السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مزاد الانتفاضة ما بين الصادق والترابي 1-2
نشر في حريات يوم 26 - 07 - 2012

تبارى العديد من القراء السودانيين في ربط الأزمة السودانية بالأزمة السورية بدون حق – ولعلنا نعترض عليهم، فالقضيتان لا تشبهان بعضهما البعض مطلقا لا في الشكل ولا في المضمون ولا في الحيثيات. وإذا كنا نعذر العامة من الجمهور السوداني لجهلهم السياسي أو لكون البعض غير سياسيين بالمعنى الحرفي، فكيف نعذر أشخاصا على وزن رئيس حزب الأمة الصادق المهدي وحزب الأمة القومي والشيخ حسن الترابي وحزبه المؤتمر الشعبي؟
آخر هذا الربط بين الدولتين السودانية والسورية على لسان المعارضين، والذي لا تبدو له نهاية قريبة لأنه لا توجد صحافة محترفة في السودان، أتي به منشور في صحيفة سودانيزأونلاين يحث كاتبه أو كاتبوه صنوف المسلمين من علماء وشيوخ وطرق صوفية إلى التوحد في وجه المؤتمر الوطني وإسقاطه، ودلل المنشور على صحة الخروج على الحاكم الظالم بآيات وأحاديث عديدة.
المنشور لم يعبر عن أية منظمة إسلامية أو جماعة بعينها ولم يضع الكاتب أسمه أو جهته التنظيمية أو السياسية، ويعتبر هذا الغموض من الغرائب. وقد يفتح هذا الغموض فرجة للتأويل، خاصة أن المنشور كيل للنظام السوري وبل شطح بعيدا بكذبة بلقاء وأدعى أن لسوريا طائرات حربية مقاتلة في الفاشر. هذه النقطة الأخيرة دفعتني للاعتقاد أن كتبة المنشور سلفيون يتسترون بمنشورات عامة. وما يدفعنا لهذا الاعتقاد هو أن الثورة المصرية ومخاضها انتهيا إلى تسلم الإسلاميين الحكم بالرغم من أنهم لم يشاركوا قط في ثورة إسقاط النظام المصري. فالتجربة المصرية إذن بصرت السلفيين السودانيين من الاستفادة من التجربة المصرية بالصعود للسلطة على أكتاف الجماهير وفي تقديرهم التجربة المصرية قابلة للتكرار، فلماذا لا يدفعون الشعب السوداني للثورة من الخلف ثم يقطفون ثمار ثورته لاحقا؟
وفي نفس هذا السياق عكنن مزاجي أمين العلاقات الخارجية في حزب المؤتمر الشعبي بشير آدم رحمة. فهذا الرجل ما أن يذكر شرور دولة المؤتمر الوطني حتى يذكر سوريا ونظامها بالتبعية – على طريقة أخوي الكاشف!! فهو على دين شيخه حسن الترابي الذي جلس قبل أشهر في تناغم كبير مع صهره في دار الأمة وأتفق مع صهره لمعاداة النظام السوري، بينما في آخر اجتماع لقوى المعارضة تحجج الشيخ الترابي بحجة واهية تتعلق بخصومته بالصادق وحزبه وخرج مغضبا. يقول الخبر في 27 يونيو 1012م:
(أخفقت قيادات المعارضة السودانية والمكونة لهيئة قوى الإجماع الوطني في اجتماع لها، أمس، في التوقيع على وثيقتي البديل الديمقراطي والإعلان الدستوري المقترحتين لإدارة البلاد في الفترة الانتقالية التي تعقب إسقاط النظام بحسب تخطيط المعارضة. وذلك في وقت تواترت فيه إنباء عن خلافات عاصفة ضربت صفوف المعارضين ترافقت مع تسريبات حول تسليم رئيس حزب الأمة القومي المؤتمر الوطني الحاكم مبادرة كان طرحها في وقت سابق حول عقد مؤتمر للسلام وتقرر تأجيل التوقيع على الإعلان الدستوري إلى الأسبوع القادم بحجة المزيد من التشاور وأحكام الصياغة. وقالت مصادر مطلعة إن زعيم حزب المؤتمر الشعبي حسن عبد الله الترابي خرج من قاعة الاجتماع قبل اكتماله، وسط بوادر خلاف مع قيادات المعارضة حول انضمام حزبي الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي إلى الموقعين على هذه الوثائق وقالت ذات المصادر إن الترابي يرى أن انضمام الحزبين يستوجب مزيداً من المشاورات. فيما قالت معلومات حصلت عليها سودان تربيون أن مندوبي حزب الأمة في الاجتماع تحفظوا على الوثائق بحجة عدم اطلاع رئيس الحزب عليها ما أثار غضب الترابي الذي اكتفى بالقول أن الثورة مستمرة وان حزبه سيعمل بجدية لإسقاط النظام الحاكم وأشار إلى أن التغيير القادم سيكون ملكا للشعب ولن تفعله القوى الحزبية).
ما الجديد في هذا الخبر؟
الجديد القديم في هذا الخبر أن الصادق المهدي يدرك جيدا أن الشيخ الترابي يلعب بالجميع – ويلعب بعقل الشعب السوداني قطعا. ولا أستبعد أن الصادق المهدي ربما قد وصل إلى نفس قناعتي أن الترابي هو من يقود كلا المؤتمرين الوطني والمؤتمر الشعبي معا وبخفية. فالمؤتمران إذن كرتان في يد واحدة – يد الترابي. وهكذا الترابي وضع الجميع أمام خيارين – “قرني ثور”، علي أيهما اخترت الجلوس ينطحك.
