سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيكل والسودان .. العلاقة الملتبسة
نشر في الراكوبة يوم 13 - 01 - 2014

في عموده بصحيفة اليوم التالي قال الاستاذ الزميل عثمان ميرغني معلقا على ما اورده الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل بشأن السودان في مقابلة تلفزيونية إن هيكل صحفي وكاتب مصري رقم.. لا يمكن الانتقاص من قدره أو تقديراته حتى ولو كانت عكس ما نشتهي معلفا على مقال الأخ العزبز خالد موسى المطول منتقدا عيوبنا التي اعطت الآخرين مادة لتناول السودان بقدر من الاستخفاف وفي اي احسن الأحوال النقد المنقوص للمعلومة الضرورية واللازمة لنقد أي مشهد كان سيما من كاتب صحفي اي كان زانا اتفق معه في ذلك رغم اني شديد الاعتزاز بوطنية وغيرة الأخ حالد موسى .
وحتى تكتمل صورة المشهد فقد كنت حاضرا ومشاركا في لقاء مع هيكل جمع اركان من المعارضة والناشطين في القاهرة اشار إليه هيكل في حديثه وقد مدونا لحيثياته من المفيد اعادة نشره في هذا المجال لنلم اكثر بخلفيات هيكل ومخزونه المعلوماتي عن السودان وهو مخزون ناقص باعترافه لايؤهله للحكم على السودان فإلى حيثيات اللقاء :
وللحديث عن اللقاء لابد الاشارة إلى الأستاذ الكاتب والصحفي المصري الراحل يوسف الشريف وهو من الخبراء الحقيقيين بالشأن السوداني وبتفاصيل الحياة السودانية ، وذلك لعدة اعتبارات ،اولا لحبه للسودانيين وثانيا لإيمانه بالوحدة بين الشعبين المصري والسوداني، وثالثا لصلاته العائلية المباشرة . وهو كاتب مرموق في مصر ينبض قلبه بروح قومية عالية لا تغفل المتغيرات ولا تتجاوز الواقع لذا كان من الطبيعي أن يلقبه بعض السودانيين بعمدة السودانيين في مصر .
كان يتردد على السودان في معظم المناسبات العامة والاجتماعية والأسرية ويمتاز بعلاقات وثيقة مع معظم السودانيين مع اختلاف مدارسهم الفكرية والسياسية .
وتعمقت علاقتي به أكثر عندما عملت معه كمحرر للشؤون السودانية في مكتب صحيفة الشرق القطرية الذي يديره في القاهرة عند مطلع التسعينات إلى جانب دوره ككاتب في مجلة روز اليوسف وعدد من الصحف والدوريات .
ومنذ اتخذت المعارضة السودانية من القاهرة منطلقا لأنشطتها السياسية والفكرية والثقافية نشط يوسف الشريف في عقد الندوات واللقاءات في أروقة النخبة المصرية والتي يدعو لها السيد الصادق المهدي والناشطين السودانيين حول قضايا العلاقات السودانية المصرية والأوضاع السياسية في السودان وكان كثيرا ما يلقي باللائمة على النخبة المصرية لتقصيرها في فهم الشخصية السودانية وما يجري في السودان .
وقد عبر يوسف الشريف عن هذه الانتقادات في كثير من المنابر المصرية خاصة من خلال منبر نقابة الصحفيين المصريين .
وقد حاول من خلال كتابه "السودان وأهل السودان " ان يقدم صورة لقيم السودانيين وتقاليدهم واتجاهاتهم وروابطهم الاجتماعية بمصر . كما سجل يوسف الشريف الكثير من حكاياته في ذلك المؤلف الذي صدر في القاهرة في أكثر من طبعة .
في ندوة عقدت بنقابة الصحفيين في القاهرة ضمن أنشطة " منتدى محمد عودة بالتضامن مع نقابة الصحفيين السودانيين " أدارها الأديب المصري بهاء طاهر قال الشريف انه زار السودان نحو خمسين مرة وفي كل مرة يختلف مع السفارة المصرية فى الخرطوم لان الدبلوماسيين هناك لا يعرفون السودانيين ولم يدخلوا بيت أحدهم مشيرا إلى أنه فوجئ بأن مسؤولا سابقا لشؤون السودان بالخارجية المصرية لم يقرأ كتابا واحدا عن السودان.
