياء مشهورة بالعاصمة المقدسة، كسوق شارع المنصور، وسوق النكاسة، والمسفلة. ولا تزال الجهات المعنية بتصحيح إجراءات العمالة المخالفة، كدوائر الجوازات ومكتب العمل والغرفة التجارية بمكة، تستقبل معاملات الراغبين في تعديل أوضاعهم، خصوصا وأن وزير العمل السعودي قد صرح عشية انتهاء مهلة التصحيح أن الاجراءات قائمة ولكن المميزات التي منحتها السلطات في فترة التصحيح من اسقاط الرسوم والغرامات المالية تم تجريدها بعد انتهاء هذه الفترة. وتفرض تعديلات جديدة في قانون العمل السعودي على العمال العمل عند كفلائهم فقط ومنعهم من العمل عند شخص آخر غيره. كما تفرض عقوبات تتضمن السجن لمدة قد تصل إلى عامين وغرامة مالية تصل إلى 100 ألف ريال في حالة مخالفة ذلك. وكان'طلعت حافظ، أمين لجنة الإعلام والتوعية المصرفية بالبنوك السعودية، قد صرح في وقت سابق أن ‘معدل الحوالات المالية للعمالة الوافدة انخفض من 100 مليار ريال إلى 95 مليار ريال بنسبة انخفاض بلغت 5′، أثناء مهلة التصحيح' والتي انتهت في الخامس من الشهر الجاري.' وكانت التحويلات المالية للأجانب في المملكة قد ارتفعت إلى مستوى قياسي خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2013 وبلغت نحو 86.3 مليار ريال وهو ما يزيد بنسبة 14.9′ مقارنة بالفترة نفسها من العام 2012. وذكرت دراسة أعدها مركز الدراسات في أكاديمية الجزيرة العالمية السعودية أن نسبة العمالة الوافدة التي تتقاضى راتباً أقل من ألفي ريال هي 86′ من حجم العمالة الوافدة بالسعودية، وأن نسبة السعوديين العاملين تبلغ 88′، بينما نسبة العاطلين 12′. وبحسب نفس الدراسة فقد وفر القطاع الخاص خلال السنوات الخمس الماضية نحو 3 ملايين وظيفة. وبحسب التقرير الذي نشرته مجلة (إيكونوميست) قال مصطفى النيفاوي، رئيس الجمعية المصرية للعاملين بالخارج والمقيم بالمملكة العربية السعودية، للأناضول الأسبوع الماضى إن نحو 25′ من المصريين في السعودية البالغ إجمالي عددهم 2.5 مليون مصري، يواجهون حاليا شبح الاعتقال والترحيل. ويقول تقرير ال(إيكونوميست) إن عدد من ‘ينتظرون الترحيل ارتفع بشكل كبير، بعد أن بدأت السلطات السعودية في الخامس من الشهر الجاري حملة تفتيشية ضخمة شملت جميع مناطق المملكة، أسفرت عن القبض على عشرات الآلاف من العمال المخالفين لأنظمة الإقامة والعمل. ‘ومنذ ذلك الحين تشن الشرطة السعودية حملات مداهمة على مواقع العمل والمناطق التي يعيش فيها العمال الوافدون، حيث سلم الآلاف أنفسهم طواعية، وتجمع البعض في الأماكن العامة ويحملون الأمتعة في أيديهم في انتظار الاعتقال والترحيل إلى الوطن مجانا. ويعود مصطلح ‘تصحيح أوضاع العمالة' إلى السادس من شهر نيسان/ابريل 2013، بعد أن أصدر العاهل السعودي، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ، قرارا يقضي بإعطاء العاملين المخالفين لنظام العمل والإقامة في المملكة فرصة لتصحيح أوضاعهم مدتها ثلاثة أشهر'. وجاء القرار إثر حملة ضبط واسعة قامت بها وزارة العمل السعودية بالتعاون مع الجهات الأمنية. ويشير تقرير المجلة البريطانية إلى أن بعض العمال المخالفين يفضلون المقاومة. ففي العاشر من الشهر الجاري توفي شخصان عندما داهمت الشرطة سكن مواطنين اثيوبيين في أحد الأحياء الفقيرة في الرياض، العاصمة السعودية، ما أثار أعمال شغب. وتسببت الحملة في حدوث اضطرابات أخرى. فقد نفذ حوالي 6 ألاف من عمال نظافة الشوارع في مكةالمكرمة، ومعظمهم من بنغلادش، إضرابا لمدة خمسة أيام احتجاجا على المضايقات من قبل سلطات الهجرة وكذلك عدم دفع الأجور وسوء ظروف العمل. ‘وبينما يخشى الكثيرون من العمال اليدويين وشبه المهرة الحضور للعمل، أصبحت خدمات حيوية مثل توصيل المياه، والضخ من