وبالرغم من أن هذا التكتيك الذكي قصد به العالم الخارجي خاصة دول الخليج حين كانت الإنقاذ في “زنقة زنقة” إقليميا ودوليا فأفتعل الترابي ومعه البشير قصة الانقسام، ولكن السؤال يفرض نفسه ما الذي يمنع أن يستمر هذا السيناريو ويطبق في الداخل إلى أجل غير مسمى؟ لا شيء يمنع ذلك. ففي الوقت الذي تجلس فيه قوى الإجماع الوطني في اجتماع مصيري يتعلق بالدستور والبديل الديمقراطي ما بعد إسقاط النظام، يجلس الصادق المهدي مع عمر البشير ويسلمه مبادرة طرحها في وقت سابق حول عقد مؤتمر للسلام. هذا هو رد الصادق للشيخ الترابي – أي أنه ليس طرطورا كأن يقاد في تمثيلية سيئة الإخراج بتحنيطه بهيئة قوى الإجماع الوطني. غضبة الترابي من الصادق في ذلك الاجتماع وإنما كانت لنفسه وربما قال لها ربما سيئة نافعة، فأخبر الجلوس مواسيا بدهاء: أن التغيير القادم سيكون ملكا للشعب ولن تفعله القوى الحزبية. ثم خرج هاربا بجلده قبل اكتمال الاجتماع.
وهذا هو فعلا ما يرغبه الترابي..فهو آخر من يتمنى أن ينهض الشعب السوداني بانتفاضة تقودها الأحزاب والنقابات المعارضة الخ. وفي نفس هذا السياق السلبي كثيرا ما أبدى الترابي خوفه أن يدخل السودان في دوامة من سفك الدم لكي يبرر ضعف حماسته لانتفاضة شعبية. وماذا يفعل صهره في هذا المزاد؟ ولماذا يبدو لجمهوره كأنه عاطل؟ أستلف الصادق المهدي تعبير الترابي وكرره وكرر المتكرر أن السودان ربما يدخل في دوامة دموية مثل الثورة الليبية والسورية إن لم يأتي كل شيء بالحسنى – لذا قدم ما بين يدي عمر البشير مبادرة جامعة للسلام الوطني وكفى الله المؤمنين شر القتال. ولكن هل يدرك الصادق المهدي أنه يجلس على أحد القرنين الذي يمسك بهما الترابي؟ إلى الآن يدرك في إطار المناورة، ولكنه أيضا يدرك أن عمر البشير لن يوافق على أية مبادرة.
في هذا التحليل الصغير لماذا ربطنا الترابي والصادق بالقضية السورية ربطا محكما؟
ببساطة نقول أن القضية السورية تشبه قضية الإمام علي بن أبي طالب – كونه: يعسوب الدين. روى أحمد في فضائل الصحابة: 2 / 639، والدارقطني في المؤتلف والمختلف: 13763، والهيثمي في مجمع الزوائد: 9 / 132 – وروى الترمذي: 4 / 327، و: 5 / 293 و 298 – باب مناقب علي: عن أبي سعيد الخدري قال: إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب. ولم يعتمد الصحابة هذا التشبيه التشخيصي القطعي إلا من رسول الله حين قال في الإمام علي: لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق.
إذن القضية السورية تشبه رواية أبي سعيد الخدري، وأصبحت القضية السورية هي الصخرة التي تميز المنافقين من غير المنافقين، مع الخليج أو ضد الخليج، مع الوهابية أو ضد الوهابية..
لم يحدث في التاريخ المعاصر أو القديم أن صمدت دولة في وجه خمس وثمانين دولة أخرى بينهم دول عظمى، وتستهدفها حوالي مائة وخمسين مؤسسة إعلامية. حقا لقد وضع الدكتور بشار الأسد (نجل حافظ الأسد) الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مأزق تاريخي، فعلى يد بشار الأسد انهارت القطبية الأمريكية الآحادية كدولة عظمى – وفي عهد أوباما. ولقد اعتراف هنري كيسينجر بعبقرية السوريين وأسرة الأسد خاصة، حين قال معترفا: الشخص الوحيد الذي هزمني هو حافظ الأسد. ولقد استخدم العرب والأتراك والأوروبيون والإسرائيليون والأمريكيون ضد سوريا كل شيء يمكن فعله، بدءا من الأكاذيب الإعلامية المصنوعة بحذق وحيل تلفزيونية وسينمائية مفبركة، ومرورا بالتمويل الخليجي الملياري لشراء المرتزقة المقاتلين السلفيين وذمم السوريين، وتجنيدا لمجرمين من الموساد بلاكووتر وغيرها من أصقاع الأرض الأربعة، ودعم تسليحي ضخم بأكثر الأساحة فتكا – ثم تحالف دولي عربي خليجي تركي مدعوما من الجامعة العربية والناتو (أوروبا) وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية – ومع ذلك كله فشلوا في تركيع سوريا الأسد.
في هذه العجالة لن تستطرد في توصيف ماذا يعني سقوط النظام السوري أو صموده، ولكننا نكتفي بالقول أن القضية السورية هي أوضح من ضوء الشمس في منتصف النهار – هي قضية تآمر خليجي تركي صهيوني أمريكي أوروبي مباشر وعلني تحت مسميات مضللة: “الثورة السورية”، “مؤتمر أصدقاء سوريا”، “وأصدقاء الشعب السوري”، و”جيش سوريا الحر” وهذه ليست سوى لافتات تتخفى خلفها القاعدة وفلول من المرتزقة المجرمين والمرتشين والخونة بعضهم مثل الغليون أرتكز في الدوحة وتركيا ولبنان والأردن بينما المغفلين زجوا بهم عبر الحدود لذبح الشعب السوري الخ.
