زيارة الأمير القطري للسودان، تمثل تحركا إخوانيا لترتيب أوراق الجماعة والتخطيط لسياساتها وتحركاتها القادمة وما يستلزمه ذلك من تدريب عناصر كافية لتوزيع القلاقل في المنطقة. محمد الحمامصي . رغم ما ذهب إليه البعض من أن المحطة التالية لجماعة الإخوان ستكون تونس، إلا أن المؤشرات قديمها وحديثها تجمع على أن المحطة التالية ليس للجماعة الإخوانية وحدها ولكن لجماعات الإسلام السياسي الجهادية منها والتكفيرية سيكون السودان، خاصة بعد فشل تسكينها في غزة أو زرعها في سيناء، وأن الزيارة التي قام بها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد كانت بمثابة تهيئة الأجواء لإعادة تسكين وإيواء هذه الجماعات في السودان وترتيب أوضاعها وتوزيع أدوار قياداتها وتدريب عناصرها للقتال جنوبا أو شمالا، أو حسبما ترى أجهزة اللاعبين الكبار في البيت الأبيض أو تل أبيب أو الاتحاد الأوروبي أو غيرهما. الأمر الذي يعني إعادة الفترة الذهبية لتشكيل تنظيم القاعدة في ما بين 1990 و1996، وهي الفترة التي أقام فيها مؤسس التنظيم أسامة بن لادن وبعض القيادات في الخرطوم، وهي الفترة التي استقطب فيها القيادي الإخواني حسن الترابي جميع رؤوس وعناصر جماعات الإسلام السياسي، حيث فتح الباب بدعوته عام 1991 للتنظيم الدولي للإخوان مستقبلا راشد الغنوشي من تونس، وعباسي مدني وعلي بلحاج من الجزائر، والقادة الأفغان في مقدمتهم برهان الدين رباني وحكمتيار وسياف وغيرهم، آملا أن يكون السودان دولة الخلافة الإسلامية الجديدة، وقد هيئ له ولحلفائه البيئة الأمنية التي تسمح له بالتخطيط بروية، وقتها كانت هناك حالة رضا من بعض الأنظمة العربية التي غذته بالمال والسلاح والاستثمار. تم التمهيد للزيارة القطرية بأكثر من خبر تصدر الصحف الرسمية أحدها يقول أن محسنين قطريين تبرعوا لمنظمة الدعوة الإسلامية لتنفيذ 316 مشروعاً في السودان، منها 129 مسجداً و38 مدرسة للتعليم الأساسي والثانوي وتوفير أثاث 6 مدارس أخرى وتشييد 5 رياض أطفال و18 مركزاً صحياً وتشييد 8 مجمعات إسلامية، وحفر 65 بئراً. ووفقا للخبر يستفيد من هذه المشاريع ما يقارب 7 ملايين شخص، وآخر عن منح النظام الإخواني الحاكم في السودان للنظام القطري حق إدارة الآثار السودانية مقابل منحة قدرها 135 مليون دولار لتطوير تلك المناطق. وأخيرا قدم النظام القطري أثناء زيارة أميره مليار دولار للسودان على شكل وديعة لدعم احتياطيات النقد الأجنبي في البلاد، ولا نعلم هل لهذا المليار علاقة بالمليار الذي كان الأمير السابق قد قدمه أثناء رعايته لمحادثات السلام بين حكومة السودان وحركات التمرد في دارفور. زيارة الأمير القطري لم تأت إذن من باب كسر العزلة المفروضة عليه خليجيا وعربيا، ولكن أتت في إطار التأكيد على أن له نظاما إخوانيا حليفا لا يزال يحكم، وفي ذات الوقت التوافق لإيجاد ممر آمن لخروج من يأويهم من قيادات وعناصر إرهابية وتكفيرية سواء كانوا من الإخوان أو جماعة إسلامية أو جهادية، يستطيع جهاز استخباراته ومعاونوه تمريرهم بطمأنينة، لا يظهر معها الأمير بمظهر البائع والمتخلي عن أفكار من المؤكد إيمانه بها. كما يسمح له بتصفية حساباته مع مصر والسعودية تحديدا، وقد أحسن مستشاروه من العرب والأميركان تفكيرا إذ أشاروا عليه بالسودان، ذلك أن نظامه الإخواني الرازح على قلوب السودانيين والذي قسم بلادهم وأهلك اقتصادهم ومزّق تركيبتهم الاجتماعية، ملوثة يديه بالدم، لذا لا مشكلة لديه في فتح السودان واحتضان إخوانه في التنظيم الإخواني وحلفائه الذين يمكنه الاستعانة بهم للعب أدوار لصالحه. وفي الإطار ذاته يعتبر الأمير القطري أحد أذرع السيد الأميركي وخططه واستهدافاته في المنطقة، والنظام الإخواني السوداني المطلوب رأسه للمحكمة الجنائية الدولية لارتكاب جرائم حرب، ومن ثم فهو في أمس الحاجة إلى رضاء هذا السيد ونيل ثقته وطمأنته أن له أذرعا يمكنها لعب دور بعد قطع ذراعه في مصر بإسقاط الحكم الإخواني، ومن هنا جاءته زيارة الأمير بمثابة طوق نجاة ينتشله من الغرق ويفتح له باب أن يكون لاعبا، فالمهم لديه الرضا السامي للسيد الأميركي وتدفق أموال التنظيم الدولي للإخوان وحلفائه سواء كانوا أفرادا أو دولا. بغض النظر عن طبيعة اللعبة التي يمكن أن يلعبها النظام الإخواني في السودان ضد أشقائه، فيكفيه إرث الجماعة الإخوانية وتنظيمها من الألعاب القذرة، يضاف إليها ما عرف عنه كونه نظاما ابتزازيا فضلا عن ولائه للمشروع الإخواني، لذا من المرجح أن يلعب مع السعودية ومصر ويفاجئهما عقب إيوائه للجماعة وحلفائها بألعاب ضد مصالحهما ومصالح الأمة العربية. ولأن المجتمع السوداني في أغلبيته الساحقة يرزح تحت وطأة ظروف معيشية صعبة لاقتصاد متهالك، وقبضة أمنية واستخباراتية حديدية لا تعرف الرحمة، فضلا عن تدينه وطيبة وسماحة أخلاق أهله ومسالمتهم، لن يتمكن من رفض سياسات نظامه أو الخروج عليه والإطاحة به، وقد جرّب فشل الخروج في مظاهرات واحتجاجات أكثر من مرة آخرها استمرت خلال أكتوبر 2013، حيث تواطأت عليه أجهزة الإعلام العربية والغربية بمساندتها ودعمها للنظام وتركته ينزف ويقتل منه ما يزيد عن 100 قتيل. لذا فإن زيارة الأمير القطري للسودان، لابد أن توضع في موضعها وتسمى باسمها الحقيقي، وهي أنها تمثل تحركا إخوانيا لترتيب أوراق الجماعة والتخطيط لسياساتها القادمة وما يستلزمه ذلك من تدريب عناصر كافية لتوزيع القلاقل في المنطقة للضغط على الأنظمة الممانعة والمصنفة فيها جماعة إرهابية، وذلك في بيئة آمنة، وليس هناك أكثر أمنا من السودان في هذه المرحلة. كاتب صحفي مصري