ودعا الى ضرورة صياغة إستراتيجية ثابتة لا تخضع للعواطف ولا تتأثر بتغير الحكومات ضمانا لعلاقات قوية بين مصر والسودان.
وأبدى دهشته من معرفة كثير من المصريين بقضايا دولية وعربية في أوروبا والخليج في حين لا يعرفون شيئا عن السودان مستشهدا بأن الكاتب محمد حسنين هيكل زار السودان عام 1953 ثم زارها مرة ثانية فى الستينيات بصحبة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر وهى زيارة اعتبرها سريعة وغير كافية مثل زيارة الدكتور محمد حسين هيكل التي سجلها في كتابه عشرة أيام فى السودان.
ولا يكف يوسف الشريف عن انتقاداته رغبة منه في حث المصريين على التواصل والتعارف مع أشقائهم فقد أشار في نفس المنتدي في معرض مداخلته أن كثيرا من المثقفين والفنانين المصريين مثل نجيب محفوظ ومحمد عبد الوهاب لم يزوروا السودان الذي احتفى شعبه بأم كلثوم مثل استقباله لعبد الناصر واستقبلها استقبال الفاتحين حين ذهبت للغناء فى السودان نهاية الستينيات.
وقال الشريف ان أم كلثوم سألته فى القاهرة قبل الزيارة التي طلبت أن يصطحبها فيها عن ذوق السودانيين في الغناء والموسيقى فقال لها ان تذوق الغناء السوداني معيار لفهم الشخصية السودانية التى تميل الى الايقاع الراقص السريع واستجابت أم كلثوم حين غنت "هذه ليلتي" التى رقص على موسيقاها الجمهور السودانى بعد زيادة الإيقاعات الراقصة فى اللحن.
وأشار إلى أن زيارة أم كلثوم كانت فتحا مبينا فما فعلته أم كلثوم فى السودان لم تفعل مثله الثقافة ولا الدبلوماسية المصرية.
وكثيرا ما يردد يوسف الشريف أمام زواره علاقات عبد الناصر بالسودانيين منذ أن كان ضابطا في السودان قبل الثورة وقد دون العديد من هذه القصص في كتابه حول السودان.
يوسف الشريف من الناصريين التجديديين الذين يرون أن الديمقراطية وحقوق الإنسان هي مرحلة تتصل بالناصرية ولا تتناقض معها وقد كان يعتبر الأستاذ محمد حسنين هيكل أحد أساتذته الذين يدين لهم بالولاء كامتداد للمدرسة الناصرية التي أصبحت اليوم تجتهد اليوم في بلورة نفسها من جديد لتتوائم مع احتياجات العصر .
في يوم من ايام صيف عام 96 كنت أتجاذب أطراف الحديث مع الأستاذ يوسف الشريف في مكتب صحيفة الشرق القطرية بالدقي طرح علىّ وهو يدخن بشراهته المعهودة ما وصفه بمبادرة لكسر الجمود في العلاقة بين محمد حسنين هيكل والنخبة السودانية وكان يوسف من المقربين لهيكل مثلما كان من مقربا ومحبا للسودانيين ويعتبر نفسه وآحدا منهم لما يربطه بهم من علاقات مصاهرة وصداقات قديمة فاتفقنا على تحقيق ذلك الهدف . كلفني يوسف بالاتصال بنخبة من السودانيين المتواجدين في القاهرة في تلك الأيام ، والتزم هو بطرح الفكرة على هيكل وتحديد موعد للقاء به وبالفعل فقد تمكن من إقناع هيكل بفتح ملف علاقاته مع السودان . وتم اتفاقنا أن ندعو عددا محدودا من المهتمين حيث شملت الدعوة الدكتور عمر نور الدائم الذي تصادف وجوده في القاهرة قادما من أسمرة التي يتخذها مقرا له وكل من الأستاذة على أبوسن ، الدكتور حيدر إبراهيم والأستاذ فضل الله محمد .