ولكننا ربما نشير عبورا إلى نقطة مهمة وهي أن إسرائيل ومن خلفها الإتحاد الأوروبي وواشنطون وحلف الناتو لا يهمهم في القضية السورية سوى شيئا واحدا. لقد تركوا لعرب الخليج القضايا الثانوية مثل قتل المدنيين السوريين بعقل بارد لتفكيك علاقة الشعب السوري بدولته عبر الإرهاب والرعب والقتل الممنهج، ومثل تفجير مؤسسات الدولة واغتيال العلماء وأساتذة الجامعات، وصنع الفوضى وضرب أمن المواطنين الخ هذه المسائل تركوها للخليجيين وللأتراك وللمرتزقة. بينما إسرائيل ومن خلفها الإتحاد الأوروبي والناتو وواشنطون وضعوا ثقلهم واهتمامهم في شيء آخر واحد فقط وهو: تفكيك الجيش السوري. هذا هو هم إسرائيل الأول والأخير.
وما شراء ذمة طيار هرب بطائرته للأردن سوى حالة واحدة فريدة، وفور وصول الطائرة المقاتلة للأردن كان هنالك خبراء إسرائيليون في انتظارها نزعوا منها جهاز الذبذبة الكودي وسلموه للأتراك بسرعة البرق. وفورا استخدمت الطائرتان التركيتان هذه الذبذبة المسروقة لكي تخترقا الأجواء السورية بسهولة لإصابة أهداف معينة وصنع شرخ في تماسك الجيش السوري في توقيت متزامن مع نشاط المرتزقة. ولكن المخابرات السورية كانت أذكي منهم حين كانت تراقب الطيار العميل المكشوف لديها وسمحت له بالهروب – تخلصوا منه أولا ثم صنعوا منه فخا ارتداديا لواشنطون (الناتو) عبر أمر عسكري سوري بوقف تحليق أية طائرة سورية وقتها، وأمر آخر بقذف أية طائرة وحتى ولو كانت سورية تحلق “بذبذة” سورية.
ثم اغتيال خمسة رؤوس عسكرية مهمة بضربة تفجيرية حقا موجعة عبر موظف صغير جاسوس زرعته تركيا أو الأردن منذ عدة سنوات في مكتب أحد القادة العسكريين المستشهدين، نكرر منذ سنوات عديدة. قطعا لم يزرع هذه المتفجرة أحد معيز أسامة بن لادن أو مهابيل القاعدة، فمن نوعية ألواح التفجير C4 يفهم منها إنه عمل دولة رفيع المستوى وليس عمل مرتزقة، وأن عملية الاختراق عملية مخابراتية طويلة النفس تمت عبر عميل مزروع لسنوات طويلة من قبل دول معادية – الأغلب تركية.
فهل كل ذلك لا يعلمه الصادق المهدي والشيخ حسن الترابي؟
يهمنا في الدرجة الأولى الشيخ الترابي – فتلميذه بشير آدم رحمة أمين العلاقات الخارجية بحزب المؤتمر الشعبي أكثر من القذف والطنين ضد النظام السوري بشكل يثير الشفقة. ومرجع الشفقة واضح وبين لأن التناقض أو الفجوة ما بين التصريحات ومقتضى حال الواقع الميداني هو كبير. فحركة إسلامية تدعي رفع شعارات إسلامية في العلن ومع ذلك تركب سرا وبخفية سرج الدول الخليجية المرتهنة للصهيونية والمشاركة بقوة مع الناتو وإسرائيل في تدمير وتقسيم دولة عربية مسلمة – وهي الدولة العربية الوحيدة المقاومة لإسرائيل، يصيب قطعا للمحايدين بالغثيان وأترك تلاميذ الترابي والمراقبين والمحللين السياسيين المحترفين. كيف نحل لغز الشيخ الترابي أو المؤتمر الشعبي تجاه سوريا؟ ألا يعني ذلك أن الشعب السوداني ينتظره الكثير المفجع من قبل أعضاء غير موهوبين أمثال المحبوب وبشير آدم رحمة؟ أهكذا يدير الشيخ الترابي حاله وحزبه مع الأزمة السورية؟ ألا يثبت موقف الشيخ الترابي من سوريا أن المؤتمر الشعبي نفسه غير مؤهل لقيادة دولة السودان – أو قل كأن يقود حتى المعارضة السياسية؟ أليس موقفه وموقف حزبه من سوريا فضيحة سياسية وأخلاقية وفشل ذريع؟
بالطبع كما هو دائما حالنا السعي إلى تفسير الحالة الترابية، وقد حسمنا سابقا نقطتين، أولها أن الشيخ الترابي يخادع قوى المعارضة السياسية والشعب السوداني. لا يلعب الترابي بالوقت لصالح مشروعه الإسلامي السياسي فقط بل أيضا يخدر الشعب السوداني بإسماعه كل ما يسره وما يطربه ضد النظام القائم الذي يدعي الإسلام، بشعارات ثورية مثل “إسقاط النظام” تمتص كل عناوين الغضب الجماهيري. ولا نبالغ إن قلنا إن الترابي هو من يدير قوى المعارضة السياسية جمعاء عندما أحتضنها، وتصورت هذه المعارضة الساذجة أن الترابي شريك حقيقي، بينما هو قطعا حصان طروادي يرغب في السيطرة بدهاء على “الحدود” و”المسافة” و”الخطوط الحمراء” التي يمكن أن تذهب إليها رؤوس المعارضة السياسية لإسقاط النظام القائم. ولعل الراحل محمد إبراهيم نقد رحمة الله عليه لم يخطئ عندما قال لصحيفة ألوان: الدكتور حسن عبد الله هو الرجل الوحيد القادر على حل “مشكلة السودان” إذا ارتفع الدكتور حسن الترابي فوق جراحاته، وقال مبتسماً: “إذا سخا”. وعبارته الأخيرة “إذا سخا” لها مدلولات كبيرة.
