بدأ كل شيء هادئ في شارع الغابة الخرطوم الذي تحول إلى بازار مفتوح وسوق سياحي على الهواء الطلق تزينه الوجوه السمراء لابناء جنوب السودان وتصطف الاناتيك وعصى الأبنوس والمراكب الشراعيات يلتف حولها الاجانب وابناء شمال السودان والاشقاء العرب. ليس في المشهد ما يشير الى زوال هذا المظهر الذي بات معلماً من معالم الخرطوم الافريقية. قمر الدولة دانيال فنان قطري ونحات على الخشب والابنوس قال وهو يبتسم بطيبة وعفوية: «أنا من بانتيو ولاية الوحدة أسرتي تقيم بجنوب السودان ولكنني هنا أكسب رزقي ولم يضايقني احد ولا افكر في العودة الى الجنوب والجنوب به عشرات الشماليين يعملون في التجارة وفي غيرها ولن يتأثروا لا بالانفصال ولا بغيره. معلمي في المنحوتات الخشبية هو الأسطى جون وقد تعلمت صناعة الاناتيك عام سبعة وتسعين الفنين وتسعة بينما بدأ هذا السوق بشارع الغابة ينتعش في ألفين واربعة والفين وخمسة وحتى الآن. الفن جسر الوحدة: سايمون اجاك - نحات وصاحب محل - قال بطريقته الساخرة الفلسفية: «لماذا يحضر الصحفيون الى هذا المكان الفقير؟ لماذا لا تذهبون الى مكاتب السوق العربي، حيث الكهرباء والتكييف؟ وزاد نحن هنا نكسب رزقنا من عمل يدنا ولا احد يضايقنا، في الماضي كانت المحليات تلاحق هذه الامكنة وتفرض الرسوم، ولكن منذ الانتخابات لم يسألنا احد. انا لا اشغل نفسي بمسألة الوحدة أو الانفصال المهم بالنسبة لي لم يأت من يطلب مني المغادرة حتى الآن. ما نقدمه للزبائن هو فن يدوي جميل والفن لا يعرف الشمال أو الجنوب، بل لا يعرف إلاّ الانسان وذوقه فالخواجات والعرب يأتون لهذا المكان لأن به فنون يدوية شعبية». المنافسة الكينية: كوال اكيج بدا مستاء من المصنوعات الكينية المستوردة وقال إنها جاذبة على مستوى الألوان والتنفيذ، ولكنها لا تعبر عن الخبرات السودانية الشعبية مثلاً هذه المرأة ترد الماء وتضع جرة من الفخار على رأسها هذا مشهد خالد في الذاكرة ربما منذ الستينيات لا تجد هذا المشهد في المنحوتات الكينية الحكومة نفسها لا تراقب هذه الاشياء المستوردة وتجعلها تتسرب فنتضرر منها نحن. الفن والمجتمع: جون جوك يعمل في الكنيسة الانجيلية رفاعة قال معلقاً على كثرة المنتجات وتنوعها: «هذا شيء بسيط جداً مقارنة بسوق كونجي كونجو، في جوبا معظم الحرفيين الترزية صناع الملابس والمهنيين في سوق جوبا من الشماليين والناس تعيش في سلام ووئام.. أكل العيش لا يعرف الفوارق طالما انك تعمل بأمانة وتعامل الآخرين معاملة طيبة والانسان يسعى لكسب رزقه في أي زمان ومكان وهذا العمل الفني تم نتيجة لخبرات متراكمة وهو ابداع يأتي مباشرة من رأس صانعه فلا توجد قوالب جاهزة وانما يتم نحت العمل وفق الخبرة البشرية. نمر الفروع: أيزيك ايك قدّم نقداً فنياً وجمالياً لبعض المنحوتات المستوردة مفضلاً عليها الاعمال السودانية قائلاً: المستورد يستخدم ماكينات ويكثر من الأصباغ والألوان وعملنا نحن فيه جماليات كثيرة وفيه خبرات نادرة مثلاً نحن ننحت النمر وهو ينزل من فروع الشجرة ليصطاد غزال. وننحت سحنات القبائل النيلية جميعها فهذا رجل من الشكك تلاحظ عليه السكسك والريش وذلك محارب من الدينكا يحمل الحربة والدرقة المصنعة من جلد القرنتي أو جلد التمساح وبجواره زوجته. ونرسم ملامح فتيات الاستوائية ونخلط في المنحوتات بين الابنوس وعظام الحيوانات لان الفتاة الابنوسية تكون أجمل عندما يحلى جيدها بالعظم أو سن الفيل والسكسك يميّز الفتاة في حلبة الرقص عندنا في الجنوب وكل تشكيلة تفرق بين راقصة واخرى في الجنوب تسعى كل بنت لتمييز نفسها وهنا البنات يقلدن بعضهن وهذا يضعف المنافسة».