قمت بنشر محصلة اللقاء الذي عكفت على تدوين حيثياته خلال اللقاء في صحيفة الشرق القطرية كما قام الأستاذ يوسف الشريف بنشره على صفحات مجلة روز اليوسف وعدد من الصحف المتخصصة .
كان لقاءنا بهيكل في ضحى يوم 26 يونيو 1996 في مكتبه بكورنيش النيل حبث قدم الأستاذ يوسف الشريف لذلك اللقاء ونحن جلوس في مكتب الأستاذ بقوله :
" منذ 46 عاما بالكمال والتمام توقف الأستاذ محمد حسنين هيكل عن الكتابة في شئون السودان، واحتجاجا ضمنيا إزاء الحساسية المتواترة لدي البعض من الأشقاء في الجنوب حين يهم أشقاؤهم في الشمال إلي الكتابة التي لا تروقهم عن أوضاع السودان!.
وكان الأستاذ هيكل قد كتب مقالا شهيرا في «الأهرام» إثر إندلاع ثورة أكتوبر 1964 في السودان تحت عنوان «ثم ماذا بعد؟» خرجت في أعقابه المظاهرات العارمة إلي شوارع الخرطوم صوب مقر صحيفة «الأهرام» والسفارة المصرية تعلن غضبها المستطير، حتي أمكن احتواء ما لا تحمد عقباه.. وبعدها تحقق ما ذهب إليه هيكل في مقاله!.
ولعله نفس رد الفعل الغاضب الذي صادف كتاب «عشرة أيام في السودان» للدكتور محمد حسين هيكل باشا في الأربعينيات، حيث انبري له السودانيون بالنقد والتقريع!.
ولعلي من هنا ظل الأمر يراودني دوما لإقناع أستاذنا هيكل لعله يلقي بثقله وثاقب فكره جديدا في خضم القضايا والمشكلات المدلهمة في السودان، لكنه أثر أن يكتفي كلما جلست إليه بالاستماع إليها، وتوجيه تساولاته الذكية عنها، حتى أدركت كم هو متابع دؤوب له، وكم لديه من المعلومات الطازجة والمهمة عما يجري في السودان وحوله من تطورات خطيرة!.
علي إنني في يونيو عام 1996 عرضت علي الأستاذ هيكل فكرة أن يلتقي بعدد محدود من المثقفين السودانيين ومن رموز المعارضة لحكومة الإنقاذ، فلعل لديهم جديدا يراكم من معلوماته حول ما يجري في السودان، وفكر قليلا وقال: لك ما أردت وعلي الرحب والسعة!.
ونلتقتي اليوم في هذه «الفراندة» الزجاجية الملحقة بمكتب الأستاذ والمطلة علي النيل ونحن نرقب تدفق مياهه العذبة وهي تحمل الخير والنماء من الجنوب إلي الشمال، بينما نحن نجتمع اليوم وبيننا «الأستاذ» وضيوفه من أهل السودان وهم الدكتور عمر نور الدايم الأمين العام لحزب الأمة والدكتور علي أبوسن السفير السابق والدكتور حيدر إبراهيم رئيس مركز الدراسات السودانية وفضل الله محمد رئيس تحرير صحيفة «الخرطوم» والأستاذ حسن أحمد الحسن مراسل وكالة «يونايتدبرس» بالقاهرة!. وانفتح باب الحوار :
بادر الدكتور عمر نور الدايم إلي مدخل للحوار، عرض فيه لبانوراما الساحة السياسية في السودان، وأحاطه بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي أفرزتها مناهج وسياسات الانقاذ، وما طرأ من المتغيرات السلبية في علاقاته بدول الجوار ومشكلة الجنوب السوداني بوجه خاص، ثم طالب بضرورة أن يولي الأستاذ هذا الواقع الجديد قدرا من فكره وجهده وقلمه بقدر أهمية السودان بالنسبة لمصر علي الصعيد السياسي والشعبي والاستراتيجي.
هيكل: كتبت مقالي «ثم ماذا بعد؟» وهو كان أول تناول لي حول قضايا السودان الحديث، فأثارت هذه المقالة كثيرا من الزعل، وأنا لدي كثير من الزعلانين الذين لا أود أن أضيف إليهم المزيد!.