أما النقطة الثانية فهي موقف الشيخ الترابي السلبي من سوريا وما لهذا الموقف من دلالات سياسية وإسقاطات فكرية وإستراتيجية، ونستقرئ منها بالمجموع أن شيخ الترابي بخياراته السياسية الحالية قد يضع السودان في العقدية القادمة مجددا في حفرة مظلمة قد تؤدي لتمزيق السودان. بالطبع، الترابي يرغب أن تعود المقاليد السياسية إلى يده مرة أخرى “بشكل علني” وبشروطه في علاقته وحزبه بالمؤتمر الوطني، هذه الشروط للغرابة هي خارجية وموضوعية وليست شروطا داخلية كما يتوهم الواهمون، ولكن الشيخ الترابي في كل الأحوال لن ولن يسمح بسقوط هذا النظام الفاسد القائم. إذا سقط هذا النظام أو إذا قامت انتخابات ديمقراطية حرة نزيهة –ولن تقوم- في وجود نفس النظام لن تقوم للإسلاميين في السودان قائمة – لذا فجميع الإسلاميين محتارون. هل يشكر الشيخ الترابي والإسلاميون عامة الدكتور نافع علي نافع الذي زور لهم الانتخابات المنصرمة بليل؟
فوحدة المؤتمر الوطني والشعبي، أو وحدة الإسلاميين بالأحرى والتجسير لها جميعها مرهونة بإشارة من الترابي، ولها توقيتها في زمن معين في ظرف موضوعي معين، وفي تقدير الترابي ارتباطا بتطورات الخارج وليس الداخل. فديناميكية الواقع السياسي الإقليمي هي التي تشغل عقل الشيخ حسن الترابي أكثر من الداخل وتفوق سرعة المتغيرات الإقليمية أضعاف أضعاف سرعة حركة الواقع السوداني – وفي تقدير الترابي أيضا أن استمرارية الوضع السياسي السوداني الحالي كما هي عليه الآن تتناسب مع الظرف الموضوعي الخارجي.
أما مسألة إعادة وحدة الإسلاميين مرة أخرى ففيها الكثير من “التوهيمات” والتقاطعات اللفظية والسلوكية – منها هجرة الحاج آدم يوسف للمؤتمر الوطني التي تثير علامات إستفهام عديدة للمحلل السياسي مثل الاعتقاد إنه الشخص الذي أوكلت له هندسة التجسير. ولكننا نكتفي بما قاله بشير آدم رحمة أمين العلاقات الخارجية بالمؤتمر الشعبي السوداني المعارض لصحيفة المدينة السعودية بتاريخ الجمعة 22/07/2011م، فقد ذكرت الصحيفة على لسانه أن هنالك وساطات جارية، قال بشير ادم رحمة: الإخوان المسلمين في مصر بصدد ترتيب لقاء خلال زيارة نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه لمصر التي تبدأ الاثنين القادم يجمعه بالشيخ حسن الترابي زعيم المؤتمر الشعبي لوضع ملامح مبادرة الوساطة الساعية لإنهاء الخلاف بين المؤتمر الوطني الحاكم بقيادة البشير والمؤتمر الشعبي بقيادة الترابي.
ومع ذلك ينكر بشير آدم رحمة بشدة في آخر تصريحات له قبل عدة أيام وجود وساطات عربية، ويقول الرجل بعنفوان شديد إنها “إشاعات”. ولكننا نقول للرجل أن الوساطات العربية خلف ظهر قوى المعارضة السياسية والشعب السوداني هي جارية وقائمة على قدم وساق وهي من كل نوع وفج – ولكن هؤلاء الوسطاء العرب مع قلتهم وإخلاصهم لا يدركون أن الشيخ حسن الترابي هو الذي سيحدد متى يتحد المؤتمران، ليس لأن هنالك خلافات بين المؤتمرين حاشا لله، بل لأن التوقيت الظرفي لا يعجبه – ثم الترابي هو الذي يقود المؤتمرين بخفية.
ما هو إذن سر عداء الإسلاميين لسوريا؟ ولماذا؟ ولماذا تلك المؤتمرات الإسلامية والقومية في بيروت وغيرها؟ هل كانت مجرد خدعة؟
حين ننظر حولنا سنرى الرئيس التونسي الجديد قد قرر الوقوف ودولته علنا ضد النظام السوري – بل احتضنت دولته ما يسمى “الجيش السوري الحر” وكذلك ما يسمى “مؤتمر أصدقاء سوريا” وقد ضم كل الأشتات التي تخدم الصهيونية، وكذلك عبر الرئيس المصري محمد مرسي باستحياء أنه ضد النظام السوري، وفعلت بالمثل ليبيا بقيادة مصطفى عبد الجليل الذي شحن بكثافة السلاح والمقاتلين لإسقاط النظام السوري. وقطعا إخوان الأردن ضد النظام السوري. ثم تأتي حماس قبلهم جميعا وبشكل مبكر حين باعت النظام السوري بدون خجل أو استحياء. بتعبير آخر مختصر، ليست فقط السعودية وقطر تعملان بقوة لإسقاط النظام السوري شراكة مع تحالف صهيوني دولي، بل أيضا الأخوان المسلمون في كافة الإقليم العربي يسعون بقوة لإسقاط النظام السوري.