خزانات الصرف الصحي وغسل جثث الموتى متوقفة جميعا، كما أن أسواق الجملة وأسواق المدينة أصبحت تعمل بوتيرة أقل من الطبيعي. ‘ وتنقل ال(إيكونوميست) عن صحيفة (المدينة) السعودية قولها إن أكثر من ‘نصف 200 ألف شركة مسجلة في مجال مقاولات البناء قد أغلقت مؤقتا. ويقول تقرير المجلة البريطانية إن مشاكل مماثلة ظهرت عندما بدأ تطبيق القواعد الجديدة في الربيع الماضي، مما دفع إلى تأجيل موعد التطبيق لسبعة أشهر، ولكن هذه المرة يبدو أن السلطات السعودية مصممة على إنهاء المهمة. وتهدف الحملة التي تشنها السلطات السعودية إلى تنظيم تدفق الهجرة إلى المملكة الغنية بالنفط وفتح الفرص أمام العمال السعوديين، في إطار حملة طويلة الأجل نحو ‘السَعوَدة' في سوق العمل، وتتضمن فرض حظر على عمل الأجانب في بعض المهن، وحملة على الشركات التي تقوم باستيراد العمالة الوافدة، التي تمثل ثلثي إجمالي القوى العاملة بالمملكة، وبالخصوص في القطاع الخاص'. ويقول التقرير إن الحملة تهدف إلى خفض معدل البطالة في المملكة، البالغ 13′ حسب الارقام الرسمية والتي يعتقد أنها ترتفع الى 26′ بين الشباب. وعلى الرغم من أن الحد من القوى العاملة الأجنبية يوفر نظريا الوظائف للسكان المحليين، يبدو أن قليلا من السعوديين يبحثون عن ذلك. ‘ويتوقع بعض الاقتصاديين أن تؤتي الحملة أكلها على المدى الطويل، باعتبار أن الارتفاع العام في تكاليف العمالة يجعل السعوديين أكثر انجذابا إلى الوظائف ‘الأقل مكانة'، حيث ظلت الأجور منخفضة لفترة طويلة بفضل وفرة العمالة الأجنبية. ويقول منتقدون للحملة إنه كان يمكن للحملة ان تحقق أهدافها مع استخدام وسائل أقل قسوة وبدون اطلاق يد الشرطة في التعامل العنيف مع العمالة الاجنبية. ويرى واضعو التقرير أن الكثيرين من المهاجرين خالفوا بالفعل القوانين السعودية، ليس عمدا ولكن بسبب عدم عدالة نظام تأشيرة الكفالة الذي تطبقه المملكة، والذي يتطلب أن يكون لدى كل مهاجر كفيلا سعوديا يطلب عادة رسوما سنوية مقابل توفير الغطاء القانوني. "ويقول التقرير إن ترحيل العمالة الوافدة لا يصب في صالح أجيال من السعوديين اعتادوا أن تخدمهم طبقة دنيا تتمتع بقليل من الحقوق، ويعتبر معظم الأسر السعودية العمال المغتربين ضرورة وليس ترفا لأسباب متنوعة منها منع النساء من قيادة السيارات. وبدأت السعودية مطلع العام 2012 بفرض إجراءات واسعة للحد من البطالة بين السعوديين وخفض عدد العمال الأجانب الذي يصل عددهم' لنحو 9 ملايين شخص وهو ما يعادل أكثر من 30′ من سكان البلاد. كما سنت المملكة أنظمة وعقوبات صارمة للحد من ‘التستر التجاري' والذي يعرف بأنه ممارسة الوافدين للتجارة من خلال مواطنين سعوديين، لاسيما بعد أن كشفت بيانات وزارة العمل إن مجموع رواتب العمالة الأجنبية بلغت 84 مليار ريال سعودي، بينما بلغت الحوالات التي خرجت من المملكة نحو 125 مليار ريال، أي بزيادة بلغت 41 مليار عن الرواتب، وسبب الزيادة يعود لنشاطات التستر التجاري، بحسب وصف الوزارة. والسعودية هي أكبر اقتصاديات الشرق الأوسط على الإطلاق، وأكبر مصدر للنفط في العالم، وتمتلك احتياطي من النقد الأجنبي يصل إلى 700 مليار دولار، يتعدى احتياطيات الدول العربية الأخرى مجمعة. وقالت وزارة العمل السعودية مطلع تموز/يوليو الماضي أن أعداد العمالة الوافدة بالقطاع الخاص تبلغ 7.35 مليون عامل. ولا يشمل هذا الرقم العمالة المنزلية. وبلغ عدد سكان السعودية نهاية 2012 نحو 29.2 مليون نسمة، 19.8 مليون منهم سعوديين يمثلون 68′ من السكان، والاجانب 9.4 مليون نسمة يمثلون 32′. وتشكل العمالة الوافدة في السعودية 55′ من إجمالي القوة العاملة البالغ قوامها نحو 11 مليوناً. الدولار يساوي 3.7 ريال سعودي'. القدس العربي