نورالدايم: الواقع السياسي والفكري والمعرفي السائد الآن في السودان حكايات يفرض تناوله بصورة واضحة عبر إسهاماتك القيمة في معالجة هذه المتغيرات علي مدي 30 عاما مضت، نحن نريد لمصر أن تلعب ورا مهما ورائدا كما عودتنا دوما في المنطقة وهي مؤهلة لذلك، ولأن تصبح كما حدث في شرق آسيا وعلي غرار تجربة اليابان في حشد إمكاناتها وطاقاتها حتي تنهض بالمنطقة!.
هيكل: أنتم تتحدثون كلاما غير صحيح.. التراكم المادي أو الحضاري لليابان مختلف في المواريث.. لذا فإن المقارنة بينها ومصر غير واردة!.
قاطعه . علي أبوسن وقال: لا شك أن غياب كتاباتك عن السودان قد انعكس تلقائيا علي الصحفيين المصريين، بل وأصبحت سنة علي حد ما أكده لي الأستاذ أنيس منصور عندما سألته عن عدم كتابته حول أوضاع السودان.. وقال «إنهم سيلعونني» أنتم يا أستاذ هيكل تتحملون مسئولية كبيرة في عدم الكتابة عن السودان، فأنت رمز قومي كبير، ولا يجوز أن تعاقب الشعب السوداني بالسكوت والإمساك عن الكتابة حول قضاياها، وربما الوحيد الذي صمد من الصحفيين في علاقته بالسودان هو الأستاذ يوسف الشريف علي مدي 40 عاما وقدم مؤخرا كتابه «السودان وأهل السودان»، نحن بالطبع سعداء بالجلوس معك، فأنت دون شك بحضورك تفعل، وبغيابك تفعل، وأنت الآن غائب عن الساحة السودانية، وبغض النظر عن ردود أفعال الآخرين.. يظل هناك الكثرة من الرجال في مصر والسودان الذين يمثلون ضمير الأمة وأنت علي رأسهم (دون منازع) ونحن نريد اليوم عقد مصالحة تاريخية معك، ونريد أن تستجيب لهذا الرجاء بإلقائك نظرة شاملة ومتعمقة لدعم الوحدة الحقيقية بين شعبي وادي النيل!.
د. حيدر إبراهيم: هناك مثل سوداني يقول: «فلان مثل شجر الدليب» أي أنه يرمي بظله بعيدا، وأخشي أن يكون الأستاذ هيكل يرمي بظله بعيدا عن السودان، وهذا بالطبع خلل في العلاقة، ليست فقط لدواعي القربي بل للعوامل الاستراتيجية في العلاقة السياسية والثقافية، فإذا كانت هذه الدواعي لا تستقطب انتباه الأستاذ هيكل واهتماماته الصحفية وشواغله الفكرية، يكون هنا إذا ما أقصده من خلل و.. اسمح لي بالاستطراد، فأنا أري مصر تبحث عن دورها شمالا وشرقا وكأنها تقلل من دور السودان، بينما المتعين أن تضطلع بمسئوليتها ودورها في السودان العربي والإفريقي في السودان وهذا الدور الغائب الآن للأسف الذي كان موضع عناية جمال عبدالناصر في كتاب «فلسفة الثورة»؟!.
دور مصر المقدر والمتاح ليس في الشرق الأوسط أو الأقصي فحسب، وإنما في إفريقيا علي وجه اليقين. مصر عندما تحاول نسج خيوط علاقاتها مع دول البحر الأبيض مثلا، ينظرون إليها كدولة أقل أو أدني كما هو الحال بالنسبة للسودان، ولا يسمحون لنا إلا بدور التابع، هذه الصورة موجودة حتي بالنسبة لنظرة دول الخليج لمصر برغم كل ما قدمته مصر من تضحيات علي صعيد تحررها وتقدمها!.
هنا حاول بعض الحضور مقاطعة د. حيدر إبراهيم لكن الأستاذ هيكل طالبه بالاستمرار في عرض رؤاه مكتملة.. وقال: السودان ومصر إذن لهما مصلحة استراتيجية مهمة جدا لا خلاف حولها، وهو مكسب كبير للدائرة الإفريقية، وتأثير واضح ومؤكد فيما لو آحسن توظيفها.