إذن ما العامل المشترك ما بين هؤلاء جميعا والشيخ حسن الترابي حين يقف موقفا سلبيا مثلهم تجاه النظام السوري بدون إن يعمل الشيخ عقله؟ وما أثر هذا الانحياز ضد سوريا لصالح عملية سياسية إقليمية تقودها واشنطون وتل أبيب وفي تضاد مع منطق التاريخ وإرادة الشعوب على مستقبل السودان؟ لماذا يدفع السودان ثمنا ثقيلا من أجل يوتوبيا الدولة الإسلامية الإقليمية التي يسمونها دولة الخلافة؟ لماذا نغمض أعيننا عن كل مفاسد الدولة القائمة لصالح هذه اليوتوبيا الإسلامية التي في رحم الغيب؟ ألا يبدو أن الإسلاميين جميعهم يسيرون بعماء في نفس الطريق الذي سلكته الحركات القومية منذ ست عقود؟ فمن أجل يوتوبيا الدولة الوحدوية القومية الشاملة أهمل القوميون البناء والتنظير للدولة القطرية الحديثة، وكانت المحصلة فاجعة لا أرضا قطعوا ولا ظهرا أبقوا.
ما نخلص إليه أن العلاقة العضوية ما بين الشيخ الترابي وتوجه الإخوان المسلمين السياسي الإقليمي العام هي علاقة قائمة – فكيف يجلس الرجل مستقبلا مع أقرانه الإسلاميين ويضع رأسه بحذو رؤوسهم وليس في يده دولة؟ هذه هي النقطة الثالثة في هذا التحليل السياسي التي يجب أن يقف لديها الجميع، وهي نقطة كانت وما تزال غامضة لدى قوى المعارضة السياسية. وهذه النقطة بالذات هي التي تدفع الشيخ الترابي لكي يعمل بخفية حتى لا يسقط هذا النظام القائم – وبلا شك هو نظامه بالأمس وغدا. فالشيخ يطمح أيضا أن يساهم بدوره الإقليمي بوضع اللبنات الأولى في صرح “دولة الخلافة الإسلامية” فكيف بالله يجلس الرجل مستقبلا مع أقرانه وليس في يده دولة؟
سر الرغبة في إسقاط النظام السوري هو التمهيد لدولة الخلافة “الراشدة”، ألم يهدد وزير خارجية قطر سفير الجزائر بالجامعة العربية أن الدور قادم عليكم وستحتاجوننا؟ هل مسألة دولة الخلافة مفاجأة للقارئ الكريم؟ ربما، ونقول له لا تعجب فنحن لا نكتب من فراغ. لنقرأ هذا الخبر أولا:
أتهم إسماعيل هنية رئيس الحكومة في قطاع غزة الرئيس المخلوع حسنى مبارك بالتورط في حصار غزة قائلاً: “صاحب القصر السابق الرئيس المصري المخلوع مبارك كان متورطا في حصار غزة وربما الحرب عليها. وذكر موقع (سما) إن الرئيس المخلوع رفض لسنوات أي لقاء مع المقاومة ورجالها ورفض دوما الاعتراف بإرادة الشعب الفلسطيني.. ولكن بالأمس الرئيس محمد مرسى يستقبل قادة حماس وهذا جاء من خلال صبر أهالي غزة وصمودهم وتعبيرا لإرادة الثورة”.
وأضاف هنية في خطبة الجمعة التي ألقاها بقطاع غزة: “اللقاء الذي جمع أمس بين الرئيس المصري ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس نتج عن الربيع العربي” الذي “سيفتح صفحات الخلافة”. وقال إن ثورات الربيع العربي لن تنته إلا بتحرير فلسطين من الاحتلال مؤكدا أن (إسرائيل) ليس لها مستقبل على الأرض الفلسطينية، لافتا إلى أن ارتفاع درجة الوعي الإسلامي في المنطقة هو الذي دفع إلى هذه الثورات التي ستقوم على تحقيق إرادة الشعوب. وتابع: “بالأمس التقى قادة المقاومة الفلسطينية من حماس بالرئيس المصري محمد مرسى والربيع العربي مستمر حتى تسقط جميع أركان الظلم والطغيان وتستعيد الأمة زمام الأمور وتستكمل بقية الملفات وأهمها تحرير فلسطين كلها والقدس والأقصى، فترة الحكم الجبري بدأت بالزوال وستفتح صفحات الخلافة الراشدة”. وكان الرئيس محمد مرسى قد التقى أمس وفد قيادي من حركة حماس برئاسة رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل الخميس ووصفت حماس اللقاء “بالتاريخي”، مؤكدة أنه ساده حالة من الود والترحاب.
