خطاب الاثنين 27 يناير 2014 مؤشر جدي على ما ستؤل إليه الأحوال في هذا البلد المغلوب على أمره. نفس القوى التي جلست بليل لتحيك مؤامرة طرد نواب الحزب الشيوعي السوداني من برلمان 1965 ، نفس القوى صاحبة المصلحة في تسليم السلطة إلى عبود في نوفمبر 1958 نفس القوى التي دعمت جبهة الميثاق والجبهة القومية الإسلامية عادت إلى الواجهة من جديد وأزكت النيران لإحياء مشروعها البائس بتوارث الحكم في السودان بين بيوتات السادة والأحباب والأصهار. لم تدرك هذه القوى حجم التغيير الذي حدث في السودان خلال نصف القرن الماضي وشرعت خفافيشها في الاجتماع ليلاً لتخرج بصيغة ما لتحالف ما بين الأمة- الشعبي – الاتحادي والحركة الإسلامية المدجنة في المؤتمر الوطني. مهد لذلك خروج علي عثمان هضيم الجناح كشرط أساسي لدخول الترابي اللعبة مدعوماً بصهره العتيد. سهر الناس قاصيهم ودانيهم يختصمون في انتظار مفاجأة تذهب عنهم البلاء الذي عجزت المعارضة عن رفعه عن كواهلهم ، هذه المعارضة التي لا زالت تعول على حزب الأمة والمؤتمر الشعبي حتى أصبحت عاجزة عن تلمس نبض الناس. لكن هذه الطبخة الليلية لم يقدر لها أن ترى النور مساء الاثنين لضعف الإعداد لها وعجلة القائمين عليها في إخراجها استباقاً لاعتراضات من داخل المؤتمر الوطني ، إلا أن حركة الأجاويد لا تزال على قدم وساق أملاً في إتمامها غداة الثلاثاء الرابع من فبراير القادم. من كان يؤمل في انفراجه وقتية سيجد بغيته ومن كان أمله سودان يحتضن شعبه على أساس المواطنة الحقة فسيخيب أمله. ستخرج محاكم التفتيش والتكفير مرة أخرى للعلن مدعومة بقوة السلاح لتسد آخر بارقة أمل في لملمة الصفوف ودخول الجبهة الثورية في منظومة التسوية. أما قوى اليسار والقوى الليبرالية فعليها تجهيز نفسها للمنافي والسجون وما مشانق كوبر منهم ببعيد. جلس الصهران مساء الاثنين في انتظار نصيبهما من كيكة السلطة التي أراد على عثمان ازدرادها لوحدة فأجبره الشعب السوداني في سبتمبر على تقيؤها. جلسا في حضرة الحاكم الذي اغتصب السلطة من أحدهما وفاصل الثاني وجرجره إلى بيوت الأشباح التي كان عرابها. أي أمل يرجوه الرجلان وأي أمل نرجوه في الرجلين. إن غابت هذه الحقيقة عن تحالف المعارضة فتلك مصيبة أما إذا كانوا على علم بها فالمصيبة أعظم وهي واضحة وضوح الشمس لا يعشى عنها إلا من بعينه رمد أو رغبة التعامي عنها ظناً أن بعضاً من نعيمها يصيبه. لا مجال الآن للظنون فالأمور واضحة والصفقة باتت شبه معلنه يضمن بموجبها الإمام عدم ملاحقة الرئيس وجره إلى لاهاي ويعود العراب مكرماً إلى سدة الحكم بعد أن أقصى "الحوار الذي غلب شيخه" أما الميرغني فيكفيه الفتات الذي اعتاد عليه مؤخراً. هذا فرز واضح للخنادق ولا يستطيع مراقب أن يمر مرور الكرام على وجود الصهرين في مقدمة صفوف الحضور فمنذ متى يحضر الترابي خطابات البشير. هذا الحل الترقيعي أن قدر له الخروج لحيز الفعل فمصيره الفشل وستواصل النخب السودانية مسيرتها نحو مزيد من الفشل وتجر البلاد نحو مآلات لا يعلم مداها إلا الله. المخرج الموضوعي وليس الأمثل سيكون من خلال عقد مؤتمر دستوري جامع مسبقة لصياغة دستور دائم ووضع أطر مواطنة حقيقية تضمن تلاقح ثقافات الهامش مع المركز وعدم هيمنة أي قومية أو قبيلة أو حزب على السلطة ، مؤتمر يطرح ويناقش أسباب عدم اكتمال استقلال السودان بعد مرور أكثر من ستين سنة على رفع العلم الوطني ، مؤتمر يحسم أمر أزمة نظام الحكم ويضمن استدامة الديمقراطية، مؤتمر يدخله الجميع دون أجندة مسبقة وبرغبة حقيقية في تقديم التنازلات حفاظاً على ما تبقى من الوطن ، مؤتمر يضع أسس محاسبة موضوعية عن أخطاء الماضي، مؤتمر يضمن القصاص العادل لشهداء الشعب السوداني، مؤتمر يعيد للشعب ما نهب من خزائنه من أموال. بهذا فقط يمكن الخروج من عنق الزجاجة فإما هذا الخيار أو تشظي الوطن. [email protected]