هناك جانب آخر في العلاقة بحاجة إلي إيضاح وتصويب، هناك من يكتب عن المجتمع السوداني من إخواننا المصريين، لكنهم رغم قربهم جغرافيا من السودان إلا أنهم أبعد ثقافيا، بمعني أن هناك تعثرا في فهم الشخصية السودانية، فحساسية السودانيين تفسر من منظور خاطئ، بينما السودانيون لديهم حس ديمقراطي ولدي المتعلمين وحتي البسطاء منهم ولع بالحوار، وهذا المفهوم الخاطئ شكل حاجزا لا مبرر له، وإذا كان السودانيون لا يقبلون من يمتن عليهم أحد، فهذه حساسية معاكسة من جانبهم.
د. علي أبوسن أود التعليق علي ما كتبه المؤرخون العرب والأجانب حول تزامن إندلاع الثورة المهدية في السودان، وأضاف أن أول شهيد في المهدية كان مصريا اسمه أحمد العوام وهو كان مستشارا للإمام المهدي، ثورة المهدي وثورة عرابي كانتا مصرية سودانية الهوية والتوجهات سواء ضد الأتراك أو الأنجليز، وقيام دولة نيلية قوامها الشعبان ذات هوية وطنية وقومية وهذا يحتاج إلي إبراز، فالمصريون هم الذين أخذوا علي عاتقهم تدريب جيش المهدي علي الحرب الحديثة واستخدام الأسلحة النارية، ولما حوصرت مدينة «الاُبِيض» انضمت الحامية المصرية للإمام المهدي تلقائيا، وعندما اقتحم الأنصار الخرطوم وقتلوا القائد البريطاني غودرون وجاءوا برأسه إلي الإمام المهدي، عندئذ بكي وقال: كنت أنتظر أن تأتوني به حيا حتي افتدي به عرابي، وكان آنذاك أسيرا محكوم عليه بالإعدام إثر إجهاض من الإنجليز ثورته التحررية!.
كان قد مضي من الوقت أكثر من ساعة ونصف الساعة والأستاذ هيكل ينصت كعادته في يقظة واهتمام لحقائق الأوضاع المتدنية في السودان وقتئذ، بينما كان حرصه كذلك علي تدوين المعلومات التي رآها مهمة وجديدة عبر توالي حديث ضيوفه من أهل السودان و..عندئذ انبري يقول: أولا أؤكد أنكم لستم أول من فاتحني بشأن الكتابة عن السودان.. إبراهيم شكري وعادل حسين ويوسف الشريف علي سبيل المثال.
لقد زرت السودان أول مرة عام 1951 وقابلت السيدين عبدالرحمن المهدي وعلي الميرغني إثر إلغاء النحاس باشا اتفاقية عام 1936، دفعني إلي ذلك الكاتب الشاعر كامل الشناوي وقال لي: أنت بتكتب عن الحرب في كوريا وعن مشاكل العالم ولا تعرف السودان!.
كنت مأخوذا جدا بالسيد عبدالرحمن المهدي، إذ كان يتحدث معي بلغة صريحة وكلام واضح لا لبس فيه، خاصة فيما يتعلق بمطلب استقلال السودان، بينما السيد علي الميرغني لم يكن واضحا مثلا، وكأنه لا يريد الحديث عن السياسة معي!.
السودان بالنسبة لي يمثل شحنة عاطفية في شبابي، كان إخواننا السودانيون يشكون آنذاك من عقدة «الضم» و «التاج» لدرجة أن هناك في مصر من قال إن عبد الناصر منع حقنا في السودان، وحقيقة إنني ترويت في الكلام في السودان لا لشيء رغم أنني مدرك للمصالح المتبادلة وللبوابات الحيوية، ومدرك حتي من الناحية المصرية البحتة أن السودان هو حامل الحياة.. ليس الماء فقط، بل ومحورا من قوي لا نستطيع أن تقامر به، لكن عندما تأتي لتواجه مشكلة مشحونة بحساسية وتتحدث عن روابط مصالح، فضلا عن تركيبة السودان الإنسانية، فالأمر إذن يحتاج إلي تدقيق في الحسابات، علما بأننا أسأنا التعرف في مرات كثيرة، وليس أدل علي ذلك من إدارة علاقاتنا مع السودان عن طريق أجهزة خاصة، وعندئذ يجد الإنسان نفسه محاطا بدوائر مغلقة، أنا رد فعلي ليس عن عدم اهتمام، أو قلة تقدير، لكنني أود أن أكتب في وضوح بعيدا عن الغموض.