نعم دولة الخلافة هي السر ومفتاح اللغز القُطْري والإقليمي للحركات الإسلامية المغرقة في السذاجة والجهل والبله بحقائق الإسلام. ولقد أباح إسماعيل هنية بسر إستراتيجي في لحظة زهو وغرور بالنفس حتى أنه لم يتورع بعقليته السلفية الوهابية من أن يصب جماع غضبه على السودانيين الجنوبيين كونهم صراصير، لأنهم في اعتقاده المبطن يعملون ضد أحد أجنحة دولة الخلافة القادمة. هنية هو أول من أسس لإمارة إسلامية بمفهوم الخلافة “الراشدة” حين أنتزع قطاع غزة. ولكن من يضمن لهم أو لنا ألا يرث “دولة الخلافة الإسلامية الراشدة” آل سعود؟ لا ضمان البتة، بل هو شيء محقق. أخرج آل سعود أخيرا بعد عقود سبعة من جعبتهم صورة لحسن البنا يقبل يد المؤسس للدولة السعودية عبد العزيز الذي أهدى فلسطين لليهود – وفي أقصى الاحتمالات تشاؤما تمخض عن العلاقة الوهابية-الأخوانية جيل يحمل في جيناته كروموسومات ثلاثية الأبعاد (بن عبد الوهاب-البنا-قطب) فولد “الرحم النجدي” جنينا مهجنا يسمى السروريون ويمثلون اليوم نصف السلفية – البيضاء – كما يحب أن ينعتها تلاميذ بن باز، تمييزا لهم عن السروريين الخطرين. فالعلاقة العضوية والتاريخية لتنظيم حسن البنا بآل سعود وبريطانيا هي حقيقة لا تقبل الجدل.
من يستطيع أن ينكر هذه العلاقة العضوية؟ ومن يستطيع أن ينكر أن هذا المخاض الإقليمي الإسلامي المتورم تديره الآن لندن وتل أبيب وواشنطون والرياض؟ ولا حتى معيز السودان.
إذن إسقاط النظام السوري – وقبله الليبي- ليس لحاجة صهيونية أو إمبريالية أو سعودية بحتة، بل إنه أيضا حاجة في أجندة الأخوان المسلمين الطموحة لصالح دولة الخلافة الإسلامية “الراشدة” – وإلى الآن لعبت الظروف الموضوعية لصالح تنظيم الأخوان المسلمين ولكن على طريقة الشيخ القرضاوي الملتوية وقد صرح قبل أسابيع قليلة: لو خرج محمد (ص) من قبره في أيامنا هذه.. لتحالف مع حلف الناتو!! ولا نعرف ماذا قصد الشيخ المخرف، هل يقصد تحالف نبينا مع الناتو ضد سوريا وحزب الله وإيران؟ أم ضد روسيا الاتحادية؟ لا حاجة للرد على شيخ معتوه مصاب بلوثة مثل لوثة بن تيمية.
وبإزاحة مقرن بن عبد العزيز رئيس جهاز المخابرات والأمن السعودي من منصبه (مقرن هو صاحب مصنع السلام للأسمنت، والبنك الإسلامي السوداني وصحيفة الصحافة) ووضع بندر بن سلطان في مكانه، يتوقع المراقبون المزيد من الدمار وإراقة وسفك الدماء والخراب في العالم العربي الذي قد يرتد على الأنظمة الخليجية نفسها. فهذا البندر المنبوذ في العائلة المالكة لسواد بشرته وكون أمه حبشية لديه شغف مريض للتعلق بأسباب القوة كتعويض نفسي. فهو مجرم بالفطرة – الرشوة، والقتل، والاغتيال، والتفجير بخفية جميعها أساليبه الاعتيادية في سحق الخصوم. وهو أحد عرابي نظرية القاعدة لدى صانع القرار الأمريكي كأن تستفيد واشنطون من هذه الظاهرة السلفية القتالية والتحكم فيها من فوق. لذا واشنطون ترقص على الحبال وتدعم القاعدة وتنظيم الأخوان المسلمين بخفية دعما كاملا – بل هنالك صفقات سرية تمت فيما بينهم. وأحد ثمار هذا التعاون الأمريكي الصهيوني السعودي القطري رسم خريطة الشرق الأوسط مجددا. ونرى اليوم واشنطون تدعم القاعدة بشكل أكثر جرأة لاختراق وتدمير سوريا. ومن أجل خداع العالم الحر الدولي، تقوم واشنطون من وقت لآخر باغتيال سلفي مجرم خطر بشكل انتقائي بطائرة بدون طيار في اليمن أو أفغانستان أو باكستان الخ من أجل دق الطبول الإعلامية وذر الرماد. كسفير للمملكة في واشنطون لثلاث وعشرين عاما تم تجنيد بندر بن سلطان كأحد أهم الشخصيات قاطبة لدى المخابرات المركزية الأمريكية CIA، وأستطاع البندر أن يمد حباله مع صانعي القرار الأمريكي وعائلاتهم منهم عائلة بوش، وبندر هو صانع الصفقات التسليحية السعودية وتدخل جيبه المليارات كعمولات واجبة السداد. وهو كذلك من خطب في أربعمائة أمريكي متنفذ في حفل بالبيت الأبيض بقوله لهم أنكم قوة خير في العالم أمضوا ولا تلتفتوا للحاقدين عليكم، يحثهم وقتها على غزو العراق وتقسيمه. ثم هو من تل أبيب يجلس في قيادة أركان وجنرالات الحرب الصهيوني يتابع معركة حزب الله في يوليو/أغسطس من عام 2006م وأنتصر فيها حزب الله. ثم هو بندر بن سلطان لا غير والشيخ القرضاوي من يدير الآن الملف السوري.
هذه نبذة قصيرة عن الرجل السعودي، وسيرته الذاتية الإجرامية أكبر من ذلك بكثير!!
