منذ أن صعد الإسلاميون إلى سدة الحكم قبل حوالي ربع قرن، وحتى الآن،نجحوا بامتياز في لفظ الإبداع حتى أن السياسة ذاتها باتت بلا إبداع،الإهمال المتعمد الذي طال قطاع الفنون والإبداع،جاء مباركاً نتيجة لأسلمة المجتمع بالقوة،وإلغاء كافة الثقافات،والأسلمة في منظورهم تعني ألا فنون ولا سينما ولا دراما،وأن الهوية في شاشات تلفزيونات الدولة وفي الشارع العام هي إسلامية،لدرجة أن تأسلمت لافتات المحال التجارية في حالة نفاق لا تتكرر على الأرض،هوية جديدة لا تعترف بجراري،ولا وازا ولا نُقارة،ولا تعرف ثقافة أم بررو ولا ثقافة هدندوة،فكان هذا الغثاء المنفر الذي ولّد حالة من السلفية الإبداعية حتى وسط المجتمع،والذي بلغنا به الآن إلى مرحلة جفاف إبداعي لا ينتمي إليه أحد،بل أن بعض ممن الذين أطروا لهذه الثقافة التي تمت أسلمتها الآن يتنكرون لها،ويهرولون تجاه اللحاق بالثقافات المحلية وإبرازها،وفي تلفزيون السودان نموذجاً،حيث بدأ يفيق من غيبوبة هويته التي تم تطميسها عنوةً... إن مقاطعة للفنون والإبداع وتشريد للمبدعين بهذا الحجم من الكراهية لم تحدث في العصر الحالي إلا بالسودان،وإن كفراً بالإبداع لم يعتنقه أكثر من الإسلاميين الذين يكمن إسلامهم في المنع،المنع دون أي شيء...نتوجع جميعاً حينما نرى شاشات العالم تحتفي بثقافات شتى تعلوها ثقافات السودان الآفروعربية،بينما نحن نعاني الحرمان من مجرد الاعتراف بها ناهيك عن الاحتفاء،ويقتلنا الغبن حينما يحتفي العالم بإصدرات سينمائية عربية وأفريقية وغربية،تخلو من إسم السودان،وهو بلد صاحب تاريخ في السينما وصاحب ثقافات متعددة كفيلة بأن يتصدر السودان كافة الجوائز العالمية في صناعة السينما والدراما ليس هناك شك في أن الإهمال بلغ ذروته في قطاعات الثقافة والفن ليس له مبرر،ولا خلاف حول ما آلت اليه الفنون بمختلف ضروبها،في حين أن الفنون وحدها هي ما تقدر على إزاحة هذا القبح وإحلال الجمال مكانه،السياسة فشلت في عكس وجه محترم لهذا البلد،كما أن الدبلوماسية فشلت،لماذا لا تأخذ الفنون موضعها الطبيعي في عكس وجه حسن لهذا البلد الذي قبحته الحروب والنزاعات والتنافس المريض على السلطة،وكم ظُلم إنسان هذا البلد بمثل هذه الأفعال..تجتهد مجموعة من الشباب هذه الأيام للنهوض بالسينما،بعيداً عن الدولة التي غير معنية بهذا القطاع فيما يبدو،بدأ هؤلاء الشباب يجهزون حالهم هذه الأيام لإطلاق مهرجانا للسينما السودانية،وأعتقد أنها بذرة في طريق جاد للنهوض بالسينما السودانية التي دُفنت وهي تتنفس،اتركوا هذا الهوس،فما عجزت عنه السياسة طوال ربع قرن،الفنون قادرة على فعله لو تُركت حرة دون تدخل،هذا المهرجان بذرة حقيقية يحتاج إلى الدعم في طريق أن يستمر،لتنطلق السينما والدراما وبقية الفنون المُجمدة،ويتوقف هذا الجفاف. = الجريدة [email protected]