أذكر مرة كنا في طريقنا إلي الرباط علي طائرة واحدة كانت تقل الرئيس جمال عبدالناصر وبرفقته الرئيس جعفر نميري، وأنا كانت لدي اهتمامات وقتئذ بالثورة الليبية واتجاهاتها القومية، ولم أكن حقيقة أتابع بنفس القدر ما يدور في السودان، وحين سأل عبدالناصر نميري: هل تعرف هيكل؟.. قال: نعم.. ولكني آخذ عليه تجاهله لثورة السودان وكان حينها يقرأ في مجلة «المصور».
أنا مقدر جدا لهموم وشجون أهل السودان، واتصور أن لدي شحنات عاطفية ورغبة معرفية تجعلني أضع السودان بالقرب مني حتي وأنا علي البعد منه، وأذكر بالمناسبة عندما حدث انقلاب الجبهة الإسلامية إنني تحدثت مع الدكتور أسامة الباز بالتليفون، والباز كما تعلمون كان يعمل معي في وقت سابق، وسألته عن الانقلاب.. قلت له أنتم تتحدثون وكأنكم أنتم الذين أحدثتم التغيير، إذ كانت الصور والمقالات التي تملأ الصحف تكاد توحي بذلك!.
حقيقة إذن لدي مبررات من خلال تعقيدات وغموض الواقع الراهن في السودان، كذلك فإن تشابه وتضارب الاختصاصات حول السودان، ومن هنا أصبح الحديث محفوفا وشائكا عندما نتحدث عن مقدراته، والشاهد أن هناك تعقيدات تحول بيني وبين المعلومات الصحيحة، مثال ذلك مجئ الرئيس عمر البشير إلي مصر مؤخرا، وحدوث لقاءات علي مستويات عليا شوشت الصورة أمامي، وهذه الضبابية هي التي تجعلني أشعر بمسئولية كبيرة تجاه ما أكتب، أنا لا أود أن ألمس حقل ألغام، وليس لدي القدرة علي الحديث بوضوح.
رحم الله الأستاذ إبراهيم فرج، فقد طلب مني أن أكتب عن السودان إيمانا بوحدة وادي النيل، لكنني قلت له إنني أريد أن أذهب أولا للسودان حتي أكتب عنه عن قرب وبحرية كاملة ماذا أفعل؟ هذا ليس اختياري أن أمارس ديكتاتورية الصمت عن السودان!.
د. علي أبوسن: أعتقد إذن أن الرد ايجابي!.
هيكل: أنت تتصور أنني متجاهل السودان وأمره.. هذا ليس صحيحا، أنا أكتبت رأيي وحددت مواقفي من عدة دول وقوي سياسية من خلال معرفة موثقة، محاذري معروفة بالنسبة للسودان حين تختلف القضية، ستقول لي إنك بعدت أو تخوفت وقد زالت الأسباب الآن، وأنا أقول ليس لدي معلومات. فأخر مرة رأيت فيها السودان عام 1997 عند عقد القمة العربية بالخرطوم، بينما المرات المؤثرة كانت عام 1956، الأوطان عندي ليست جغرافيا، إنما بشر، ومن هنا ولأهمية الموضوع وحساسيته وحيويته ومواقف وسياسات القوي والجبهات المتباينة، لا بد وأن تكون لدي معلومات، فمثلا لا أتصور مقابلة مبارك للبشير إلا أن كان يعلم أن هذا النظام ليس منتهيا، وعلي ما يبدو أن الجملة الأخيرة في حديث هيكل كانت مفاجأة انتهي بعدها الكلام المباح وغير المباح.. وإذ الأيام تؤكد علي صدق نبوءة الأستاذ هيكل.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.