بالرجوع للشيخ حسن الترابي مجددا عند مطلع انقلاب الإنقاذ في بداية التسعينيات، نجد الشيخ الترابي قد فتح أبواب السودان كافة لمقاتلي القاعدة السلفيين بما فيهم أسامة بن لادن الخ، السؤال المحير هنا: كيف لم يتسنى لمفكر إسلامي على وزن الشيخ الترابي أن يفشل في تشخيص الظاهرة السلفية الوهابية؟
لو كان يفهمها في العمق حقا لما فتح الشيخ الترابي أبواب السودان لأسامة بن لادن وقاعدته الدموية. فالفكر السلفي الوهابي خط ديني تكفيري يقتاد من عقيدة بن تيمية الحشوية التكفيرية، بل بن تيمية نفسه وتلاميذه مثل بن القيم، وبن كثير، والذهبي الخ يصنفون في عقيدتهم على أنهم ينتمون عقيديا وفكريا لفكر الخوارج – ومن المتواتر في علم الحديث أن قال النبي صلى الله عليه وآله في الخوارج أحاديث كثيرة ووصفهم بدقة وكلها تعتبر أحاديث نبوية صحيحة ومتواترة وبألفاظ عدة، مثل يمرقون من الدين كمروق السهم من فوقه أو من الرمية ولا يعودون إليه، يقرؤون القرآن ولا يتجاوز تراقيهم وفي رواية أخرى حلوقهم وأخرى حناجرهم، وليسوا من القرآن في شيء، “طوبى لمن قتلهم وقتلوه” وأيضا ” فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا لمن قاتلهم عند الله يوم القيامة”، هم كلاب النار، وشر الخلق والخليقة، يأتي في آخر الزمان قوم كأن هذا منهم (أحد رؤوس الخوارج وقد تجرأ على النبي (ص) بالقول: ما عدلت يا محمد)، سيماهم التحليق أو التسبيد – وقد انطبقت هذه الصفة على محمد بن عبد الوهاب وجماعته حين كان يأمر في مبدأ دعوته أتباعه بحلق شعر رؤوسهم. وقد حث النبي (ص) الصحابة بقتال الخوارج مع الإمام علي وأمر الإمام علي بقتالهم. وحين طحنهم الإمام علي في معركة النهروان طحنا عام 39 ه لم ينجو منهم سوى تسعة هربوا بجلودهم، فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم أجمعهم، فقال لهم الإمام عليه السلام: كلاّ والله إنّهم نطف في أصلاب الرجال وقرارات النساء، كلّما نجم منهم قرن قطع، حتى يكون آخرهم لصوصاً سلاّبين!! ومصداقا لكلام أمير المؤمنين أن الخوارج لا ينقطع نسلهم على يوم القيامة نشير للحديث التالي:
قال النبي (ص): (يخرج في آخر الزمان قوم كأن هذا منهم (ذا الخويصرة قال للنبي ما عدلت) يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال فإذا لقيتموهم هم شر الخلق والخليقة) رواه النسائي، ومشكاة المصابيح ج2ص308
“سيماهم التحليق” هكذا وصف النبي (ص) القوم (الخوارج) الذين يخرجون في آخر الزمان – وهذا الزمان زماننا، وهذا الوصف أهم النقاط المطلوبة في مقالنا هذا. فلقد أجزم كل علماء المسلمين قاطبة عند خروج البدعة الوهابية 1703-1791م إنه لم تنطبق صفة “سيماهم التحليق” على فرقة من الفرق الإسلامية إلا على المبتدع محمد بن عبد الوهاب وفرقته وأتباعه حين كان يأمرهم في بدء أمره بحلق شعور رؤوسهم.
أين الشيخ الترابي من هذا كله؟ ولماذا حصر نفسه في قضايا فرعية ثانوية مثل حديث الذبابة وإمامة المرأة الخ وكلها لا تمس جوهر الدين ولا أصوله الذي يدمره آل سعود من سنة لأخرى، ويستبدلونه بدين جديد – هكذا قال العلامة محمد سعيد رمضان البوطي وهو حي يرزق. ثم تأتي الكارثة حين لا يكفر أزلام الوهابية أشباه العلماء المدلسين جمهور الشيعة وعلمائهم بتقويلهم ما لم يقولوه فحسب ويلفقون فيهم الأكاذيب فحسب، بل أيضا يستغلون المعركة المفتعلة ضد الشيعة لضرب المذاهب السنية الأشعرية الأربعة. لماذا يصمت الشيخ الترابي ولا يرد مثلا على أمثال بن عثيمين الذي لا يألوا جهدا في تكفير أهل السنة الأشعرية، بل قالها صريحة: إن المذاهب الأشعرية تدين بدين غير دين الأنبياء. ولا يظن أحدكم أن هذا الرأي رأي شخص فرد كابن عثيمين، بل هو عقيدة ثابتة في الفكر الوهابي الذي يعتبر امتدادا لعقيدة بن تيمية، فالأخير كتبه مليئة بتسفيه رؤساء المذاهب الأشعرية الأربعة. وعلى سبيل المثال لا الحصر عليك بقراءة كتاب (دفع شُبَه من شبَّه وتمرد، ونسب ذلك إلى السيد الجليل الإمام أحمد).
واضح من عنوان الكتاب أن مؤلفه تقي الدين يدمغ بن تيمية 656-728ه بخصلتين: التجسيم للذات الإلهية، والكذب – ويدمغ أيضا تلاميذه، كونهم جميعا يدعون الانتساب إلى المذهب الحنبلي وشيخه أحمد بن حنبل، وواضح من كلمتي : شبَّه وتمرد” أن بن تيمية وتلاميذه يشبهون الله تعالى بشاب أمرد (بلا لحية) ويجسمونه. أما المؤلف فهو تقي الدين أبي بكر الحصني الدمشقي الحنبلي 752 – 829 ه.، ولد بعد أربع وعشرين سنة من وفاة بن تيمية، وكان عمره عند وفاة بن كثير (تلميذ بن تيمية) اثنان وعشرون سنة وقد عاصره المؤلف وهو شاب بالغ في مرحلة التحصيل. لتحميل هذا الكتاب القيم إليك هذه الوصلة:
http://search.4shared.com/postDownload/vaJiorUj/____-___-__.html
بدأ تقي الدين مقدمة كتابه في توصيف بن تيمية وتلاميذه هكذا:
(فإن سبب وضعي لهذه الأحرف اليسيرة ما دهمني من الحيرة من أقوام السريرة يظهرون الانتماء إلى مذهب السيد الجليل الإمام أحمد، وهم على خلاف ذلك، والفرد الصمد، والعجب أنهم يعظمونه في الملأ ويتكاتمون إضلاله مع بقية الأئمة، وهم أكفر ممن تمرد وجحد، ويضلون عقول العوام وضعفاء الطلبة بالتمويه الشيطاني، وإظهار التعبد والتقشف وقراءة الأحاديث، ويعتنون بالمسند، كل ذلك خزعبلات منهم وتمويه، وقد أنكشف أمرهم حتى لبعض العوام. وبهذه الأحرف يظهر الأمر إن شاء الله تعالى لكل أحد، إلا لمن أراد عز وجل إضلاله وإبقاءه في العذاب السرمد. ومن قال بنفي ذلك أي بنفي خلود العذاب وسرمديته وهو أبن تيمية وأتباعه..).
لاحظ أن كلمات تقي الدين أعلاه عمرها 606 سنة، وكلماته تنطبق تماما على سلوك وأخلاق السلفيين الوهابيين القدامى والمعاصرين المعتنقين لعقيدة بن تيمية، من كذب وخداع وتمويه شيطاني..لاحظ قول تقي الدين في بن تيمية وتلاميذه حول شيخ الحنابلة أحمد بن حنبل: (ويتكاتمون إضلاله مع بقية الأئمة) – ويعني ببقية الأئمة الثلاث الأشعريين أبي حنيفة، ومالك والشافعي، وهذا هو المطلوب فأبن عثيمين في عصرنا المعاش يكفر المذاهب الأربعة. وما زال آل سعود وآل الشيخ في غيهم ليس في تكفير وتصفية المذاهب الأشعرية الأربعة فحسب، بل لن يرتاح أل سعود وآل الشيخ حتى يزيلوا قبر الرسول (ص) من مسجده باعتباره بدعة. ولم تكن معركة بن تيمية مع علماء عصره إلا حول قبر الرسول (ص) وشفاعته. فإبن تيمية يحرم ويكفر من يقوم بزيارة قبر الرسول (ص) ويغيظه أن يتشفع به المسلمون – وهذا طبع الخوارج في بغض محمد وآل محمد. اليوم تلاميذ بن باز يتسلون بنسف أضرحة أولياء الله الصالحين بالديناميت في كافة الدول العربية والإسلامية، وإذا تمكنوا من عقولهم سيزيلون قبر النبي (ص) ولن يطرف لهم جفن!!
أين كل هذا من علم الشيخ الترابي، لماذا يصمت عليه؟ وننبه القارئ الكريم، أن تقي الدين أبي بكر الحصني الدمشقي الحنبلي لا يعبر عن اجتهاده ورؤيته الفكرية والمذهبية كحالة فردانية شخصانية فقط، بل يعبر عن عصر بكامله. فالكتب التي كتبت في تسفيه وتكفير بن تيمية هي كثيرة وفي كل عصر ومصر، يطاردها آل سعود بقوة أموال النفط ويتم إعدامها من بوخاريست للهند، ومن سمرقند وحتى تمبكتو، وربما لن نرى كثيرا منها وإن رأينا بعضها فهي عبر الانترنيت، فآل سعود مثل اليهود الخزر يعلمون تاريخ أصول عائلتهم الذي لا يمت لعرب الحجاز، وحكمهم ليس سوى حالة استعمارية طارئة وعابرة ومصطنعة لا تعبر عن شعب الجزيرة العربية، لذا هم لا يسيطرون على دور النشر منذ الخمسينيات في لبنان فحسب، أو يسيطرون على الفضاء الإقليمي الإعلامي منذ 1970م فحسب، بل أيضا يسعون الآن للسيطرة على المطابع في كل الدول العربية بحيلة عمل إتحاد عربي باسم “إتحاد الطابعين العرب”.
اعتمادا على هذا العرض التاريخي التحليلي نجزم أن كل الإرهاصة الإسلامية الحركية في الإقليم العربي ليست على شيء ولن تكون مستقبلا على شيء، فهي ليست سوى “ضجيج” وطبل أجوف “ورغوة خوارج وهابية” تدمدم وتقاس بالمقاييس الشرعية على أنها فتنة كبرى للمسلمين، وأول العالمين المتأخرين بذلك: الشيخ حسن الترابي!!
ولماذا الترابي من المتأخرين؟ هذا غرور المفكر!! لم يفهم الشيخ الترابي إلا متأخرا جدا أن القضية الدينية الإقليمية ليست ساحة تبادل للأفكار الخيرة ما بين رجال صادقين خيرين، وإنما هي لعبة تديرها المخابرات الخليجية مباشرة وغير مباشرة. ويمكننا القول بارتياح أن جل من أدار مكتب الشيخ حسن الترابي تدور حولهم اليوم علامات استفهام، لم يدرك الشيخ أبدا إنه مُسْتهدَف. وعلى ضوء هذا الجهل والفهم المتأخر، وبالمجموع، تقع المسئولية في دمار السودان وتمزيقه على عاتق الشيخ الترابي. ونواصل.
شوقي إبراهيم عثمان
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.